قال لـ«الشرق الأوسط» إنه ترأس مكاتب الـ«أسوشييتد برس» في الكثير من البلدان وغطى أحداثا وحروبا في أكثر من 200 بلد
مورت روزانبلام
راغدة بهنام
«أنا صحافي، لا تطلق النار»، جملة يقول (ممازحا) إنه يتقنها بـ8 لغات. فخلال حياته المهنية كمراسل خارجي، غطى مورت روزانبلام أحداثا في أكثر من 200 بلد على امتداد القارات الـ7، خلال 4 عقود في حياته المهنية.
وعلى الرغم من أن معظم الأحداث التي غطاها كانت حروبا، من بينها كل حروب إسرائيل تقريبا، فإنه لا يحب أن يطلق على نفسه تسمية «مراسل حرب». ورغم أنه يدين باليهودية، فإنه يصر على أن ديانته لم تؤثر يوما على تغطيته الصحافية. والداه قدما إلى الولايات المتحدة من روسيا عام 1921. «لا جذور لنا في الأرض المقدسة.. ولا حاخامات في العائلة»، يقول مداعبا.
لا يتردد روزانبلام الذي عارض حرب العراق بشدة في انتقاد قادة بلده، الولايات المتحدة. يقول حتى أن القادة الأميركيين «لا يفهمون العالم». ويعتبر أن الفضائح التي ينشرها موقع «ويكيليكس» حول السياسة الأميركية كلها «خطأ البنتاغون». ويرى أن منع واشنطن الصحافيين من الاطلاع على الوثائق يجعل من موقع «ويكيليكس» حاجة وضرورة صحافية «لإطلاعنا على الحقيقة».
عمل هذا الصحافي الأميركي معظم حياته المهنية مراسلا لوكالة «أسوشييتد برس». وترأس عدة مكاتب للوكالة في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، وأخيرا في باريس. وفي عام 1979، غادر الـ«أسوشييتد برس» ليتسلم منصب رئيس تحرير صحيفة «هيرالد تريبيون» الدولية. إلا أنه لم يبق طويلا فيها، إذ غادرها عائدا إلى الـ«أسوشييتد برس» بعد عامين، وبقي فيها حتى عام 2004. حصل على عدة جوائز صحافية، من بينها جائزة أفضل تغطية صحافية في الـ«أسوشييتد برس» 3 مرات. وتم ترشيحه 8 مرات لجائزة «بوليتزر» الدولية لأفضل عمل صحافي.
يعيش روزانبلام اليوم في باريس، ينشر كتبه. ويعود إلى مدينته توسون في أريزونا، غرب الولايات المتحدة، ليعلم في كلية الصحافة في جامعة أريزونا. «الشرق الأوسط» التقته خلال زيارته لندن، وأجرت معه هذا الحوار:
* أنت تنتمي للديانة اليهودية، هل تعتقد أنك تمكنت من تغطية الحروب الإسرائيلية بموضوعية؟
- أنا أيضا أميركي. وأؤمن بأن الصحافي هو صحافي. ليس دينه وليس وطنه. بالطبع تمكنت من تغطية الحروب بموضوعية. فأنا لست «يهوديا مجنونا»، أنا يهودي بالثقافة.
* عندما شاهدت حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، أنت الذي غطيت كل حروب إسرائيل قبل ذلك، بماذا فكرت؟
- عندما نتحدث عن الشرق الأوسط علينا أن نتذكر أن هناك تطرفا من الطرفين. وكلما تم تحقيق تقدم، يطل مجنون من جانب أو آخر ويعيد الأمور إلى خانة الصفر. الأمر ليس بالبساطة أن إسرائيل هي «الشخص السيئ» وتهاجم الفلسطينيين. فهي يتم استفزازها ولكنها ترد بشكل غير متوازن. بالنسبة إلى إحدى المشكلات هي المستوطنات. لا يمكن أن يكون هناك هذا الكم من المستوطنات في أراض أعطيت للطرف الآخر بحسب الاتفاقات الدولية. فأين يذهب الفلسطينيون؟ يجب أن يكون هناك نوع من الاحترام للقوانين الدولية. ولكن الوضع معقد، ولا أريد أن أقول إن إسرائيل فقط هي السيئة وإن الباقين كلهم طيبون، فهذا غير صحيح.
