وكَأَنَّمَا عَلَى رُؤوسِهِمُ الطَّيْرُ، يَسْكُنُونَ فَلا يَتَحَرَّكُونَ، وَالطَّيْرُ لا تَقَعُ إِلا عَلَى سَاكِنٍ، وحلق الرئيس من فوق العمائم الساكنة، طارحاً حزمة من الأسئلة تدور كلها حول كيف حال الأمة، وكيف حال المسلمين الآن، جميعها تنتهى بإجابة واحدة بعيدة كل البعد عن تحقيق قول المولى عز وجل: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ».
الرئيس الحائر بدا مقلقلاً من مغبة حديث الأسئلة الذى استولى عليه إذ فجأة بعد صلاة الفجر، خشى من حيث الزمان والمكان والطرح، مستجمعاً شتات أفكاره، متحسباً كمَن يمشى على شوك، مستخدما أخشى من الخشية مجدداً أن يُساء تأويل مقولاته، أو تُستحل ألفاظه فى مكايدة سياسية صارت طقساً مُعَاشاً، أو تُهتبل معانيها فى مزايدة إيمانية، أرجوكم لا تفهمونى غلط، رجاء من الرئيس!.
خرجت الأسئلة من السيسى كطلقات سريعة دافقة متلاحقة، وكأنه حفظها عن ظهر قلب، وجاء ليُسمّعها غيباً أمام جمع غفير، وكأنه يتخلص من عبء، أو كمَن يلقى عن أكتافه حِملاً ثقيلاً أنقض ظهره، وأثقل كاهله، وأرَّق منامه، وعكر صفو عيشه، الرئيس فى هذه اللحظات كان حائراً بالفعل، الرئيس الحائر.
كانت شجاعة منه وأحسده عليها، لم يتحسب السيسى فى طرحه، يقينا لم يعمل حساباته الرئاسية فى السؤال وجوابه، وهل يتقبل المُعَمَّمون هذا الطرح، وكيف للعمائم أن يهضموا طرحاً انتهى فى أسئلة تدور حول هدف واضح جلى فى ذهن الرئيس، هذه الأمة تحتاج إلى ما هو أكثر من تجديد الخطاب الدينى!.
ران على رؤوسهم الصمت، لم يتبين معظمهم مغزى الأسئلة الافتتاحية التى تلتها العبارة الأخطر فى خطبة ليلة القدر، لافت لمَن ألقى السمع استخدام «السيسى» تعبير «تصويب الخطاب الدينى» بدلاً من «تجديد الخطاب الدينى»، صار الرئيس بعد عامين على إطلاق ندائه الشهير- مخاطباً الأزهر الشريف بتجديد الخطاب الدينى- على قناعة بأن الخطاب الدينى يحتاج إلى ما هو أكثر من تجديد لم يحدث حتى ساعته ولن يحدث وفق المنظومة الأزهرية الحالية.
أستميحكم عذراً، جنّب الرئيس الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب حرج الحديث، متزعلش منى يا مولانا، ذهب الرئيس من فوره إلى طلب تصويب الخطاب الدينى علانية على رؤوس الأئمة، وفى حضرة الإمام والمفتى وأعضاء مجمع البحوث ووزير الأوقاف، وهو طلب صادف تصفيقا خجولا!!.
أسئلة الرئيس تبرهن، لسنا أفضل حالاً ولا علماً ولا اقتصاداً ولا إتقاناً ولا اختراعاً ولا اقتصاداً ولا نظافة ولا صحة، لن تُبنى الأمم على القتل والتخريب والترهيب والتخويف، والأمم التى ضاعت لن تعود، وتضيع الأمم بتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان لآيات أنزلها الله على نبيه المبعوث رحمة للعالمين.
الرئيس الحائر تحسس طريقه جيداً إلى أسباب النكبة، ربع سكان الأرض مسلمون، لم يقدموا للعالم مساهمة إيجابية فى طريق التقدم والتطور، وعلى بساطة عباراته وضع يده على الجرح النازف، وفرك الجرح بقسوة، وكمَن يدس الملح فى الجرح، قال: جرحكم فى النقل، النقل غلب العقل، أنتم تنقلون دون تفكير وتدبر، وتتمسكون بالموروث، ولا تذهبون إلى التصحيح والنقض والجرح، وهو من علوم الحديث.
لم يفت الرئيس إشارة موحية إلى أن جماعة من علماء الأمة سبقت وراجعت وحققت ومتَّنت أحاديث السنة النبوية المطهرة وحذفت منها ما يزيد على الألف وستمائة حديث دخيلة وموضوعة ومنتحلة، ضرب مثلاً، الرئيس يذكّر الحضور بما كان من أئمة صوّبوا وصحّحوا ولم يخشوا فى سنة الرسول الكريم لومة لائم، وينعى على الحضور عدم الإقدام والإحجام عن خطوة مثلها ملهمة للأمة، ترفع عن الأمة غطاءها وتطهر ثيابها من فتاوى الدم والخراب والتخريب التى تجد لها سنداً فى خطاب انحرف وانجرف بالدين عن الصراط المستقيم.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com