ديلما روسيف التي أقصاها مجلس الشيوخ البرازيلي عن السلطة، اليوم، مع بدء إجراء إقالتها بتهمة التلاعب بالمال العام، ناشطة سابقة تعرضت للتعذيب إبان النظام العسكري الديكتاتوري وكانت تتحدى منتقديها بنظرة.
والرئيسة التي أُعيد انتخابها لولاية ثانية بعد حملة واسعة عززت سمعتها كامرأة حديدية في هذا البلد، فقدت الكثير من شعبيتها، إلى أن بدأ مجلس الشيوخ إجراءات إقالتها وقرر إقصاءها عن السلطة.
وروسيف (68 عاما) الوفية لنفسها، وعدت بمواصلة الكفاح حتى الدقيقة الأخيرة قبل التصويت، وخاضت أصعب نضال ومعركة ميؤوس منها.
كانت روسيف قالت، في خطاب تنصيبها في مطلع يناير 2011، إن الحياة تتطلب منا الشجاعة، وتولت حينها الرئاسة خلفا لراعيها الرئيس السابق إيناسيو لولا دا سيلفا في أكبر بلد بأمريكا اللاتينية، وأصبحت بذلك أول أمراة تتولى رئاسته.
وأضافت عند تسلمها الوشاح الرئاسي من لولا: "أنا سعيدة، ولم أشعر بذلك إلا نادرا في حياتي، للفرصة التي منحني إياها التاريخ بأن أكون أول امرأة تترأس البرازيل".
ولدت ديلما روسيف في ديسمبر 1947 بميناس جيريس، لأب بلغاري مهاجر وأم برازيلية وناضلت في صفوف حركة المقاومة المسلحة في أوج الدكتاتورية بالبرازيل.
وتم توقيفها يناير 1970 في ساو باولو وحكم عليها بالسجن 6 سنوات، غير أنه أفرج عنها في نهاية 1972 دون أن تخضع تحت وطأة التعذيب.
وفي بداية 1980 ساهمت في إعادة تأسيس الحزب الديموقراطي العمالي (يسار شعبوي) بزعامة ليونيل بريزولا قبل انضمامها إلى حزب العمال في 1986.
وخضعت لعدة عمليات جراحة تجميلية، وبدت أثرها أكثر نضارة وتخلت عن نظاراتها السميكة التي كانت تعطيها صورة المجتهدة أكثر منها ذكية، كما أنها أعلنت أنها خضعت للعلاج من سرطان ما أسهم في تخفيف حدة صورتها لدى الجمهور، ويقول الأطباء إنها شفيت من المرض.
اكتشف لولا، هذه الخبيرة الاقتصادية التي تتمتع بمواهب إدارية مهمة وعينها ووزيرة للمناجم وإطلاقة ومديرة لمكتبه، ثم أصبحت وريثته بعد فضيحة أولى للفساد طالت قيادة حزبهما، ولم تكن قد انتخبت من قبل.
فقبل فوزها في الولاية الرئاسية الأولى، لم تكن روسيف خاضت أي انتخابات في السابق وكانت شبه مجهولة بالنسبة للبرازيليين، وفرضها لولا في 2009 كمرشحة لحزب حزب العمال (يساري)، بينما لم تكن ضمن الشخصيات التاريخية في الحزب.
وروسيف التي لا تتمتع بقدرات خطابية وتتسم بالتسلط وتقمع وزراءها علنا مع ازدراء بالبرلمان، حيث عليها التشاور مع تحالف مفكك اليوم، اضطرت لملازمة قصر الرئاسة كما لو أنها في حصن.
ووجه نائبها ميشال تامر الذي سئم من دوره الشكلي منذ 2010 ضربة لتحالفها بسحب حزبه، وهو اليوم يتطلع إلى شغل منصبها.
خلال 4 سنوات من الرئاسة، تابعت روسيف بنجاح المعركة التي بدأها لولا لمكافحة التفاوت الاجتماعي في البرازيل، لكن للمفارقات فإن أداءها خلف خيبة أمل لدى البرازيليين لا سيما في الشق الاقتصادي.
وفي بداية ولايتها الأولى كانت شعبيتها تبلغ 77%، وأُعجب البرازيليون بهذا المرأة الحديدية، لكن منذ 2015 بدأت شعبيتها تتراجع إلى أن وصلت إلى عتبة تاريخية تبلغ 10%، وبات أكثر من 60% من البرازيليين يرغبون في رحيلها.
وهي تستيقظ في الساعة السادسة من صباح كل يوم لتمارس ركوب الدراجة لمدة 50 دقيقة للتخفيف من الضغط، وما أدى إلى هذا الوضع هو عاصفة شملت في وقت واحد أزمة سياسية وانكماش اقتصادي وفضيحة فساد.
الاقتصاد هو مجال خبرة روسيف، لكن بينما كان الاقتصاد البرازيلي يشهد تباطؤا خطيرة في منتصف ولايتها الأولى أصرت على اتباع سياسة مخالفة للدورة الاقتصادي ومكلفة، وشهدت البلاجد عجزا ودينا وتضخما حتى قبل تراجع أسعار المواد الأولية.
ومع ذلك، أقسمت خلال حملتها الانتخابية في 2014 أن الوضع تحت سيطرتها، وبعد إعادة انتخابها عهدت بوزارة المالية إلى المصرفي جواكيم ليفي الاقتصادي الصارم، لخفض النفقات بشكل كبير، ما أثار غضب ناخبيها اليساريين.
لم يشكك أحد بنزاهتها وهو أمر ملفت في السياسة البرازيلية، وتقول لم يحقق القضاء يوما بهذه الدرجة من الحرية في الفساد، وهذا صحيح، لكن فضيحة بتروبراس جاءت لتوجه ضربة قاسية لحزبها وللولا نفسه، واتهمها عضو مجلس الشيوخ عن حزب العمال ديلسيديو دي أمارال بأنها كانت على إطلاع مباشر واستفادت من الأموال لتمويل حملتها.
وتنفي روسيف بشدة هذا الاتهام مع أنها كانت وزيرة للمناجم والطاقة ورئيسة مجلس إدارة بتروبراس في الماضي، ووجدت روسيف نفسها في مأزق فلجأت إلى لولا في مارس، وتفلت من الإقالة بمعجزة وقد يسمح القضاء للولا بالمشاركة في إدارة البرازيل معها، بصففة شبه رئيس للوزراء.
وأخيرا لا تسمح روسيف بكشف الكثير من جوانب حياتها الخاصة: فهي تؤمن بالخرافات ولا تستطيع النوم ما لم تقرأ بضع صفحات من كتاب ما ومعجبة بمسلسل "لعبة العروش" (جيم أوف ذي ثرونز)، تحب النزهات الليلية على دراجة نارية في برازيليا دون أن يتعرف إليها أحد.
وهي مطلقة بعد أن تزوجت مرتين، وهي أم لابنة تدعى باولا وأصبحت جدة لولد يبلغ الرابعة من العمر.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com