ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

حياة الشبع والامتلاء

القمص. أفرايم الأنبا بيشوي | 2010-12-18 00:00:00

بقلم: القمص أفرايم الأورشليمي

الحاجة للامتلاء والشبع

نحن في حاجة ماسة هذة الأيام إلى حياة الشبع الروحي والامتلاء والفيض، في عصر يزداد فيه غلاء الأسعار، ونسبة التضخم، والقحط الروحي، وعدم الشبع؛ رغم أن الكثيرين يموتون من أمراض سببها عدم العدالة وسوء التوزيع، فمنهم من يموت بسبب أمراض يسببها الأكل والتخمة، وآخرون يموتون بسبب الجوع!! وكلا الفريقين يظل جوعان للشبع الحقيقي ولا يجده، يبحث عن السعادة وكأنها سراب نركض نحوه فيهرب منا. وعندما نرى الكثيرين يلهثون وراء الغنى المادي بشتَّى الأساليب المتاحة، حتى ولو بالغش والتهرب والسرقة، وعندما نرى البعض يبحث عن اللذة في الأكل والشراب والدنس والخطيئة، وحينما يتقاتل الكثيرون ويبيعوا ايمانهم ومبادئهم سعيًا وراء سلطة لا تدوم أو منصب يورِّث الهموم، وعندما نرى البعض يختالون علي الأرض بكبرياء، ويتعاملون مع الآخرين بصلف وجفاء- نبحث عن السبب نجدهم يبحثون عن حياة الشبع والامتلاء والسعادة، وإن بعدت عن كل هؤلاء. فالسعادة الحقيقية ليست في امتلاك كل هذه الأشياء، بل في سيادتك علي نفسك، وأن تضبط ذاتك، وتشبع بالله ومعرفته والاتحاد به، وأن تمتلئ بروح القداسة والوداعة والعفة، وأن تمتلك الأشياء لا أن تمتلكك.

العالم يغرينا ويقول- لاسيما في الأعياد: كلوا، واشربوا، واشتروا، واستمتعوا. ونحن نقول: ازهدوا، واتركوا؛ فقيمة الإنسان في ذاته وسعادته، يجدها في المحبة الباذلة، لا في الأخذ والامتلاك.

إن هناك كثير من الأنواع من الشبع والامتلاء، مثل الامتلاء من الأمور الروحية أو المادية، أو الامتداد في العلاقات الاجتماعية أو في المعرفة الثقافية، أو الغنى المادي. وعندما نقول أن هذا الشخص "مليان"، إننا نقصد أنه شخصية لديها الثراء الفكري والعاطفي والروحي أو المادي. واحساس الفرد بقيمته، والقناعة بما لدينا، عامل هام في احساسنا بالامتلاء، مع عدم الاكتفاء، لاسيما في المجال الروحي والفكري والاجتماعي..

نحن نحتاج للإمتداد إلي فوق نحو الله، وأفقيًا نحو الناس، وإلى العمق نحو الإنسان الداخلي.

كيفية الشبع والامتلاء
هنا أذكر لكم قصة حدثت في العهد القديم "وصرخت إلى أليشع امرأة من نساء بني الأنبياء قائلة: إن عبدك زوجي قد مات، وأنت تعلم أن عبدك كان يخاف الرب، فأتى المرابي لياخذ ولدي له عبدين. فقال لها أليشع: ماذا أصنع لك؟ أخبريني ماذا لك في البيت؟ فقالت: ليس لجاريتك شيء في البيت إلا دهنة زيت؛  فقال: اذهبي استعيري لنفسك أوعية من خارج من عند جميع جيرانك، أوعية فارغة لا تقللي. ثم ادخلي وأغلقي الباب على نفسك وعلى بنيك، وصبي في جميع هذه الأوعية، وما امتلأ انقليه. فذهبت من عنده وأغلقت الباب على نفسها وعلى بنيها، فكانوا هم يقدِّمون لها الأوعية وهي تصب. ولما امتلأت الأوعية، قالت لابنها: قدِّم لي أيضًا وعاءً، فقال لها: لا يوجد بعد وعاء، فوقف الزيت. فأتت وأخبرت رجل الله. فقال اذهبي بيعي الزيت واوفي دينك، وعيشي أنت وبنوك بما بقي". (2 مل 1:4-7).

