أحدث القانون الذى أصدره الكونجرس الأمريكى فى التاسع من الشهر الجارى تحت عنوان «قانون العدالة ضد الإرهاب» ردود فعل متباينة فى كافة الأوساط الإقليمية والدولية، ذلك أن القانون الذى تم إقراره يسمح لأقارب ضحايا الهجمات الإرهابية التى وقعت فى الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001 برفع دعاوى قضائية ضد المملكة العربية السعودية وغيرها، ومطالبتها بدفع تعويضات عن الخسائر التى ألحقت بهم.
وهذا القانون سبق أن تم طرحه مع بداية العام الجارى، عندما حذر وزير الخارجية السعودى عادل الجبير، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة فى أبريل الماضى، من خطورة تمرير مشروع قانون يجرى تداوله فى مجلس الشيوخ ويستهدف السعودية فى هذا الوقت.
لم تحرك تحذيرات وزير الخارجية السعودى ساكناً، ذلك أن الكونجرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب، ظل مصراً على إصدار القانون الذى يمثل خروجاً على كافة القواعد القانونية الدولية المتعارف عليها، ويُعد بمثابة ابتزاز يستهدف ما هو أكبر من الاستحواذ على مبالغ مالية قد تصل إلى المليارات.
وقد حذر الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، فى بيان شديد اللهجة صدر عن الجامعة العربية، حيث أكد أن هذا القانون يتضمن أحكاماً لا تتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أو مع القواعد المستقرة فى القانون الدولى، كما أنه لا يستند إلى أى أساس فى الأعراف الدولية أو القواعد المستقرة للعلاقات بين الدول، ولا تقر تحت أى ذريعة فرض قانون داخلى لدولة على دول أخرى.
وبالرغم من أن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجى «عبداللطيف الزيانى» سبق أن أصدر تصريحاً أكد فيه ذات المعانى وهدد من خرق مبدأ حصانة السيادة للدول فإن كل ذلك لم يحرك ساكناً لدى الجهات المسئولة فى الولايات المتحدة، كما أنه بات من الغريب صمت الأمين العام للأمم المتحدة «بان كى مون» الذى لم يعلق على القانون حتى الآن رغم أنه يمثل تجاوزاً واعتداء على ميثاق الأمم المتحدة، فى حين أن الأمين العام لا يتردد فى إصدار البيانات التى تعبّر عن التضامن مع أى من النشطاء الذين يتم توقيفهم لسبب أو لآخر فى مصر أو غيرها!!
إن من يظنون أن الإدارة الأمريكية بعيدة عن هذا القانون واهمون، أو كأنهم لا يقرأون أبجديات السياسات الأمريكية ومخططاتها، صحيح أن المتحدث باسم البيت الأبيض «جوش إرنست» قال: «إن بلداناً عديدة ستتمكن من استخدام هذا القانون كحجة فى ملاحقة الدبلوماسيين الأمريكيين وحتى الشركات الأمريكية فى العالم»، إلا أن هذا الكلام ليس أكثر من ذرٍّ للرماد فى العيون!!
صحيح أن إدارة أوباما قد تستخدم حق النقض «الفيتو» كما جرى التصريح بذلك، إلا أن البيت الأبيض سوف يسعى جاهداً إلى محاولة إملاء أجندته السياسية والاقتصادية والأمنية على السعودية كبديل لوقف العمل بهذا القانون.
وإذا كانت واشنطن تظن أن المملكة قد تقبل بهذه الأجندة فإنها تكون بذلك كمن يحرث فى البحر، ذلك أن السعودية أدركت أن أهداف الإدارة الأمريكية أكبر من أن يتم استيعابها، وأخطر من أن تتم الموافقة عليها، لذلك أعتقد أن هناك حرباً مفتوحة باتت على الأبواب بين واشنطن والرياض، سوف يُستخدم فيها كثير من أسلحة الضغط فى الفترة المقبلة.
إن واشنطن تدرك تماماً براءة المملكة من هذه الاتهامات الظالمة، وربما عبّر عن ذلك أفضل تعبير «ألكسندر شوميلين»، رئيس مركز تحليل نزاعات الشرق الأوسط فى معهد الولايات المتحدة وكندا، عندما قال: «إن مشروع القانون الأمريكى شعبوى وغير حرفى، حيث لا يوجد هناك أى دليل على تورط مسئولين من المملكة العربية السعودية فى العمليات الإرهابية التى مضى عليها 15 عاماً».
وأضاف «شوميلين» القول: «إذا كان هناك 15 من مجموع 19 شخصاً شاركوا فى العملية الإرهابية من مواطنى المملكة، فإن ذلك لا يعنى شيئاً، فهؤلاء عملياً يعادون الولايات المتحدة، كما يعادون العائلة السعودية الحاكمة، وإن قرار الكونجرس يستند إلى فهم مشوه لواقع الأمور، فإذا رُفع هذا القانون إلى مستوى الدول ستكون عواقبه سلبية جداً للعلاقات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية».
إن الخطير فى الأمر أن هذا القانون لن يكون مقصوراً على المملكة العربية فحسب، ذلك أن من بين المتهمين أيضاً إماراتى ومصرى، وهو ما يهدد أيضاً برفع قضايا ضد مصر، وضد دولة الإمارات، مما يهدد مسار العلاقات بين الدول ويدفع إلى فتح الأبواب أمام مزيد من التداعيات، والخروج على المواثيق الدولية، وإعلاء مبدأ القانون الداخلى للدولة على حساب القانون الدولى.
هنا يجب القول: إن كل الدبلوماسيين وحكام الولايات المتحدة معرضون بدورهم للتوقيف فى بلدان كثيرة بتهمة ارتكاب جرائم من شأنها تعريضهم للمحاكمة، وهو نفس ما يسرى على بقية قادة وحكام الدول الأخرى.
إن الجامعة العربية، والأمم المتحدة، مدعوتان لاتخاذ مواقف حاسمة، تضع حداً للاستهانة الأمريكية بالقوانين الدولية المستقرة، وفى مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة الذى ينص على حصانة الدولة وسيادتها.
أما الصمت، وترك الأمور تمضى إلى منتهاها، فهذا سيقودنا جميعاً إلى فوضى من نوع جديد، قد تقوّض وجود الأمم المتحدة ذاتها، بعد أن أصبحت مجرد ألعوبة فى يد أمريكا وحلفائها.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com