ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

ماذا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى؟

بقلم : منير فخري عبدالنور | 2016-07-14 13:00:25

 فوجئت الدوائر السياسية واهتزت الأسواق المالية العالمية إثر إعلان نتيجة الاستفتاء الذى أُجرى يوم 23 يونيو الماضى باختيار أغلبية مواطنى المملكة المتحدة (52%) الانفصال عن الاتحاد الأوروبى، خاصة أن مراكز قياس الرأى كانت تؤكد أن الأغلبية ستستجيب لدعوة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للتصويت لصالح البقاء.

 
وقد انضمت بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبى فى 1/1/1973، وأصبحت لندن هى المركز المالى والتجارى الأكبر والأهم لأوروبا، وذلك على الرغم من عدم دخولها فى الاتحاد النقدى الأوروبى الذى يضم 19 دولة عملتها اليورو (منطقة اليورو Euro Zone) وإصرارها على الاحتفاظ بالجنيه الإسترلينى- رمزا من رموز السيادة- وعلى استقلال البنـك المركزى Bank of England فى رسم السياسة النقدية وعدم الخضوع لسياسات البنك المركزى الأوروبى (ECB).
 
فانخفض يوم 24/6 المؤشر الرئيسى لكل بورصات العالم بنسـب تراوحت بين 4% و8%، وانخفض سعر صرف الجنيه الإسترلينى مقابل الدولار ليبلغ 1.32 دولار، وهو أدنى سعر صرف له منذ واحد وثلاثين سنة.
 
وإن استطاعت البورصات العالمية، بما فيها بورصة لندن، خلال الأيام التالية تعويض الخسائر التى لحقت بها إلا أن الجنيه الإسترلينى استمر فى الانخفاض بسبب قلق الأسواق من عدم الاستقرار الناتج عن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى.
 
وأرجع المحللون هذه النتيجة لعدة أسباب، أهمها، أولا، سعى الناخب البريطانى إلى استعادة استقلال إرادته الوطنية فى مواجهة المؤسسات الإدارية الأوروبية فى بروكسل، والتأكيد على سيادة المشرع البريطانى فى مقابل البرلمان الأوروبى. وثانيا رفضه فتح حدود بلاده أمام المهاجرين، خاصة القادمين من شرق أوروبا، الذين ينافسونه فى الحصول على فرص العمل والخدمات العامة.
 
وواقع الحال أن هذه النتيجة هى تعبير عن مقاومة الشعب البريطانى للعولمة والتمسك بعاداته وتقاليده ومؤسساته رغم النمو الاقتصادى الهائل الذى شهدته المملكة المتحدة منذ أن دخلت الاتحاد الأوروبى وحررت اقتصادها من القيود، وانفتحت تجاريا على العالم.
 
وهذا الفكر ليس وليد المرحلة إنما سائد منذ نهاية الخمسينيات، وقد لخصه هيو جيتسكل، زعيم حزب العمال الأسبق، عندما عارض دخول بريطانيا فى الأسواق الأوروبية المشتركة، وقال: «الدخول يعنى نهاية تاريخ عمره ألف سنة».
 
ولعل كلمة تشرشل الشهيرة «نحن مع أوروبا ولكننا لسنا منها» تعبر إلى حد كبير عن الرأى العام البريطانى حتى اليوم.
 
وقلق الأسواق المالية من عدم الاستقرار له مبرراته وأسبابه. فتبعات هذا الحدث ستتجاوز حدود المملكة المتحدة بل والاتحاد الأوروبى ذاته. ولعل أحد هذه الآثار هو تغير موازين القوى العالمية. فابتعاد بريطانيا عن أوروبا واقترابها أكثر من الولايات المتحدة سيضعف الاتحاد الأوروبى اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، ويقلل من قدرته على موازنة الولايات المتحدة داخل حلف شمال الأطلنطى.
 
كما ستقوى الأحزاب اليمينية الأوروبية التى ترفع الشعارات القومية الداعية إلى الخروج من الاتحاد أو من منطقة اليورو وتزداد شعبيتها، مثل حزب الجبهـة الوطنية Front National فى فرنسا، الذى يحظى بتأييد أكثر من 30% من الرأى العام الفرنسى، وفقا لنتائج انتخابات المحليات التى أجريت منذ شهرين. وحزب الحرية فى النمسا الذى من المحتمل أن يفوز برئاسة الجمهورية فى الانتخابات التى ستعاد خلال الأسابيع القادمة، وحركة النجوم الخمس Movimente cinque stelle فى إيطاليا، الذى فاز بعمودية روما وتورينو فى الانتخابات التى أجريت الشهر الماضى.
 
والحال كذلك بالنسبة لحزب جوبيك فى المجر، وحزب الحرية فى هولندا، وحزب ديمقراطى السويد فى السويد. لذلك قد نشهد خلال الأشهر القادمة إجراء بعض هذه الدول تحت ضغط أحزابها اليمينية استفتاء لمنح شعوبها الخيار بين البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبى أو من منطقة اليورو أو لإعادة التفاوض حول أحكام معاهدة ماستريشت (1992) المؤسسة للاتحاد الأوروبى، أو معاهدة ليسبونا (2009) المنظمة لعمل وإدارة مؤسسات الاتحاد.
 
وقد نرى خلال السنوات القليلة القادمة المملكة المتحدة ذاتها تتفكك بخروج اسكتلندا وأيرلندا الشمالية، فكلتاهما صوّت لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبى حيث تتحقق مصالحهما الاقتصادية. وبالفعل أعلنت نقولا ستيرجون، الوزير الأول، زعيم الحزب الوطنى الاسكتلندى، أن إجراء استفتاء لإقرار انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة أمر وارد. كما دعا نائب رئيس وزراء أيرلندا الشمالية، مارتن ماكجيينس، إلى توحيد شطرى أيرلندا الشمالية والجنوبية والبقاء فى الاتحاد الأوروبى.
 
