بقلم: القس لوقا راضي
نعم الأقباط جيل من بعد جيل هم صناع سلام، وفي هذا اللقاء سنتناول قصص 3 من الآباء الأساقفة كصناع سلام هم؛ "الأنبا بيمن" المتنيح أسقف "ملوي"، "“الأنبا صموئيل”" المتنيح أسقف الخدمات، "الأنبا باسليوس" المتنيح مطران القدس، وكيف كان كلا منهم صانع للسلام في خدمته أثناء حياته.
المتنيح نيافة "الأنبا بيمن" أسقف ملوي وأنصنا:
مواليد القاهرة في 22/6/1930م، حصل على ليسانس الآداب قسم تاريخ في مايو 1950م، ثم دبلوم التربية العالي عام 1951م، ثم ماجيستير في التربية عام 1959م، حصل على بكالوريوس الإكليريكية عام 1963م. عمل مدرساً حتى عام 1968 م، تكرس للخدمة وعمل مدرساً للتربية بالإكليريكية حتى عام 1970، ترهب بدير الأنبا بيشوي باسم أنطونيوس في 23/6/1973م، ثم قسًا عام 1973م.
عينه قداسة "البابا شنودة" وكيلاً للبطريركية بالإسكندرية، ورُقي للقمصية 1973م، انتدبه قداسة البابا شنودة الثالث للخدمة في "جيرسي سيتي" بأمريكا، وحصل خلالها على درجة الماجيستير، ومكث هناك حتى عام 1975م. تمت سيامته أسقفًا عامًا يوم 22/6/1975م، تم تثبيته أسقفًا لملوي في 13/6/1976م، رقد في الرب يوم 19/5/1986م.
وكان "الأنبا بيمن" له علاقات ممتازة مع كل الناس في إيبارشيته -مسيحيين ومسلمين- وكانت القيادات تخشى القبض عليه داخل إيبارشيته لأنه ثورى، فانتظرت حتى يذهب إلى الدير المحرق كان يقود اجتماع للشباب هناك، وعندما عاد إيبارشيته لم يعطه المأمور فرصة للتفكير والراحة، فطلبه وأخبره بأن المحافظ يريده بالمنيا، وحيث أنه كان على علاقة طيبة بكل القيادات وكانوا يعتبرونه صديقًا لهم، وكان "زكي بدر" الذي أصبح وزير الداخلية ضابطًا بمديرية أمن المنيا، فكان عندما يقابل "الأنبا بيمن" يأخذه بالحضن، ويتحدث معه، وعندما كان يأتي المحافظ "صلاح الحديدي" للأسقفية للتهنئة بالعيد، كان يستقبله بالنشيد الوطني، هذا عن علاقته بالمحافظ، فذهب "الأنبا بيمن" إلى المحافظ الذي أخبره: إنه هناك إشكالاً بين الرئيس "السادات" وقداسة البابا شنودة الثالث، ولا أحد يستطيع أن ينهي هذا النزاع سواك.. فضحك الأنبا بيمن وقال متعجبًا: "ألا يوجد سواي من الأساقفة يستطيع حل هذا النزاع؟!" وفهم الأنبا بيمن أن هناك شيئًا وراء هذه الكلمات، وكان يستطيع العودة ويثير الشعب، إلا أنه رفض وذهب بسيارته للقاهرة، وأثناء دخوله القاهرة اشترى جريدة وقرأ خبر التحفظ على ثلاثة أساقفة من أساقفة الصعيد، وعلم أنه من ضمن من أشار إليهم الخبر، فكانت حالته سيئة لأنه لم يفعل شيئًا يستحق أن يُعتقل ويُسجن بسببه، ولكنه بدأ يتقبل الوضع حينما حسب أنه يذل من أجل المسيح، وأخذوه من هناك ودخل الأنبا بيمن السجن، وكان لماحاً مرحاً، لقد سمعنا عن أخبار قداسته هو وباقي الأساقفة والكهنة في داخل السجن، وطبيعى أن أخباره تناقلها المسلمون لخارج السجن، وانتشرت بين المصريين -مسيحيين ومسلمين- لأنه لم يستطع أحد من الأقباط زيارتهم في السجن.