إن هذه القصة بمغزاها الروحي والحرفي، نجدها تمثِّل حياة الفقر والشبع. حياة الفاقة والامتلاء. وتعطي لنا رجاءً في الله الذي يصنع المعجزات. إن الشيطان قد سلب الإنسان غناه، ويظل يدفعه للجمع وعدم الشبع "العين لا تشبع من النظر والأذن لا تمتلئ من السمع" (جا 1 : 8). ولهذا، جاء إلينا المسيح إلهنا المخلص الحقيقي؛ لنؤمن به، ويملأ حياتنا شبعًا ومحبة، وقلوبنا فرحًا ونعيمًا، وأرواحنا سلامًا ومسرة.
وقال لنا السيد الرب: "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو 7 : 38). قال هذا عن الروح القدس الذي يغني الروح والقلب والنفس؛ فيسدِّد الرب ديوننا بنعمته، ويصد عنا المرابي الظالم، ويدافع عنا ضد إبليس وكل قواته، ويقودنا في برية هذا العالم، ومعه لا يعوزنا شئ.

إن إحساسنا بالجوع وحاجتنا للشبع، تحتاج إلى إعداد النفس للامتلاء، وغلق أبواب الفكر عما يُفسد، وسماع كلمة الله والعمل بها، والثقة في مواعيد الله، وعدم الاكتفاء والنمو للوصول إلى ملء القامة الروحية.

الرجوع إلى النفس والله
الابن الضال في طيش وتهور، ظنَّ أن وجوده في بيت أبيه عائق في طريق سعادته؛ فأخذ نصيبه من المال، وذهب إلى كورة بعيدة، وهناك بدَّده في عيش مسرف. ولما جاع أخيرًا واشتهي النجاسة ولم يجدها، وأحسَّ بالجوع والحرمان، رجع إلى نفسه، وقال: أقوم وأرجع إلى أبي، وأقول له: أخطأت يا أبتاه في السماء وقدامك، ولست مستحقًا أن اُدعي لك ابنًا. ذهب إلي أبيه منكسر النفس، ممزَّق الثياب، حافي القدمين. ولما رآه أبيه من بعيد ركض إليه، ووقع على عنقه مقبِّلاً إياه. ألبسه أبيه حله غالية، وحذاءً جديدًا وذبح له العجل المثمَّن، وأحضر المغنين ليفرح مع ابنه والأحباء برجوع ابنه.. هكذا يفرح الله والملائكة والقديسون برجوع الخاطئ، ويشعر التائب بالقبول والغفران، ويسعد بالحياة في حضن الآب المحب.

حقًا ما أحلى الرجوع إليه
إن كثيرين ممن نظن إنهم سعداء بمتع العالم وشهواته، يشتهون النوم ولا يجدونه، ويطلبون السلام ويبتعد عنهم، ويودون الراحة ولا يجدون إلا الشقاء. وحقًا قال الكتاب: لا سلام للأشرار. وإلا فلماذا انتحرت "مارلين منرو"، والفنانة الشهيرة "داليدا" و"كريستينا أوناسيس" ابنة الملياردير اليوناني "أوناسيس" صاحب الجزر والأساطيل البحرية والطائرات والمليارات، والذي يُعد من أكبر أثرياء العالم.. ولأن "كريستينا" وريثته الوحيدة؛ فقد ورثت عن أبيها كل ثروته الهائلة، إلا أن ذلك لم يحقق لها السعادة التي تبحث عنها، فقد تزوجت عددًا من المرات، وكان زواجها الأخير من أحد الشيوعيين، حيث سئمت حياة الترف والثروة، وذهبت لتعيش مع زوجها في منزل متهالك في أحد أحياء "موسكو" الفقيرة، إلا أن الفشل لاحقها في هذا الزواج أيضًا؛ ففارقت زوجها بعد أن أصيبت باكتئاب مزمن وحزن مرضي متصل، ولم تستطع الثروة والمال أن تحقِّق لها أبسط معاني السعادة الإنسانية، وأقل درجات الرضى والطمأنينة؛ فقرَّرت الانتحار، وُوجدت ميتة على أحد السواحل الأرجنتينية، بعدما ابتلعت عددًا كبيرًا من الحبوب المنومة، وكان عمرها آنذاك سبعة وثلاثين عامًا فقط.

