لا أتصور أن زجاجة "المولوتوف" أو هذا الحجر الذي رشق به بعض المصريين الأقباط جنود الأمن المركزي كان بسبب المبنى الخدمي الذي يريده الأقباط أن يتحول إلى كنيسة.. قبضة الغضب كانت تعبر عن كل مظاهر الاضطهاد الكامن داخل الأقباط والذي أججه ولا شك التقرير الأمريكي الأخير الخاص بالأقليات الدينية واستحواذ حال أقباط مصر على قسط وافر منه.. قطاع كبير من الأقباط لديهم إحساس بالظلم وهو ما يجعلهم يشعرون بأن عليهم بناء أسوار عالية تحيط مطالبهم رغم أن الرؤية الأعمق والأشمل هي أن مصر تعيش ظلم عام والأقباط مظلومون لأنهم يعيشون تحت مظلة الظلم العام الذي يسري في شرايين مصر.. قد يرى البعض أنهم يدفعون الثمن مرتين مرة باعتبارهم مصريين وأخرى باعتبارهم أقباط.. وقد ترى من وجهة نظر أخرى أن لهم في الكنيسة "بابا" يدافع عن حقوق الأقباط المدنية بينما الظلم الواقع على المسلمين لا يوجد "بابا" يرفعه عنهم ونحن نرى أن الدولة كثيراً ما تنصت للبابا وتنفذ له العديد من طلباته وهكذا صارت الكنيسة ملجأً للأقباط في حياتهم المدنية وليست مجرد بيتاً للعبادة.. ولهذا فإن المبنى الإداري أو الخدمي الذين حاولوا إحالته إلى كنيسة سوف يتحول أيضاً إلى بيت للحماية ولإثبات القدرة وثورة الغضب هذه هي رسالة تقول للدولة أنهم قادرون على فرض الأمر الواقع.. الدولة في تعاملها مع الملف القبطي وحتى في الأحداث الأخيرة طلبت من الجميع التهدئة الإعلامية ولم تطلب الحقيقة الإعلامية.. رغم أن التهدئة تشبه أن تتعاطى مسكن للألم ولا تعالج الجرح النازف.. المفروض أن يبحث الإعلام عن الحقيقة يسعى إليها ويكشفها ويقدمها حتى لو أدى الأمر إلى آلام أو حتى مزيد من الجراح ولكن الهروب من المواجهة سيزيد الألم ويؤجج النيران تحت الرماد للتحول في المرة القادمة إلى قنابل موقوتة.. الملف القبطي إذا تناولته الفضائيات لا يعني ذلك حرباً طائفية ولكن بالتأكيد إذا كان التناول صحياً فسوف نعرف أين تكمن الحقيقة لنبدأ بعدها في تضميد الجراح.. هل كان تحويل المبنى الإداري الخدمي إلى كنيسة يخالف التعليمات أم أن هناك تعنت ما من قبل السلطة التنفيذية في مصر ضد بيت عبادة للأقباط.. قد يرى البعض أن هيبة الدولة قد أهينت عندما أصر عدد من الأقباط على أن يأخذوا حقهم بأيديهم ويجبروا الدولة على التصريح.. إذا كانت الدولة لديها حق قانوني فعليها إلا تخضع لأي ضغوط وإذا كانت قد تعنتت فإن الرجوع للحق يصبح هو الفضيلة التي أتمنى ألا تكون غائبة وبالطبع فإن الضغط القبطي من خلال تجارب الدولة مع ملف الأقباط يجعلها في حيرة بين أن تقول نعم فتعلن على الملأ ضعفها أو أن تقول لا فيزداد الأمر سوءاً وفي العادة لا تضع خطة استراتيجية لمواجهة ملف التطرف الديني ولكنها فقط لا تريد اشتعالاً.
قرأت قبل نحو ثلاثة أسابيع مقالاً في جريدة "الأهرام" لأستاذ علم الاجتماع "د. قدري حنفي" عنوانه "أعداد الأقباط الإدارة بالغموض".. كان يسأل عن عدد الأقباط في مصر ويؤكد أن الدولة ببساطة تعرف الرقم من خلال حصر شهادات الميلاد والوفاة إلا أنه أضاف أن الغموض هو أحد أسلحة الدولة في ممارسة الحكم ولهذا تجعل الرقم غامضاً ولكن هذا الغموض قد ينقلب ليصبح سلاحاً يفتك بها.. نعم أعداد الأقباط سر تعرفه الدولة ولا تذيعه لأسباب أعتقد أنها تخشى لو أعلنته من إثارة الغضب إذا كان الرقم ضئيلاً ربما يغضب المتطرفون من الأقباط وإذا كان كبيراً ربما أغضب المتطرفين المسلمين.. في التقرير الأمريكي عن الأقليات الدينية نجد أن نسبة الأقباط في مصر تتراوح بين 8% إلى 12% وعندما نتحدث عن بلد يبلغ تعداده 85 مليون فإن فارق النسبة يصل في هذه الحالة إلى قرابة أربعة ملايين أي أن عدد الأقباط يتراوح بين 7 أو 11 مليون طبقاً للنسبة الأمريكية علينا أن نتعامل بالأرقام ونقف مع الحقيقة والقانون ولكن الخوف من المواجهة هو الذي سوف يؤدي إلى انفلات قادم سوف يتجاوز ولا شك المولوتوف!!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com