* لأي درجة يلعب تاريخ اليهود وما تعرضوا له من محارق على أيدي النازيين، دورا في حكمك على إسرائيل؟
- أبدا، لا يؤثر ذلك. أعتقد أنه أمر جيد أن يكون لليهود وطن، وأن حدودها تم التفاوض عليها، ثم انتهكت.. إسرائيل حاولت الدفاع عن نفسها، وأنا كنت أؤيد حقها في الدفاع عن نفسها، ولكنها بدأت تذهب إلى مناطق أبعد من التي أعطيت لها ضمن حدود إسرائيل.. وأيضا في وضع مثل غزة، لا يمكن المبالغة في رد الفعل والمبالغة في القتل. ولا يمكن استعمال قنابل فسفورية على مدنيين وما إلى هنالك، حتى ولو كان هناك استفزاز.
* أنت تؤمن بأن لا تغطية لحدث يمكن أن تكون موضوعية بالكامل. فلنتحدث قليلا عن الموضوعية في تغطية الحروب الإسرائيلية.
- كانت تغطية حروب إسرائيل مرتبطة بالتحرك والأماكن التي يمكن الوصول إليها. كان الأمر أسهل بكثير الوصول إلى حيث هي إسرائيل. فخلال الأوقات الصعبة في لبنان، من الصعب جدا التحرك. ثم تحسنت الأوضاع لفترة، ولكن حصل حادث اختطاف تيري أندرسون وكان الكثير من الصحافيين يشعرون بالتوتر بسبب الأمر. وأيضا إذا أردنا الدخول كان علينا الدخول من جهة الشمال من سورية، والسوريون، تعرفين، هم دائما السوريون.
* إذا السبب كله يتعلق بإمكانيات الوصول إلى المكان.
- وأيضا هناك عامل آخر يلعب دورا، وهو لمن نغطي الخبر. أنا دائما عملت لوكالات الأنباء، وزبائننا كانوا كل الصحف العربية في لندن والعالم الإسلامي، وكل اليمينيين المتطرفين المجانين في كل مكان، والصحف اليهودية.. لذلك حتى ولو أراد أحدنا أن يأخذ طرفا، فلم يكن بإمكانه ذلك. إذا كانت وكالة أنباء تريد القيام بدورها بشكل صحيح، تبقى في الوسط.
* ربما بسبب هذه الميزة، فإنك عملت في وكالة أنباء وليس الـ«جويش كرونيكل» مثلا أو غيرها من الصحف ربما الملتزمة.
- ما كنت لأعمل أبدا لدى الـ«جويش كرونيكل» أو «أراب كرونيكل» أو «فوكس نيوز».. أو أي صحيفة أخرى لديها أجندة معينة، لأنني لا أعود صحافيا، بل أتحول إلى مروج بروباغندا.
* إذا تقول إن كل الصحافيين الذين يعملون لدى صحف ملتزمة ليسوا صحافيين، بل مروجو بروباغندا؟
- لا لا أبدا، ليس هذا ما أقصد.
* إذا تعتبر نفسك محظوظا لأنك تعمل لوكالة أنباء وليس لصحيفة لديها توجهات سياسية معينة؟
- حتى ولو كنت في مكان وفرض علي أجندة سياسية معينة أترك الوظيفة. وقد تركت في الواقع وظيفتين جيدتين لهذه الأسباب. لقد كنت رئيس تحرير الـ«هيرالد تريبيون» لسنتين ومن ثم استقلت لأن الناشر أراد أن يبدأ ملاحق فرضها عليه قسم الإعلانات، وهذا كان ضد مبادئي وتركتها بسبب مبادئ وليس لأسباب سياسية.
* انتقدت وكالة الـ«أسوشييتد برس» مؤخرا، وقلت إنها غيرت تركيزها.. ما تعني؟
- الـ«آي بي» أعادت اختراع نفسها مؤخرا. عندما تأسست كانت عبارة عن تعاونية أسستها مجموعة من الصحف الأميركية لكي يبقوا المصاريف منخفضة، وكل عضو يدفع حصته. ولكن بعد عام 2001، لم يعد مالكو الصحف يريدون دفع المبالغ نفسها، وأرادوا البحث عن مصادر دخل، وتغيرت الـ«آي بي». ورغم أنها بقيت منظمة تعاونية، فقد أصبحت اليوم تركز على أخبار أساسية. وقد أصبحت تستعمل الكثير من الأشخاص الصغار غير المدربين، وأشخاص يقومون بما يطلب منهم من دون نقاش.