وبعد أن خرج تناقلت أفواه الأقباط حكاياتهم؛ فقد أطلق "الأنبا بيمن" على سجن المرج اسم "شيراتون المرج" وكان هذا الاسم مبالغًا فيه، وعلى سبيل الطرافة، ونحن نعرف ما هو موجود في زنزانة السجين بمصر.. أما الطعام فكان الفول والعدس هما الوجبة اليومية للمساجين، وطبعًا يأتي الطعام في جردل متسخ يحمله السجان، ومن الطريف أن الأنبا بيمن كان كثيراً ما يقلد شخصية السجان وهو يحمل الجردل المتسخ المملوء بالعدس، ويضع يده فبه ليخرج صرصار يتحرك من العدس، ويقول مثلما كان يقول السجان للصرصار: "الله يخرب بيوتكم هتكسفونا مع الأفاقسه" ولأنه مسلم وتعليمه بسيط فهو غير قادر على نطق الكلمة الصحيحة "الأساقفة" فيقول "الأفاقسة"، وكانت هناك تعليمات من الأمن بإذلال الأساقفة والكهنة، فكانت الحياة بالنسبة لهم صعبة في البداية حيث كان يمنعهم من الخروج من الزنزانة لاستنشاق الهواء حتى ولو عدة دقائق.
وفي يوم من الأيام طلب المأمور من الأنبا بيمن أن يتحاور معه، وبدأت الحوارات والمناقشات معه بمكتبه فى صورة ودية وطيبة، وكان المأمور ينقل لزوجته فى البيت عما يحدث، فقالت له يومًا: "إياك أن تُغضب شيخ النصارى" وتقصد بذلك شيخ النصارى الأنبا بيمن، وكان إذا مرض أحد أبناؤه يذهب في اليوم التالي يسأل الأنبا بيمن إذا كان أغضبه في شيئ، واستمرت هذه العلاقة، فقد كان الجميع فى مصر -مسلمين ومسيحيين- بمن فيهم مأمور السجن يعرفون أنه لا يوجد سبب واحد لسجن هؤلاء الأطهار الأبرار والقديسين، ثم بدأ الأساقفة والكهنة في الصلاة باللغة القبطية، وكان التقرير المقدم من أمن الدولة فيهم أنهم: "يتكلمون بلغة غير مفهومة" وكان كلاً من "الأنبا بيمن" و"الأنبا ويصا" في زنزانة واحدة، وكان "الأنبا بيمن" هو الأكبر سنًا من "الأنبا ويصا" بعدة سنوات، ففضل "الأنبا ويصا" أن يتركه ينام على المرتبة الوحيدة في الزنزانة عملاً بقول الرب "مفضلين بعضكم على بعض" ويطرح "الأنبا ويصا" فراجيته على الأرض لينام عليها، وكان هناك سببًا آخر أن "الأنبا بيمن" تعب عدة مرات ونزف داخل المعتقل، فكان يتم نقله للمستشفى ثم يعود مرة أخرى، وقد كان من عادته أن ينام بالجلباب الأبيض، وكان لعلاقات "الأنبا بيمن" تجعله يعلو صوته أحياناً، ومن الطرائف التى حدثت وعندما كان الأساقفة والكهنة والعلمانيين يصلون القداسات في داخل السجن كانوا يقولون: "صلوا من أجل رئيس كهنتنا البابا شنودة الثالث، وشريكه فى الخدمة الرسولية الأنبا بيمن أسقف سجن القناطر والمرج" وحدث أنه استمر إذلال الأساقفة والكهنة والعلمانيين ومعاملتهم معاملة صعبة، حتى اُغتيل السادات فبدأ تخفيف معاناتهم، وسمح الأمن لهم بالخروج خارج زنزاناتهم، وبدأوا يقرأون الجرائد، إلى آخره من تخفيف القيود القاسية المفروضة عليهم.