وفى إنجلترا تتفجر الأزمات داخل الأحزاب، ففى حزب العمال تم التصويت بأغلبية كبيرة لسحب الثقة من جريمى كوربين، زعيم الحزب، ولكنه أصر على الاحتفاظ بالرئاسة مدعيا أن نتيجة التصويت غير ملزمة، ليفتح الباب على مصراعيه أمام صراعات طاحنة داخل هذا الحزب العتيد.
 
واستقال نايجل فراج، رئيس حزب الـUKIP اليمينى الشعبوى، والداعى الأول والأكبر للخروج من الاتحاد الأوروبى، ذاكرا أنه حقق هدفه ولا يرغب فى المزيد.
 
وفى حزب المحافظين أعلن ديفيد كاميرون عزمه تقديم استقالته من زعامة الحزب ومن رئاسة الوزراء، تاركا لخلفه عبء توجيه طلب الانفصال من الاتحاد الأوروبى تنفيذا لأحكام المادة (50) من معاهدة ماستريشت.
 
وقد أجرى حزب المحافظين انتخابات بين خمسة مرشحين تقدموا لخلافة كاميرون فازت فيها السيدة تيريزا ماى، وزيرة الداخلية الحالية. فهى التى ستشكل الحكومة الجديدة التى ستتولى التفاوض مع مؤسسات الاتحاد الأوروبى لتحديد شكل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى بعد الانفصال، وهى مفاوضات صعبة وقد تطول، ولكن يجب أن تنتهى خلال فترة أقصاها سنتان من تاريخ توجيه المملكة المتحدة طلب الانفصال.
 
وللمملكة المتحدة خيارات ثلاثة:
 
الخيار الأول أن تنضم إلى اتفاقية المنطقـة الاقتصادية الأوروبية- European Economic Area (EEA)- التى تضم كل دول الاتحاد الأوروبى السبع والعشرين (بعد خروج المملكة المتحدة)، بالإضافة إلى ثلاث من الدول الأربع المكونة للتجمع التجارى الأوروبى الآخر، المسمى European Free Trade Association (EFTA)، وهى النرويج وأيسلندا وليشتانشتاين.
 
وتتيح هذه الاتفاقية حرية انتقال الأفراد والسلع والخدمات ورؤوس الأموال دون قيود داخل المنطقة، وتسرى فيها جميع اللوائح والقوانين المنظمة للسوق الواحدة Single Market السائدة فى الاتحاد الأوروبى، باستثناء تلك الخاصة بالزراعة وصيد الأسماك.
 
وقد تسعى المملكة المتحدة للانضمام إلى هذه الاتفاقية مع تحفظها على حرية انتقال الأفراد، وهو ما سيصعب قبوله من الجانب الأوروبى.
 
الخيار الثانى هو أن تدخل المملكة المتحدة فى اتفاق ثنائى مع الاتحاد الأوروبى كما فعلت سويسرا- الدولة الرابعة العضو فى تجمع الـEFTA- ليتضمن هذا الاتفاق تنظيم تجارة السلع والخدمات المختلفة بين المملكة ودول الاتحاد، وشروط انتقال الأفراد بينها.
 
الخيار الثالث هو أن تنفصل المملكة المتحدة دون أن تعقد اتفاقيات خاصة تنظم علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دول الاتحاد الأوروبى، وتحتكم فى ذلك إلى قواعد منظمـة التجارة العالمية World Trade Organization (WTO).
 
ورغم التصريحات الصادرة من أغلب الرسميين وأعضاء البرلمان الأوروبى بضرورة الإسراع فى بدء إجراءات الانفصال إلا أنه من غير المتوقع أن توجه المملكة المتحدة طلب الانفصال وفقاَ لأحكام المادة (50) قبل نهاية هذا العام، وذلك بعد تولى تيريزا ماى رئاسة الوزراء، وبعد إجراء حوار مجتمعى واسع، وربما انتخابات برلمانية فى الخريف بهدف تفويض الأغلبية المنتخبة للتفاوض حول خيار من الخيارات الثلاثة المتاحة.
 
والأرجح أن تتمكن المستشارة ميركل من فرض رأيها الموضوعى فى مواجهة ردود الأفعال الأوروبية العاطفية الداعية إلى اتخاذ موقف حاسم فى التفاوض مع المملكة المتحدة، لأن ميركل تقدر تماما أهمية الحفاظ على علاقات متميزة خاصة معها لسببين رئيسيين، أولهما عسكرى، فالجيش البريطانى أكثر الجيوش الأوروبية تسليحا وتدريبا، ويمثل ركنا أساسيا فى النظام الأمنى والدفاعى الأوروبى. وثانيهما سبب تجارى، هو أن بريطانيا ثالث أكبر سوق مستوردة للمنتجات الألمانية بعد الولايات المتحدة وفرنسا، وقد بلغت قيمة صادرات ألمانيا إليها السنة الماضية 89.3 مليار يورو حققت منها فائضا تجاريا بلغت قيمته 51 مليار يورو.
 
لذلك فالمتوقع أن تضغط ألمانيا لتسهيل دخول بريطانيا فى المنطقة الاقتصادية الأوروبية بشرط أن تتنازل عن تحفظاتها الخاصة على حرية انتقال الأفراد، وإلا فليس أمامها سوى اللجوء إلى التفاوض حول اتفاقية ثنائية تحفظ لها مصالحها الاقتصادية، ومركزها كعاصمة مالية للسوق الأوروبية الحرة الواحدة.
نقلا عن المصرى اليوم
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com