سعيد السني
في خطابه الأخير من الفرافرة، بمناسبة تدشين مشروع المليون ونصف المليون فدان، المُبَشر بالخير والنماء.. أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي عرض إلى أن الدولة تحارب «الفساد»، ومع أننا لم ولا نرى عملياً أي شواهد لهذه الحرب المأمولة.. إذ الفاسدون لايزالون في أمان يتفنون ابتكاراً لأساليب وحيل شيطانية يستغلون بها التنمية ومشروعاتها، لتعظيم عوائدهم على حساب المستهدفين تنموياً.. فها هو أحد الأبواب الكثيرة الواسعة للفساد المالي وهو صناديق المال السايب المعروفة بـ«الحسابات الخاصة»، الجديرة بمُسمى «الصناديق السوداء»، نظراً لما يحيط بها من غموض وسرية بعيداً عن خزانة الدولة والموازنة العامة وانفلاتاً من رقابة وزارة المالية وجهاز المحاسبات، وإلى حد أن الدولة عاجزة عن الإمساك بها أو حتى تحديد حجمها وحصرها عددياً بدقة، بعد أن صارت هذه الصناديق مثل السرطان تنتشر في كافة أرجاء جسم الدولة، ابتداءً من الوحدات المحلية القروية الصغيرة، وحتى المؤسسات والهيئات العامة مروراً بشركات البترول والكهرباء والمياه والجامعات والاتحادات العمالية والإدارات الشرطية مثل المرور وغيره.. هذه الصناديق مستقلة بحساباتها في بنوك تجارية،
ويصل عددها وفقاً لبعض التقديرات إلى ستة آلاف حساب وتُقدر إيراداتها بما لا يقل عن 90 مليار جنيه سنويا، وقد ولدت في السبعينيات، لتوفير مرونة وسيولة لسرعة تنفيذ الخدمات العاجلة، ثم تكاثرت بقرارات الوزراء والمحافظين ورؤساء الهيئات، والذين شَّرعوا لها لوائح مالية تنظم مواردها رسوماً على الخدمات الجماهيرية المقدمة من هيئاتهم، وحددوا أوجه الصرف والإنفاق منها، وهذه اللوائح تضمن «غالباً» توزيع ملايين الجنيهات من موارد هذه الحسابات على الوزراء والمحافظين ومديري الأمن وسكرتيرو العموم والمساعدين ومحاسيبهم، وكذا رؤساء الهيئات وكبار المسؤولين بهذه الجهات والمحظوظين من مستشاريهم، ويتم توزيعها تحت مسميات عديدة من «أرباح» إلى بدلات ومكافآت وحوافز عن وظائف شرفية ووهمية، رغم أن موارد بعض الحسابات هي حصيلة ثروات تملكها الدولة مثل المحاجر أو ممولة من الموازنة العامة، ولحساب هذه الأرباح يتم تحديد ما يُسمى «الحصيلة المستهدفة»، واعتبار الزائد عنها أرباحا، وهو بـ«الملايين»، يتم توزيعها على «العاملين بالمشروع»، أو هكذا يُقال، ليحصل الوزير أو المحافظ أو رئيس الهيئة على مليون أو نصف مليون وهكذا بالتدريج التنازلي، لأعضاء مجلس إدارة الصندوق والمستشارين وكبار المسؤولين فيه، لينتهي الأمر بأن يحصل الموظف على 200 أو 300 جنيه، ناهيك عن التلاعب في الإيرادات والمجاملات وصور عديدة للفساد، كونها حسابات في مأمن من الرقابة والمحاسبة، ويستفيد منها الكبار.
وهنا أسوق مثالاً بواحد فقط من هذه الحسابات هو مشروع لرصف الطرق بإحدى محافظات الوجه البحري، له لائحته الخاصة.. يتلقى هذا المشروع المبالغ المخصصة سنوياً من الموازنة العامة (في حدود 100 مليون جنيه) لرصف الطرق الداخلية في نطاق المحافظة، وتتولى إدارة المشروع إسناد تنفيذ الطرق المقرر رصفها إلى «مقاولين من الباطن»، بأسعار تقل عن التكلفة كثيراً جداً، بنسبة تقل عن السعر السوقي بنحو 40%، ويكون طبيعياً أن المقاولين المنفذين يتلاعبون في المواصفات بالتواطؤ مع إدارة المشروع، وإلا فإنه يخسر كثيراً، وفي المحصلة فإن الطرق المرصوفة في هذه المحافظة تكون قد تهالكت ربما قبل تسلمها رسميا، ولذا يكاد لا يوجد طريق داخلي بهذه المحافظة المترامية الأطراف، يصلح للمرور الآمن، رغم عشرات الملايين المخصصة للرصف سنوياً من المال العام.. لكنه الفساد وغياب الضمير والتآمر على المال العام.. حيث يتم شراء معدات خردة للمشروع على أنها جديدة بنحو 20% من أل 40% فارق السعر، بينما يتم توزيع المبالغ المتبقية وهي من 10-20 مليون جنيه، باعتبارها أرباحاً، يحصل منها الموظف الصغير على عدة مئات من الجنيهات مقابل أرقام بمئات الآلاف للكبار فوق الترابيزة وتحتها.. وعلى هذه الشاكلة الكثير.
نتمنى على الرئيس السيسي أن يفتح ملف هذه الصناديق السوداء فهي من أوسع الأبواب الشيطانية للفساد.
نسأل الله السلامة لمصر.
saidalsonny2@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com