بقلم: القمص/ أفرايم الأورشليمي
السيد المسيح هو الراعي الصالح... وهو الذي يهتم بكل القطيع والرعية، ولكل واحد في رعيته اهتمام خاص عنده، وهو يريد أن يضمنا إلى حظيرته؛ الكنيسة التي تضمّ الحملان الناطقة لتقودهم في قداسة ومحبة، وهو كراعٍ صالح يهتم بنا بالأكثر في ضياعنا أو بعدنا عنه "أي إنسان منكم له مائة خروف وأضاع واحدًا منها. ألا يترك التسعة والتسعين في البريّة ويذهب لأجل الضالّ حتى يجده، وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحًا ويأتي إلى بيته ويدعو الأصدقاء والجيران قائلاً افرحوا معي لأني وجدت خروفي الضالّ. أقول لكم إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بار لا يحتاجون إلى التوبة" (لو 15 : 4 – 6).
إن هذا المثل الذي ضربه السيد المسيح يبين لنا أهمية خلاص النفس الواحدة التي تضل، وكيف يسعى لخلاصها. ويفرح الله بعودتها إلى حضنه. سواء ضلّت بسبب جهلها، أو عدم حرصها، أو بإرادتها الحرة، فإن المسيح أتى ليحررنا من الخطية، والجهل، والخوف، والموت: "لأنه هكذا قال السيد الربّ هاأنذا أسأل عن غنمي وأفتقدها كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتتة. هكذا أفتقد غنمي وأخلصها من جميع الأماكن التي تشتت إليها يوم الغيم والضباب. أنا أرعى غنمي وأربضها يقول الرب، وأطلب الضال وأسترد المطرود، وأجبر الكسير وأعصب الجريح" (حز34 : 11- 15).
إن افتقاد الرب العجيب لكل نفس هو مصدر عزاء وتشجيع لكيما نستجيب إلى نداءاته المتكررة لنا لتبعيته والتلمذة على يديه. وهو قادر أن يداوي أمراض نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا، فهو الطبيب الحقيقي الذي يدبر خلاص رعيته. ومن محبة الرب كراعٍ صالح لنا أنه يقيم لنا الرعاة الذين يقودوننا في الطريق للوصول إلى ملكوته السماوي، وأننا من كل قلوبنا نشكر الله الذي وهب لعصرنا ولأبناء كنيستنا القبطية "قداسة البابا شنودة الثالث"، ونود أن نهنئه بالعيد التاسع والثلاثين لجلوسه راعي رعاة كنيستنا على كرسي مارمرقص الرسول، طالبين له من رب المجد الصحة والحفظ، ليقود الكنيسة بمعونة راعي الرعاة الأعظم إلى ميناء السلام والأمان، من أجل خلاص كل أحد.
صفات الراعي الصالح:
إن أهم صفات الراعي الصالح ومسئولياته هي السهر على حماية الرعية، وتعهدها بالطعام والشراب، وحمايتها من الأخطار التي تتهددها. ونحن نرى مخلصنا الصالح يتعهدّنا برعايته وكأننا حدقة عينه، عندما كان شاول يسيء إلى الكنيسة ظهر له المخلّص قائلاً: "أنا هو يسوع الذي أنت تضطهده" (أع 9 : 5) "فالذي يضطهد احد رعيته كأنه يؤذيه هو شخصياّ. هو يتحنّن علينا فهو الذي لما رأى الجموع قديمًا "تحنّن عليهم إذ كانوا منزعجين ومطروحين كغنم لا راعٍ لها" (مت9 : 36) هو أمس واليوم وإلى الأبد، يتحنن علينا، ويقيم لنا الرعاة الصالحين، ويعاتب الرعاة الذين لا يرعون الرعية بإخلاص: "هكذا قال الرب عن الرعاة الذين يرعون شعبي أنتم بددتم الغنم وطردتموها ولم تتعهدوها. هاأنذا أعاقبكم على شر أعمالكم يقول الربّ. وأنا أجمع بقية غنمي من جميع الأراضي التي طردتها إليها وأردها إلى مرابضها فتثمر وتكثر. وأقيم عليها رعاة يرعونها فلا تخاف بعد ولا ترتعد، ولا تفقد يقول الرب" (أر23: 2 – 4). لقد افتخر الشعب قديما باعتباره شعب الله وقطيعه المقدس، الذي يقوده: ساق مثل الغنم شعبه وقادهم مثل القطيع في البرية وهداهم آمنين فلم يجزعوا" ولما فسد الرعاة والرعية جاء الرب متجسدًا في ملء الزمان ليفتقد رعيته، ويبذل ذاته فداء عنه.
