ترى الحكومة أن الموظفين السبب الأهم لعجز الموازنة، والعقبة الكؤود فى وجه الإصلاح الاقتصادى. فهم يلتهمون 230 مليار جنيه من الموازنة العامة كمرتبات، ويقترب عدد الموظفين فى مصر من الـ7 ملايين، إذا أضفت إليهم عدد من يعولون، فستجد أننا نتحدث عما يقرب من 25 مليون مواطن، يتأثرون بأى رياح غير مواتية تهب على الموظفين. والرياح على الموظفين هذه الأيام عاصفة عاتية. فهناك مطالبات بالتخلص من نسبة منهم، ودعوات بحرمانهم من الدعم، بالإضافة إلى الهجوم عليهم بسبب سوء الأداء والإهمال، وغير ذلك من أمور. وقطاع الموظفين تاريخياً يُعد من القطاعات الهادئة التى لا تميل إلى التغيير، فى مقابل العمال والطلبة الذين يميلون إلى درجة أكبر من السخونة فى التعبير عن طموحاتهم وإملائها على الواقع.
بعد موافقة مجلس النواب على تعديلات الخدمة المدنية، أصبح الموظفون فى المصيدة. وعلت الأصوات متحدثة عن أدائهم الباهت الركيك، وأنهم يعيشون عالة على الدولة التى تضطر إلى تدبير أجورهم من لحمها الحى، لكى تمنح كلاً منهم راتباً ثابتاً كل شهر، وأن نسبة لا بأس بها منهم تم تعيينها فى ظروف معينة، دون وجود حاجة إليهم، الأمر الذى زاد من عبء مرتباتهم على الموازنة العامة. هذا الكلام لا يخلو من وجاهة، فبالفعل أداء الموظف المصرى تراجع كثيراً، كجزء من حالة التراجع التى أصابت أداء كل القطاعات فى مصر خلال العقود الأخيرة. سوء الأداء لا يدمغ الموظفين وحدهم، بل يصح أن يوصم به الجميع. وليس أبلغ من الاستشهاد فى هذا المقام برد «سرحان عبدالبصير» على القاضى حين سأله فى مسرحية «شاهد ماشافش حاجة»: «ولما انت عارف أن اللى ساكنة فوقيك رقاصة ماعزلتش ليه؟». فرد عليه: «يا بيه لو كل واحد عزل من بيته علشان ساكنة فوقيه رقاصة.. البلد كلها حتقعد فى الشارع». الكل فى الهم سواء!.
الحديث عن أن الموظفين يبتلعون جزءاً كبيراً من الموازنة العامة فى صورة مرتبات حقيقى، لكن التعمُّق فى تفاصيل الرقم (230 ملياراً)، سوف يدلُّك على أن النسبة الأكبر منه تذهب إلى قمة الهرم الوظيفى وليس قاعدته. ففى ظل العجز عن تطبيق قانون الحد الأقصى للأجور لا زالت النسبة الأكبر من المرتبات داخل كل مؤسسة تذهب إلى القيادات العاملة بها، والمستشارين المحظوظين المعينين فيها، وهؤلاء الآحاد يحصدون مقدار مجموع مرتبات المئات الذين يعملون فى كل مؤسسة. التعميم مضلل فى بعض الأحيان.
أفهم أن تجمد الدولة التعيينات، وأستوعب أن توافق على تعيين موظف واحد مقابل كل 5 موظفين يخرجون من المؤسسة، لكننى لا أفهم الأحاديث المتواترة عن ذبحهم، من خلال الحرمان من الدعم، بدعوى أنهم لا يستحقون، بالإضافة إلى تجميد المرتبات. فمثل هذه الأحاديث غير لائقة، فالدعم يستفيد منه العاملون عليه أكثر من الموظفين!، وأذكر فى ما أذكر أن بعض كبار مشايخنا أفتوا ذات يوم بأن الموظفين من الفئات التى تستحق الزكاة، أما تجميد المرتبات، فى وقت تتحرّك فيه الأسعار إلى السماء، فلا يعنى سوى أن الحكومة تنوى تنظيم مذبحة جماعية للموظفين.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com