* هل تحب أن يطلق عليك تسمية مراسل حرب؟
- ليس هناك ما يسمى بمراسل حرب. أنا مراسل أغطي كل شيء. لا أحب الحرب ومشاهدة الناس تموت، ليس الأمر مسليا أن تكون مراسل حرب يعني أن تكون بين القتلى وتشاهد الناس تنزف وما إلى ذلك وإذا كان أحد يحب ذلك فهو مريض.
* ولكن أنت غطيت الكثير من الحروب؟
- نعم لقد فعلت، لأنني ظننت أنني إذا لم أذهب حتى ولو كان الأمر خطرا، فسيكون هناك آخرون يريدون تغطيتها، وأنا أريد أن أكون مراسلا.
* ولكن إذا كان لديك الخيار أن تغطي الحروب أو أمورا أخرى، هل تختار أي شيء آخر؟
- ليس إذا كانت الحرب قصة كبيرة. أحب أن أغطي القصص الكبيرة.
* هناك سؤال دائما يطرحه المراسلون على أنفسهم: هل تمكنت من إحداث تغيير؟ هل تعتقد أنك أحدثت تغييرا؟
- أحب أن أقول هذا لنفسي، ولكن لا أدري. مؤخرا أصبح الأمر أصعب، من منا كان في الأردن أو العراق في بداية عام 2003 كنا نقول لا تقوموا بذلك (الحرب). أنا كنت في عمان أحاول الدخول إلى العراق.. كل المفكرين والمثقفين في الأردن كانوا يقولون: بالطبع نكره صدام، هو شخص مروع، ولكن إذا دخل الأميركيون لوحدهم تحت العلم الأميركي فسيحصل ما حصل عام 1917 (انقسام الشيعة والسنة).. أشبه ذلك بفيتنام لأنني غطيت حرب فيتنام.. الأميركيون لا يفهمون العالم، حتى قادتهم. ويفكرون بشروطهم.
* ولكن هل تعتقد أنك أنت تفهم دائما الأماكن التي تذهب لتغطيتها بالعمق المطلوب؟
- بعض البلدان لا أفهمها، ولكن أحاول أن أتذكر ما لا أعرفه.. على الصحافي أن يكون واعيا لما يعرف وما لا يعرفه.. الصحافي الجيد يجمع أخبارا من الناس على الأرض ويتحدث إلى الصحافيين المحليين ويقرأ الصحف المحلية.. ويكتب قصته.
* أنت تؤمن أيضا بأن القصة الجيدة هي القصة التي يقضي الصحافي وقتا بالبحث عن المعلومات فيها على الأرض، ما رأيك في التكنولوجيا الجديدة إذا مثل «تويتر» التي يعتمد الكثير من الصحافيين اليوم عليها؟
- على الصحافي أن يكون دائما موجودا على الأرض إلا إذا كنت تغطين قصة مثل قصة انفجار بئر نفط في أسفل خليج المكسيك، لا يمكن أن ننزل لأسفل البحر. ولكن الصحافي الجيد يحصل على أفضل المصادر التي يستطيع وبأفضل الطرق التي يستطيع.
* ولكن أنت بدأت حياتك المهنية في الستينات عندما لم يكن هناك دور للتكنولوجيا ولـ«تويتر» في حياة الصحافيين، كيف ترى التغييرات اليوم؟
- يمكن أن نحصل على معلومات بسرعة أكبر بكثير اليوم من السابق، ولكن أيضا يمكن أن نحصل على الكثير من المعلومات الخاطئة بسرعة. هناك الكثير من الترويج للمعلومات الخاطئة في عالم الإنترنت بشكل لا يصدق.. هي مساعدة ولكنها ليست كافية.
* عندما تغطي حدثا في بلد حيث ليس هناك حرية التحرك، مثل إيران مثلا، ماذا تفعل؟
- إذا كان لديك رؤية واضحة عن طهران، وإذا خلقت شبكة علاقات جيدة، مع معرفة الصحافة المحلية، ومعرفة مراسلين هناك، عندها يمكنك تغطية القصة عندما تكون هناك قصة. هكذا نغطي بورما والصين.
* أنت تنتقد أيضا الصحف الأميركية الكبيرة، لماذا؟
- «لوس أنجليس تايمز» تعاني من مشكلات مادية كبيرة، وهي تبذل ما بإمكانها. «واشنطن بوست» تسحب مراسليها، ولا تصرف المبالغ نفسها لتغطية الأخبار في الخارج، وربما يمكنهم ذلك. أعتقد أنهم يتراجعون أكثر من المفترض.
* هل تقلق على مستقبل المراسلين؟
- نعم كثيرا.