إننا بحاجة دائمة لرعاية الراعي الصالح الذي يقودنا في موكب نصرته. وقد قدم لنا المسيح المخلص كلمته غذاء لأرواحنا، وأعطانا سر الافخارستيا لكي نأكله ونحيا به. وأعطانا روحه القدوس مرشدًا ومعزيًا. وأعطانا الكنيسة أمًا ترعانا، كلما اقتربنا من الراعي الصالح، ووثقنا به، وأحببناه، وأطعناه، وعشنا في حمايته، أحسسنا برعايته، حينئذٍ نرتوي بمحبته ونشبع من نعمته فلا نبحث في العالم وشهواته عن آبار مشققة لا تضبط ماءً، غير عالمين أن كل من يشرب من ماء هذا العالم يعطش أيضًا. إن الراعي الصالح يعرفنا معرفة لصيقة ويتحد بنا ونصير نحن منتسبين إليه، ويدعى اسمه علينا "وأما أنا فإني الراعي الصالح وأعرف خاصتي، وخاصتي تعرفني، كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب، وأنا أضع نفسي عن الخراف، ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة لراعٍ واحد" (يو10: 14 – 16). نحن ننتسب للمسيح "الراعي الصالح"، فأصبحنا مسيحيين وهو من محبته ينسب نفسه إلينا "إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب". "وأكون له إلهاً وهو يكون لي ابناً" (رؤ 21 : 7). إنه يعرف مواهبنا وضعفاتنا ويقدر أن يقوّي إيماننا. "قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك" (إر1 : 4). لكن لماذا لا ننمو إذن ونتقدّس كما يجب؟ إنها حرية الإرادة الممنوحة لنا من الله، أن نسلك طريق الخير والحياة، أو طريق الشر والموت. فالجهاد القانوني في الطريق الروحي يجب أن يكون بإرادتنا الحرّة. لنعلن حبنا لله لا بالكلام واللسان بل بالعمل والحقّ. نعبده بالروح والحقّ، ونحبّه من كل القلب والفكر والنفس. ولماذا ينمو البعض ويتأخر البعض؟ أنها فرصتنا للمتاجرة في الوزنات الممنوحة لنا من الله، فكلما استثمرنا إمكانياتنا وطاقاتنا ومحبتنا لمعرفة الله كلما أعلن عن ذاته أكثر. إن الله يراقب جهادنا كراعٍ صالح لنثبت له أننا نرغب ونعمل بإرادتنا الحرة في طريق الملكوت.
الحمل الذي يرفع خطية العالم:
إن الراعي الصالح هو الحَمَل المذبوح والمصلوب لفداء البشرية، وهذا ما أعلنه إشعياء النبي "أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه وبُحُبِرهِ شُفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا. ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاه تساق إلى الذبح وكنعجةٍ صامته أمام جازيها. فلم يفتح فاه وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين" (إش53: 4 – 7، 12).