الإفراج عن "الأنبا بيمن" ومنعه من دخول إيبارشيته لمدة سنتين وتحديد إقامته بالدير المحرق:
وفي 13/1/1982 تم الإفراج عن الأنبا بيمن ولكنه تحددت إقامته بصورة جزئية في الدير المحرق، ويتحرك بقرار من أمن الدولة، ومكث لمدة عامين حتى سُمح له بدخول إيبارشيته، وكان يشرف عليها من الدير المحرق، وكان يكلف "الأنبا أرسانيوس" أسقف المنيا وأبو قرقاص بالإشراف عليها أحيانًا، وكان عندما يخرج بتصريح من الأمن وتمر سيارته على ملوي في هذه الفترة؛ فكان يبكي لأن إيبارشيته ووطنه وأرض آبائه وأجداده ولا يستطيع دخولها؛ لأن الأمن يقول أنه ممنوع لدواعٍ أمنية، وأنهم يخشون عليه من أن يحدث له مكروهًا، ثم سمحوا له بالعودة لإيبارشيته، فكانت الفرحة كبيرة، فخرج الناس -مسلمون ومسيحيون- يرحبون به، ومن شدة فرحة الشعب كانوا يركبون فوق سيارته المرسيدس، وهتف الشعب وكأن البابا يزور ملوي، وعندما نزل وصلى كانت الدموع تنزل كالنهر الغزير لشدة محبته لشعبه الذي بعد عنه هذه المدة، وتغيرت علاقته مع رجال أمن الدولة بعد المعتقل، لأنه تأكد أنهم السبب في اعتقاله بكتابتهم تقارير مخالفة للحقيقة عنه، رغم علاقته السابقة القوية معهم، فكان يعتبرهم أصدقاءً له، ويهاديهم بالهدايا القيمة وكان منهم أحد ضباط الأمن (مدير مباحث أمن الدولة) أتى لزيارته بعد الإفراج عنه، فذهب تلميذ "الأنبا بيمن" ليخبره أنه موجود ويريد مقابلته على الرغم من عدائه السابق، وكتابته تقارير سيئة عن "الأنبا بيمن" فإذا بضابط الأمن يحتضن "الأنبا بيمن"، وعندما سُئل "الأنبا بيمن" عن هذا التحول قال: "لقد ألقيت عليه ذنبي في معاناتي بالسجن لأنه كتب عني التقرير"، وقد كان حظ هذا الضابط سيئًا، لأن الرب لم يعطه نسلاً.
“الأنبا صموئيل” المتنيح أسقف عام الخدمات.
"الأنبا صموئيل" هو سعد عزيز، حصل على ليسانس الحقوق ثم تتلمذ وترهب علي يد المتنيح أبينا "مينا المتوحد"، وعاش معه باسم "الراهب مكاري" لمدة ثلاث سنوات بدير مارمينا بمصر القديمة، ثم دير الأنبا صموئيل المعترف بجبل مغاغة، ثم دير السيدة العذراء (السريان) وُرسم قسًا 1950، وقمصًا 1951. وكان يشرف على القسم الداخلي بالكلية الإكليريكية 1952، كما كان يقوم بتدريس مادة اللاهوت الطقسي والرعوي بالكلية، واختاره "البابا كيرلس" سكرتيرًا روحيًا له عام 1959، ثم أسقفًا عامًا لأسقفية الخدمات في 30/ 9/ 1962.
الأسقف المسكوني:
المتنيح "الأنبا صموئيل" كان سفيرًا للكنيسة القبطية في العديد من المؤتمرات المسكونية منها: مؤتمر الكنائس العالمي في "إيفانسون" 1954 الذي انبثق عنه مجلس الكنائس العالمي، وحصل على منحة دراسية نال بها درجة الماجستير بامتياز عام1955، تعين مندوبًا عن الكنيسة القبطية باللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمي 1956، حضر مؤتمرين في "سيتال" و"رودس" 1959، وقام برحلة رعوية لأوربا وأمريكا 1963، والتقى بكل المهاجرين، وتفقد أحوالهم، وأصدر نشرة دورية بعنوان "أبناؤنا في الخارج"، واختير سكرتيرًا لمؤتمر الكنائس الأرثوذكسية اللاخلقدونية 1965، وزار "روسيا" و"الولايات المتحدة" 1966، وتفقد الأقباط بهما
، كان أرشيفًا متحركا للكنيسة القبطية، وعقد مؤتمرًا للمهاجرين في القاعة المرقسية بالأنبا رويس 1971، وقام بجولة في الشرق الأقصى وأستراليا 1972، وزار مركز الأمم المتحدة، وكان على علاقة طيبة مع جميع الكنائس والمحافل الدولية.
الأسقف الوطني:
إذا تصفحنا سجل وطنيته الخالد سوف نجد فيه: خلال العدوان الثلاثي على مصر سنة1956، كانت له جولات في الخارج لإرسال المعونات الغذائية والطبية للجرحى والمرضى، وكان يتجول في ربوع الغرب ليشرح للرأي العام العالمي وقائع الاعتداء الغاشم، وصمود الأقباط والمسلمين في وجه الاستعمار.