أعدد ذاتك للامتلاء
أنت صنيعة أفكارك؛ فقل لي في ماذا تفكر، أقول لك من أنت! إن ملأت فكرك وقلبك وروحك بأباطيل العالم المملؤة تعبًا، فستورثك القلق والهم والكأبة، وإن سعيت وراء شهواته، فستموت بالحسرات. إن فاقد الشئ لا يعطيه.. العالم أفقر من أن يغنيك. أنت هو غنى العالم بفكرك المبدع، وبصلتك بالسماء، وبنور المسيح الذي فيك تستطيع أن تنير للآخرين الطريق. فأعدد ذاتك للامتلاء بالروح القدس، مفرغًا ذاتك من اهتمامات العالم المملؤة تعبًا. وأعدد ذاتك لاستقبال طفل المذود بتواضع ووداعة وهدوء ومحبة. مقدِّما له قلبك ذهبًا، وصلواتك لبانًا وبخورًا مقدسًا يصعد إلى عرش النعمة، واحتمالك وأتعابك وصبرك ناردين رائحته طيبة لدي الله.

غنى حكمة الله
تراءى الله لـ"سليمان الحكيم" قديمًا، سائلاً إياه ماذا يطلب منه؟ فماذا طلب "سليمان" "اعطني الآن حكمة ومعرفة لأخرج أمام هذا الشعب وأدخل؛ لأنه من يقدر أن يحكم على شعبك هذا العظيم" (2أخ 10:1) "فقال الله لسليمان من أجل أن هذا كان في قلبك، ولم تسأل غنى ولا أموالا ولا كرامة ولا أنفس مبغضيك ولا سألت أيامًا كثيرة، بل إنما سألت لنفسك حكمة ومعرفة تحكم بهما على شعبي الذي ملَّكتك عليه، قد أعطيتك حكمة ومعرفة، وأعطيتك غنى وأموالاً وكرامة لم يكن مثلها للملوك الذين قبلك ولا يكون مثلها لمن بعدك" (2 أخبار 1 : 11-12).

نعم يا أحبائي، في المسيح يسوع مذخر لنا كل كنوز الحكمة والعلم. فهل نقترب إليه وهو يدعونا أن ننهل مجانًا ونمتلئ بكل حكمة روحية، ونكون حكماء "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب" (كو 3 : 16).

لنعلم يا أحبائي أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله. وأن غني الايمان بالله والسلام المرافق له، لا يمكن أن نحصل عليه بأي أموال "طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم" (أم 3 : 13). سعيد هو الإنسان الحكيم، لا بحكمة أهل هذا العالم التي تتميز بالمكر والدهاء، بل الحكمة النازلة من عند أبي الأنوار "وأما الحكمة التي من فوق، فهي أولاً طاهرة ثم مسالمة مترفقة مذعنة، مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة، عديمة الريب والرياء" (يع 3 : 17).

الامتلاء من المحبة الروحية

العالم في جوع حقيقي للمحبة الروحية الطاهرة، ويريد أن يراها فينا "ونحن قد عرفنا وصدَّقنا المحبة التي لله فينا. الله محبة، ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (1يو 4 : 16). المحبة لا تسقط أبدًا؛ لأن الله محبة "في هذه هي المحبة، ليس إننا نحن أحببنا الله، بل إنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1يو 4 : 10). لقد أحبنا الله وتجسَّد كلمة الله الأزلي؛ ليعلن لنا أنه حب، ولكن لم يجد في مولده قلوبًا تستقبله بالحب، ولا بيوتًا يُولد فيها؛ فولد في مذود بقر، ونادي بالمحبة فما كان من جحودنا إلا أن يقدِّم له الصليب. وفي وقت عطشه قدَّموا له على الصليب خلاً ليشرب! ولأنه الحب، مازال يقرع علي القلوب والبيوت ليجد مأوى ودفء من برد شتاء المشاعر والأنانية. نحن في حاجة إلى الامتلاء بالحب الذي يسعد النفس. يجب أن نكون كأنوار تجذب الآخرين وتشهد لحب من أحبنا "واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضًا وأسلم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله رائحة طيبة" (أف 5 : 2).

إننا إذ نمتلئ بالمحبة نشبع ونروي ظمأ العالم وحاجته إلى المحبة. وهذه هي غاية الوصية "وأما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء" (1تي 1 : 5). وإذ نحب الله، فنتيجة لذلك سنحب كنيسته وأبنائه، ونبذل أنفسنا من أجل الجميع، حتى الأعداء والمسيئين في حب. وبهذه المحبة المسيحية نعلن ونشهد لايماننا.