* إذا، كيف تعتقد أن على الصحف أن تواجه مشكلاتها المادية، إن لم يكن بالتقليل من نفقات المراسلين في الخارج؟
- هذه الأزمة عالمية، وليست متعلقة فقط بعالم الإعلام. الصحافة في بريطانيا يبدو أنها تحافظ على أدائها أفضل من الصحف في الولايات المتحدة، الصحف ما زالت صحفا. هنا يأخذونها بجدية، بينما في الولايات المتحدة يتعلق الأمر أكثر بجذب أكبر عدد من المشاهدين.
* قد يبدو السؤال سخيفا، ولكن ما هي أكثر الحروب التي غطيتها إثارة للاهتمام؟
- أعتقد أن الحرب القذرة في الأرجنتين (1976 حتى 1983) كانت مخيفة جدا والأكثر تعقيدا. حين كان كل هؤلاء الناس يختفون ويتعرضون للتعذيب.. في الحرب الحقيقية يمكن أن تحسبي أين الخطر، ولكن في حرب كهذه من الصعب أن تعرفي من أين الخطر قادم.
* ما هي أسوأ قصة غطيتها؟
- ربما الأرجنتين أيضا. لأنه لم يكن هناك وصول للمعلومات، ولم يكن هناك مصادر ولم يكن بإمكاننا معرفة ما يجري. كنا نعلم أن آلاف الأشخاص يتم تعذيبهم حتى الموت، والأميركيون كانوا يعلمون بالأمر، ولكن لم يكن لدينا مصادر لكتابة الخبر.
* ما رأيك في جوليان أسانج، وطريقة عمل «ويكيليكس»؟
- لا أعرف الرجل في الحقيقة، يبدو لي متملقا، ولكن نحن بحاجة إلى أمثاله. إلا أن ما نحتاج فعلا إليه هو أن تسمح وزارة الدفاع الأميركية للصحافيين بأن يكون لديهم وصول إلى الحقيقة.
* ولكن هي وثائق سرية، يقولون إن الكشف عنها تعرض حياة أشخاص للخطر؟
- نعم ولكن هذا غير دقيق. معظم الوثائق التي تنشرها «ويكيليكس» هي ببساطة تقارير لأحداث على الصحافيين أن يكونوا قادرين على الاطلاع عليها بأنفسهم. وإذا لم يسمح لهم بالاطلاع عليها، إذا يجب أن يكون بإمكاننا أن نقرأ عنها، والواقع أنه علينا أن نمر بـ«ويكيليكس» لكي نطلع عليها، هو أمر مؤسف، ولكن هذا خطأ البنتاغون. يجب أن نعرف ماذا يحصل في الحرب. إذا كان الصحافيون الحقيقيون قادرين على الاطلاع على الوثائق بدقة والتأكد من عدم تعريض حياة أشخاص للخطر.. ولكن هذه ليست حرب البنتاغون الخاصة، هي حربنا، وعلينا أن نعرف ماذا يحصل، وماذا يفعلون باسمنا. وإذا كانت «ويكيليكس» الطريقة الوحيدة لاكتشاف ذلك، فإن هذا مؤسف، ولكن نحن بحاجة إليه.
* هل تعتقد أن الصحافيين يلامون هنا لأنهم ربما يتكاسلون في البحث عن الخبر؟
- لا، أعتقد أنه يتم منعهم. الصحافيون يحبون أن يقتربوا من القصة ولكن الجيش لا يسمح لهم. في فيتنام كان كل شيء مفتوحا، كان يسمح للصحافيين بالاطلاع على ما يشاءون. ولكن في حرب بنما، في أميركا الوسطى، درس الجيش ما حصل في فيتنام، وقرروا أن يمنعوا الصحافيين من الوصول إلى المعلومات، وبات الصحافيون أشبه بالمساجين غير قادرين على الوصول إلى القصة. لذا إذا قال البنتاغون للصحافيين ممنوع عليكم الاقتراب من القصة. نشكر الله على وجود «ويكيليكس».
* لقد تم ترشيحك 8 مرات لجائزة «بوليتزر» لأفضل عمل صحافي ومع ذلك لم تحصل على الجائزة. كيف يجعلك ذلك تشعر؟
- الأمر يعتمد على من تتسابقين معه. وفي الحقيقة لا آبه لجائزة «بوليتزر» لدي جوائز كثيرة أخرى. جائزتي هي القصة. أبحث عنها وأكتبها.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com