تولى جمع التبرعات لمنكوبي الحرب والمهاجرين من مدن القناة في 1967. وسعى لإعفاء الإعانات من الرسوم الجمركية لتوزيعها على المنكوبين، وأيد طلب وزارة الصحة بشأن التبرع من الخارج بكميات كبيرة من الأدوية بمناسبة حرب الاستنزاف، خلال عشر سنوات، وكان عضوًا بلجنة "المواطنون من أجل المعركة" 1970، واشترك في الندوة المسيحية من أجل فلسطين 1970، 1972، واستورد بنفوذه وعلاقاته مع مجلس الكنائس العالمي مائة ألف بطانية، وكثيرًا من الأدوية والأجهزة الطبية، بلغت ثلاثين ألف جهازًا حديثًا لنقل الدم. عهد إليه البابا "كيرلس السادس" برئاسة اللجنة التنفيذية لمشروع بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فقام بإتمام المشروع على أحسن وجه، وكان المسئول الأول عن ترتيب الاحتفالات الكنسية بمناسبة مرور 19 قرنًا علي استشهاد كاروز الديار المصرية "مارمرقس"، ونجحت المفاوضات مع بابا روما "بولس السادس" بإحضار رفات "مارمرقس" إلى مصر، كما نجحت مراسم الاحتفالات التي شرفها بالحضور رئيس الجمهورية الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" والإمبراطور "هيلاسلاسي" إمبراطور أثيوبيا، ومائة واثنان وسبعين رئيسًا للكنائس والطوائف.
وكان نيافته حبيبًا للفقراء، فأسس لهم مشروعه الباقي حتي اليوم "التدريب المهني" وكان شعاره "بدلاً من أن تعطيه سمكة علمه كيف يصطاد"، وتخرج في هذا المشروع آلاف الخريجين الذين يعملون في كافة المهن، هذا إلى جانب مشاركته الفعالة في مجلس إدارة "جماعة الإخاء الديني" فكان مع الشيخ "أحمد حسن الباقوري" وكيلين لهذه الجماعة التي كان يرأسها الوزير "عبده سلام" وكانت مزاملته لهذا العملاق في خدمة الوحدة الوطنية تفعل فعلها في هذا الميدان بكل قوة.
في أحداث الزاوية الحمراء 1981 كانت بينه وبين الرئيس "حسني مبارك" -النائب في ذلك الوقت- خط تليفوني ساخن للاتصال الدائم والوقوف على خطوات الأزمة ساعة بساعة، وأثناء التحفظ على الآباء الأساقفة والكهنة والعلمانيين بعد أحداث الزاوية الحمراء 1981، كان يُرسل لهم الاحتياجات، ويُرسل مندوبيه للسؤال عنهم في المعتقل، وأخيرًا وبعد رحلة كفاح طويلة خدم فيها الكنيسة بكل أمانة وإخلاص، وبذل الجهد من أجل وطنه مصر سقط شهيدًا في حادث المنصة في 6/ 10/ 1981، ويومها قال عنه الوزير "عبده سلام" كان أصيلاً في وطنيته، قويًا في محبته، لا يتهرب من مواجهة أي مواقف أو من التصدي لأية مشكلة، ولا يتردد في إعلان رأيه صريحًا واضحًا في أي موضوع.
المتنيح "الأنبا باسيليوس" مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى
نشأته" وُلد باسم "سامي تاوضروس" في مدينة أسيوط بصعيد مصر، في يوم 1/11/1923، وكان الخامس بين إخوته الست.
رسـامتـه مطـراناً:
بعد ارتقاء المتنيح قداسة "البابا كيرلس السادس" كرسي الكرازة المرقسية (الأحد 10/5/1959) كان من أُولى إهتماماته تعيين مطراناً لكرسي "إيبارشية القدس" الذي ظل خاليًا لعدة سنوات، نظرًا لأهميته، ومكانته الدولية والطقسية (لأن طقس الكنيسة يعتبر مطران القدس هو التالي للأب البطريرك من حيث الطقس)، اختار قداسة "البابا كيرلس السادس" "القمص كيرلس الأنطوني" (الأنبا باسيليوس فيما بعد) ليكون مطراناً على القدس والشرق الأدنى، وقد أيد هذا الاختيار جميع أصحاب النيافة أحبار الكنيسة حينئذ.
رأى "القمص كيرلس الأنطوني" أنه ليس أهلاً لكرامة الأسقفية، فهرب واختفى وظل مدة مختفيًا، بينما كان الآباء المسئولين يطلبونه بالإلحاح، وفيما يلي بعض فقرات تدل على ذلك من خلال رسالة موجهة من المتنيح طيب الذكر "الأنبا غريغوريوس" -أسقف الدراسات العليا اللاهوتية والبحث العلمي- إلى "القمص كيرلس الأنطوني" نظرًا لعلاقة المحبة التي كانت تربطهما:
"ولعل قبولكم لمنصب "مطران للقدس" كسب للكنيسة؛ من حيث أن الكنيسة اليوم ترجو أن لا يحتل مثل هذه المناصب إلا أشخاص يُقدَّرون معنى الخدمة، ولهم رغبة صادقة في العمل المُثمر. على كل حال المرجو من قدسكم أن تعودوا إلى الظهور من جديد للتفاهم أيضًا، ولعلكم في كل هذه الفترة صليتم إلى الله وطلبتم الإرشاد".