الصلاة والشبع

إننا نصلي مع القديس "بولس الرسول" لكي ما تستنيرعيون أذهاننا، لنعلم ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين (أف 1 : 18). إن الصلاة تشبع النفس الجائعة لله، ولا أنسى إنني قابلت في القدس أحد الأباء الرهبان الفرنسسكان الذي سار لمدة ثلاث سنوات عبر العالم من "أيطاليا" إلى "الهند" سيرًا على قدميه، ثم رجع إلى "القدس" فى سنة 2000م. وعندما سألته كيف كانت الرحلة؟ أجاب: لقد كانت الصلاة الدائمة شبعه وسروره.. نعم كان يجود عليه الخيِّرون بما لهم، لكن في كل الدول والمدن والقرى، كان رسالة الله المقرؤة من جميع الناس، في ايمان وثقة بالله المشبع والحافظ سار، وفي ظل القدير كان يبيت "هكذا أباركك في حياتي، باسمك أرفع يدي، كما من شحم ودسم تشبع نفسي، وبشفتي الابتهاج يسبِّحك فمي" (مز4:63-5).

هل تشعر بالجوع الروحي؟ ارفع قلبك بالصلاة لله، وهو يشبع جدوب نفسك، ويقدر أن يملأ قلبك بالسعادة، ومعه ينتفي الاحساس بالحرمان والوحدة والغربة. علينا إذًا بالجهاد القانوني للحصول علي نعمة الروح القدس لتفيض دهنة الزيت التي لدينا، ويبارك الله فيها، عندما يرى أمانتنا في الجهاد، ورغبتنا في الامتلاء وحرصنا علي النمو.

الروح القدس والامتلاء
الروح القدس هو روح الله القدوس، المعزِّي والمقوِّي والمرشد. هو روح الحكمة والمعرفة.. هو يعلِّمنا كل شئ، ويذكِّرنا بكل ما قاله لنا السيد المسيح.. نحن في حاجة للامتلاء من روح الله القدوس؛ لتجري منا أنهار ماء حي، تقود إلى الحياة الأبدية "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح" (أف 5 : 18).
إن أهل العالم ومحبيه قد يسكروا بخمر العالم وأطيابه، لكن أبناء الله يمتلئون بالروح "لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن" (أف 3 : 16).

إن "اليصابات" و"زكريا" عندما امتلأا بالروح، تنبئا وأنجبا لنا القديس "يوحنا المعمدان" الذي ارتكض فرحًا مستقبلاً يسوع المسيح في بطن أمه. وأنت يا من تريد أن تنجب فضائل روحية، وتمتلئ سرورًا بالروح، هل تسلك في وصايا الله لكي يحل عليك روح الله؟ وهل تحيا حياة الشركة والصلاة والايمان؟ "لما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة" (أع 4 : 31). صل إذن بتواضع قلب، وانتظر بشوق أن تمتلئ بالروح وتشعر بغنى المسيح الذي يعطي بسخاء ولا يعيِّر.

الشخصية الغنية الشبعانة
عندما نتكلم عن من هو الشخص الغني والنفس الشبعانة بالله، فإننا نتكلَّم عن الشخص الناجح والسعيد، والذي يستطيع أن يتفوق ويتميَّز في مجتمعه. قد يكون هناك اختلاف بين الناس في الأمزجة والطباع والآراء، لكن مع التباين، وفي عصر يتسم بالقلق والتطور السريع، فإن للسعادة والامتلاء مقاييس نسبية. ومع حاجة الإنسان الملحة للنمو وعدم الاكتفاء، نجد أن السلام النفسي مهم لسعادة الإنسان، كما أن العلاقات الاجتماعية السعيدة، سواء داخل الأسرة أو الكنيسة أو العمل والمجتمع، تعطي للإنسان الاحساس بالشبع. الصحة الجسدية أيضًا عامل هام في الاحساس بالشبع والامتلاء "فلا غنى خير من عافية الجسم، ولا سرور يفوق فرح القلب" (سيراخ 30 : 16). وفوق هذا وذاك، السعادة والشبع الروحي بكل ما ذكرته سابقًا يلعب دورًا هامًا في أن يكون الإنسان سعيدًا ناميًا في كل عمل صالح.
إننا لن نصل إلى الكمال الذي نرجوه إن لم نسع إلى المتاجرة والربح بالوزنات المعطاة لنا، سواء فكرية أو روحية أو عملية.