هو الراعي والحمل الذي رآه يوحنا المعمدان قادمًا إليه فصرخ قائلاً "هوذا حمل الله الذي يرفع خطيه العالم" إننا نعلم إنه "حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة" (1بط 2 : 24). وهذا الخلاص والفداء يعطي الإنسان قيمة: "عالمين إنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضه أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس. دم المسيح) (ا بط1 : 18 – 19). لهذا يجب أن يكون لنا تقدير لإنسانيتنا واهتمام بخلاصها، ومحبة لذلك الذي مات من أجل أن يعطينا حياة أبدية. في السماء تسبحه كل الأمم قائلة: "مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة. وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض سمعتها قائلة للجالس على العرش والخروف البركة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين". (رؤ5: 12 : 13).
إن الراعي الصالح يتسع في حبه لكل احد من كل أمَّة ولسان، ومن كل الأعمار والأجناس، هو يريد أن يجذبنا له بالمحبة لكي نكون رعية واحدة لراعٍ واحد.
التعلم من الراعي:
إن الذي يسير مع الراعي الصالح ويختبر رعايته يشيد دائمًا برعايته، ويريد أن يتعلم منها. لقد تغنّى داود النبي برعاية الله قديما "الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء في مراعى الخضر يربضني. إلى مياه الراحة يوردني. يردُّ نفسي. يهديني إلى سبل البرِّ من أجل اسمه. أيضًا ان سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي" (مز23: 1 -4). داود النبي الذي رآه الرب أمينًا في رعاية الغنم في البرية، اختاره راعياً لشعبه ونبياً وملكًا وقاضيًا، هكذا نحن أيضًا يجب علينا أن نتلّقى الرعاية من الراعي الصالح، ونمنحها بأمانة للذين هم في نطاق رعايتنا. إن المسيح له المجد هو النموذج والمعلم الصالح سواء في شخصه الإلهي أو في صفاته أو في تعاليمه المملوءة محبة وحكمة، أو في أسلوب رعايته، وهذا ما يترك الأثر الطيّب على نفوس تابعيه والذين يتعلمون منه. علينا أن نميِّز صوت الراعي، ونعرفه بين أصوات العالم من حولنا، وضجيج المدنيّة وتأثيراتها السلبية على النفس البشرية. يجب علينا أن نسير في هدى سير القديسين الذين سبقونا. "إن لم تعرفيني أيتها الجميلة بين النساء فاخرجي على آثار الغنم وارعي جداءك عند مساكن الرعاة" (نش1: 8).
ان رعيه المسيح تحب كنيسته التي تغذيها بالأسرار والتعاليم، فهي أمّنا التي ننمو فيها وكأعضاء في جسد الراعي، نحب بعضنا بعض ونكون رحومين نحو الأعضاء الضعيفة والصغيرة؛ التي تحتاج إلى الرعاية والاهتمام، وكرعية واحدة نسير معًا في تعاون وانسجام، ونبث الدفء الروحيّ في الأعضاء الفاترة والباردة، حتى ما تقوى في الروح.. والآن أيها الأحباء ابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس مصلّيين في الروح القدس واحفظوا أنفسكم في محبه الله، منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية، والقادر أن يحفظكم غير عاثرين في الاجتهاد ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج.
راعيَّ الأمين.. أنت تقودني وترعاني، في المراعٍي الخضر تربضني، إلى مياه الراحة توردني، بأسوار وربُط الحب تحميني، في وادي ظلّ الموت تحملني، رحمتك تدركني كل الأيام. فأسكن فيك إلى الأبد يا راعي النفوس الآمين. اطلب الضّالين، ردّ المطرودين، واجبر المنكسرين، واعصب المجروحين، واحفظ القائمين، واحكم بالعدل للمظلومين، واسمعنا صوتك الآمين. يا راعي الرعاة العظيم. في قلبك الحنون أنا أقيم. تحملني على كتفيْكَ للنعيم، وتنتشل رعيتك الضّالة من فم الشيطان الشّرير. في حظيرتك بالحب واهدنا بقيادتك في الدرب.أمين.. فنحن نريد ان نتبعك من القلب، ونسير وراءك في حبّ، فأنت لنا نعم الراعي والأب، وفيك ومعك وبك يعظم انتصارنا يا رب.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com