الكتاب الذى يحمل هذا العنوان الصارخ يحمل اسم مؤلفين لعلهما لا يحتاجان إلى تقديم، د. ناجح إبراهيم وهشام النجار، والإهداء مرير المذاق: «إلى كل قطرة دم معصومة أُريقت بغير حق، عسى أن يتوقف هذا النزيف المتواصل وتُحقن الدماء، وإلى كل من اعتنق فكر التكفير فأخرج خصومه ومخالفيه من دائرة الإسلام، وإلى كل من قدم الإسلام للناس وكأنه جاء ذابحاً أو مفجراً ومدمراً للعالمين بدلاً من كونه رحمة للعالمين». وفى المقدمة يتحدث المؤلفان عن الصورة الذهنية التى يقدمها الداعشيون عن أنفسهم من خلال فيديوهات وهم يمارسون القتل والذبح والصلب بصورة وحشية زاعمين أنهم الممثلون للإسلام وللأمة تحت خلافة «أبوبكر البغدادى». وهم يقدمون أنفسهم كممثلين حصريين للإسلام زاعمين أنهم أصحاب الإسلام الصحيح. وقد جاء هذا الكتاب ليتتبع بدقة وعمق كيف أن هذا التنظيم قد أسهم فى تشويه الإسلام وفى إعاقة مسيرة الأمة الحضارية والإيجابية (ص 10).
وتحت عنوان «كيف بدأت داعش؟» يقول الكتاب: «البداية كانت مع تنظيم القاعدة الذى تطور حتى أصبح كما تنبأ وتمنى مُنظر التنظيم فى بدايته مصطفى ست مريم المكنَّى بأبى مصعب السورى، فأصبح فكرة عامة ملهمة وتنظيماً لا مركزياً، بحيث تتشكل الخلايا فى كل مكان من العالم بطريقة تلقائية»، (وأنا أرى بناء على متابعاتى لمسيرة هذا التنظيم أنه قد أصبح تنظيماً أممياً نتيجة لحشود من شباب أغرتهم حكوماتهم فى مصر والسودان وباكستان واليمن وغيرها للسفر لمحاربة الوجود السوفيتى هناك، وبهذا اكتسب هذا التنظيم القدرة على التمدد دولياً وتحول أيضاً إلى ما يشبه أنبوبة معجون الأسنان يتم الضغط عليها من أسفل فى أفغانستان فتتمدد فى باكستان ثم فى العراق.. وفى أماكن عدة، وهو ذات ما نلاحظه فى تنظيم داعش ضغطوا عليه فى العراق فانساب إلى سوريا وضغطوا عليه هناك فانساب إلى ليبيا وإلى الصومال وبوكو حرام وتونس والجزائر والعديد من الدول الأوروبية). وأعود بعد هذا التعليق إلى الكتاب لنقرأ: «وجاء الربيع العربى فرصة مواتية لجميع التنظيمات والتيارات الإسلامية (أنا شخصياً أفضل كلمة المتأسلمة) وخاصة التنظيمات التكفيرية لتصفية حساباتها القديمة بينها وبين أجهزة الأمن والمخابرات والجيوش فى الدول الإسلامية».
ويمضى الكتاب ليقول: «إن فشل الإسلاميين التقليديين (لعله يقصد جماعة الإخوان الإرهابيين) فى الحكم وعجزهم عن مواءمة الواقع وتقديم تصور متوازن ومناسب للحكم يراعى التفاعلات والتنوعات الداخلية ليمثل الفرصة السانحة لداعش والتكفيريين جميعاً ليقولوا للشباب إن الديمقراطية لا تجدى ولا تصنع تغييراً وإنه لا سبيل إلا بالصدام المسلح والاندماج فى المنظمات التكفيرية». ويؤكد المؤلفان بإلحاح: «كان العجز السياسى المتواصل للإسلاميين التقليديين، وعلى رأسهم الإخوان المسلمون، عاملاً مهماً فى انتشار داعش فى المنطقة، إلى جانب الاحتقانات الطائفية والمذهبية» (ص 14). وهنا نتوقف أمام هذه الفكرة لأنها قد تعنى بمفهوم المخالفة أن حكومة مكتب الإرشاد الإرهابى لو أمكنها المداهنة والمخادعة، كما فعل الغنوشى فى تونس ولم يزل يفعل، لاستمرت ولم تجد داعش أرضاً لنشاطها. ويقدم المؤلفان خريطة لنشاط القاعدة وداعش، فالقاعدة أفرزت من أنبوب المعجون المتخيل بوكو حرام فى نيجيريا وفى غزة وسيناء تحت مسمى أنصار بيت المقدس، وفى الجزائر تحت مسمى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وفى الصومال تحت مسمى «الشباب»،
وفى سوريا تحت مسمى «جبهة النصرة». أما داعش فقد تركز نشاطها فى العراق ثم تمدد إلى سوريا ثم إلى لبنان ثم إلى تونس وإلى ليبيا. ويقول الكتاب إن مؤسس داعش الفعلى هو أبومصعب الزرقاوى الذى خرج بجماعته من رحم القاعدة مستخدماً أفكارها وأدبياتها لتشكيل «تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين»، ثم تطور ليتشكل على يدى أبوبكر البغدادى فى شكل الدولة الإسلامية فى العراق والشام ثم إلى ما سُمى «دولة الخلافة الإسلامية». وقد أسرع البغدادى بعد مصرع الزرقاوى ثم مصرع خليفته أبوعمر البغدادى إلى إعلان أنه الخليفة. ويشرح الكتاب أفكار داعش فيقول: «تعتنق داعش فكر التكفير، وهم يكفّرون مرتكب الكبيرة ويلاحقون مرتكب المعصية ولا يعذرون أحداً من العوام بجهلهم. ويكفّرون كل من لا ينضم لجماعتهم ودولتهم التى يعتبرونها دولة الإسلام والمسلمين ومن لا يعلن ولاءه لها وينضم إليها ويبايع قائدها وخليفتها فهو كافر ودمه مهدر. وهم يحرمون الديمقراطية فالانتخابات والمشاركة لسياسية وتداول السلطة كفر، ويكفّرون العلمانيين والليبراليين واليساريين والقوميين والناصريين، وحتى الحركات الإسلامية الأخرى التى لا تذعن لهم وتبايع خليفتهم ويكفّرون كل مؤسسات الدولة ورجال الجيش والشرطة والعاملين المدنيين» (ص 14). ثم يقول الكتاب: «لقد أسهمت الوحشية التى مارسها أعضاء داعش فى بث الرعب فى قلوب الجيش العراقى وفى قلوب سكان البلدات التى استسلمت لهم دون قتال لدرجة أن الجارديان البريطانية تندرت: كيف هرب 300000 جندى فى الجيش العراقى أمام 800 من أفراد داعش غير النظاميين. ثم حقق داعش نجاحاً كبيراً فى سوريا ثم فى ليبيا. ويعتبر داعش أغنى تنظيم إرهابى مسلح فى العالم بسبب دخل آبار البترول فى سوريا والفديات الكثيرة ثم ما استولى عليه من البنك المركزى فى الموصل ووصل إلى نصف مليار دولار».
هذه هى داعش.. فكيف تمددت؟
ونواصل
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com