الإنسان الروحي هو إنسان ينمو باستمرار ولا يتوقف، لا في المعرفة ولا في العمل، حتي يكمل سعيه ويصل إلى هتاف النصرة وتمام السعي، ويُوهَب له إكليل البر.

أحبائي، الله هو مالئ كل مكان، والغني في المواهب، والمعطي بسخاء. لن تشبع النفس البشرية إلا بمحبته، ولن تمتلئ إلا بحلول نعمة روحه فيها، ولن تجد سلامها إلا في رئيس السلام وملك الدهور. نحن نجلس علي قمة العالم عندما نشبع بالمسيح، ونكون نورًا للآخرين. عندما نتحرّر من جاذبية الخطية وتيار الإثم العامل في أبناء المعصية. النفس الشبعانة بالمسيح لن تجد راحتها إلا فيه وبه ومعه.

الغنى المادي والفكري
المسيحية هي دعوة للعمل والبذل والتفوق. إن الله عندما خلق كل شئ، خلقه حسنًا، وإلى الآن يعمل من أجل سعادتنا. وعندما تجسّد الله الكلمة، كان يجول يصنع خيرًا، وجاء لتكون لنا حياة أفضل بل ملء الحياة. ولهذا يشجّعنا الإنجيل على العمل، فمن يقدر علي العمل ولا يعمل ذاك خطية له "فمن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل فذلك خطية له" (يع 4 : 17).

إن أجمل شئ في الحياة تسعد به هو النجاح، والنجاح ليس بعيدًا عن الجميع، بل قد يكون رفيقًا لك إذا كان لديك هدف وقدوة وتصميم وعزيمة صادقة. من نسمع عنهم من مشاهير من هنا وهناك، كانوا يحلمون بالنجاح، ولكنهم صمَّموا واجتهدوا ولم يفقدوا الأمل. فجميع المشاهير قريبين منك ومني، ويعيشون بيننا. وقد تكون منهم إن اجتهدت. فبالجهد والعرق وصل الكثيرون للتفوق والثراء الفكري والعملي والمادي.

الغنى والتفوُّق شئ حسن إن كان بالطرق والوسائل الشريفة والهدف القويم، دون أن نتكل عليه أو يكون إلهًا إو صنمًا نعبده، بل نستخدمه من الله كهبة وعطية ومصدر للسعادة. فإن الله يهبنا كل شئ بغنى للتمتع. إن التواضع والوداعة مع القناعة والشبع بالمسيح، تجعل الإنسان يسلك باعتدال في كل شئ. وعندما يتفوق لا يتكبَّر ولا يبتعد عن الله. وعندما يغتني يكون الغنى وسيلته الجيدة لخدمة الله ومساعدة المحتاجين وإسعاد النفس، والوصول إلى حياة السعادة الحقيقية.

ها صلاتي إليك يا الله
أيها الرب الإله الذي أحبني من فيض محبته، وجاء إلينا متجسِّدًا ليهبنا من غنى نعمته، وباركتنا بكل بركة روحية مريدًا لنا السعادة وملء الحياة. إنى أصلي إليك من أجل البشرية الباحثة عن السعادة؛ لتكشف لنا عن عمق محبتك، وتهبنا الشبع والامتلاء.. املأنا من ثمارك ومواهبك وحكمتك يا روح الله، املأ قلوبنا محبة وايمانًا ورجاءً وسلامًا وفرحًا.. قدِّس أفكارنا وعواطفنا وإرادتنا لنكون كما تريد. املأ حياتنا بالعمق والروحانية والأفكار النورانية؛ لكي نحيا في سلام معك ومع الآخرين وفي أنفسنا، ونمتد بروح العطاء والبذل لنكون نبع للسعادة لمن حولنا، ونجد فيك كفايتنا، وبك نمتد لنصل إلى الكمال المسيحي. وعندما يحين وقت الحصاد، نسمع ذلك الصوت العذب: نعمًا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا في القليل، سأقيمك علي الكثير، ادخل إلى فرح سيدك.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com