ثم ظهر "القمص كيرلس الأنطوني" ورسمه البابا كيرلس السادس والآباء المطارنة مطراناً على الكرسي الأورشليمي يوم الأحد 7/6/1959، بالكاتدرائية المرقسية بالأزبكية باسم "الأنبا باسيليوس مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى" ليكون باكورة سيامات قداسة "البابا كيرلس السادس"
إيبارشية الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى:
عندما تسلم نيافته إيبارشية القدس وجدها فى حاجة إلى جهود مضنية، وذلك لكبر حجم الإيبارشية فهى تشمل كلاً من (فلسطين، الأردن، العراق، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، قطر، عُمان، سوريا، لبنان، القنطرة شرق) وقد قال نيافته عندما تسلم الإيبارشية: "ومنذ شاءت إرادة الله أن تختار ضعفي لخدمة إيبارشية الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى، كان علينا أن نبذل كل جهد ممكن فى سبيل نجاح الخدمة وتقدمها، لا فى المدينة المقدسة فقط، ولكن في سائر أقطار وبلدان الشرق الأدنى التابعة للإيبارشية أيضًا. والتي كانت الجالية القبطية المنتشرة فيها تكاد أن تكون محرومة من أى خدمة روحية أو عملية أو اجتماعية. الأمر الذى كان يهدد كنيستنا في أعز من لها وهم أبناؤها".
قام بتسديد الديون، وترميم الكنائس، وبالأخص كنيسة الأنبا أنطونيوس (الكنيسة الرئيسية فى دير الاقباط بالقدس)، وكان فى مقدمة المساهمين في حركة الإعمار حكومة مصر فى عهد الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" بمبلغ 5000 جنيهًا.
أنشأ نيافته "دير السيدة العذراء" ببيت لحم القدس، ليتمكن الأقباط من الصلاة داخل كنيسة المهد (التى يوجد بها المذود الذى وُلد فيه مخلصنا الصالح) طوال العام. قام بتجديد نشاط الكلية الأنطونية القبطية للبنين، وكلية "الشهيدة دميانة" بالقدس، وباشر بنفسه إدارتهما، وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، التي تُرسل مدرسين مصريين للعمل بهاتين الكليتين كمنتدبين.
قام بإنشاء الكثير من الكنائس فى إيبارشيته، وكان لكل كنيسة قصة فى إنشائها وورائها جهود، أخذت الكثير من وقت وجهد نيافته، بدءً من شراء الأرض وإصدار التصاريح، وانتهاءً بالتدشين وإقامة الصلاة، بالإضافة إلى زيارة هذه الكنائس مرة على الأقل سنويًا، رغم أن هذه الرحلات شاقة ومؤلمة، حيث أنه قد أُصيب فى أواخر أيامه بزوائد غضروفية فى منطقة الظهر، مما سبب له آلامًا كثيرة في ساقه اليمنى.
دير السلطان:
كان من أكبر المشكلات التي اعترضت نيافته، وقد بدأت سنة 1970، وطيلة 21 عامًا لم يهدأ نيافته ساعة واحدة عن العمل لحلها، ويعرف المقربون من نيافته بأن الجهة المعتدية قد حاولت من قبل مساومته لأخذ الدير، ولكنه أبدًا لم يتنازل عن حق الكنيسة. بعد سلسلة من الجلسات القضائية، والتي كانت دائمًا يكون الحكم فيها لصالح الكنيسة القبطية، وحقها في استرداد دير السلطان، إلا أنه لم يُتخذ أى إجراء فعلي أو تنفيذي، بحجة أن القضية تحتاج إلى وقت، لأن لها أبعادًا سياسية.
طوال 21 عامًا لم يتكاسل نيافته عن القضية، بل كان يسافر إلى مصر 3 مرات سنويًا ليقابل المسئولين في الخارجية المصرية، والتي اعتبرت دير السلطان أرضًا مصريةً بالدرجةِ الأولى.
طوبى لمن يقرأ ويتعلم ويعرف؛ أن السلام أجمل وأروع قصص الإنسانية، وسنُكمل -إن شاء الرب- قصص الأقباط صناع السلام.
الرب معكم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com