ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

اللائحة تعود.. والكهنة يمتنعون

بقلم : عاطف بشاى | 2016-03-15 09:37:13

 اشتدى أزمة تنفرجى.. ويبدو أنها فعلاً فى سبيلها إلى الفرج وإن كانت ما زالت فى طور التكهنات والتسريبات والأقوال المتناثرة والمتضاربة، إنها أزمة قوانين الأحوال الشخصية للأقباط، التى يعانى من جراء قسوة وعنت وتشدد بنودها الآلاف من بؤساء منكوبى إلغاء لائحة (1938) الرحيمة، فيما يتصل بالطلاق والزواج الثانى، التى كانت تستند إلى ثمانية أسباب تتيح الطلاق، منها الزنى والعجز الجنسى والشذوذ والجنون والسجن وعدم الإنجاب والاختفاء لسنوات وإساءة أحد الطرفين للآخر واستحكام الخلاف بما يستحيل معه دوام المعاشرة، إلغاء هذه اللائحة والاكتفاء بالطلاق فى حالة الزنى أدى إلى تفاقم المشاكل، فلم يعد أمام التعساء من الذين يعانون من حياة زوجية بائسة إلا تغيير الدين أو الانتحار أو ارتكاب الجرائم، مثلما حدث منذ فترة مع فتاة سكندرية كان زوجها يعانى من عجز جنسى، أسقط عليها عجزه ضرباً وإهانة ثم قتلها فى حجرة فندق شهير وفر إلى المطار قاصداً أمريكا، وخاطب إدارة الفندق هاتفياً وهو فى الطائرة معترفاً لهم: افتحوا الغرفة رقم كذا، ستجدون جثة زوجتى سابحة فى دمائها، لقد قتلتها لأنه لا وسيلة لطلاقها فى ظل قوانين الأحوال الشخصية الجائرة لغير المسلمين، وبعد ساعات سأكون فى أمريكا حيث لا اتفاقية بينها وبين مصر لتسليم المجرمين. والمتأمل لحالتى «وفاء قسطنطين» و«كاميليا شحاتة» يلحظ بوضوح تشابه الظروف البيئية والاجتماعية والنفسية التى صنعت مأساة كل منهما، فكلتاهما تعيش فى مجتمع ضيق محدود خانق فيما يتصل بالتقاليد والأعراف والمفاهيم الرجعية المتخلفة والضاغطة على المرأة، وكلتاهما زوجة لقس فارق السن بينهما كبير، والقيود الصارمة تلاحقهما لأن الكنيسة تبالغ فى إضفاء صفات مثالية وهالات قدسية على زوجة الكاهن، كما أن هناك تشابهاً فى أسلوب تعامل الزوجين الكاهنين معهما، زوج وفاء يشك فى سلوكها خاصة بعد أن تم بتر ساقه بسبب مضاعفات السكر، ومن ثم فهو يسىء معاملتها، كذلك زوج كاميليا الذى كان يضربها لعدم اعتنائها بنظافة المنزل فتذهب إلى والدها شاكية فيضربها ويعيدها إلى زوجها صاغرة، فرداء الكهنوت يمثل تميزاً وحصانة، وخطاً أحمر وسلطة دينية لا يجوز انتهاكها ولو بمجرد الشكوى، ومع تصاعد الضغوط الاجتماعية والتراكمات النفسية واختصار أسباب الطلاق فى علة الزنى يصبح الخلاص فى تغيير الدين، ويتكرر نفس السيناريو فى حالة سيدة «جبل الطير» التى هربت للمرة الثالثة من زوجها مع شريكه المسلم، وبادر الجميع، الزوج، والزوجة والكهنة والجبهة الزائفة للدفاع عن حقوق الأقباط المغتصبة فى التغطية الشائنة على عار الفضيحة الاجتماعية بادعاء الاضطهاد الطائفى.

 
الأزمة إذن هى أزمة اجتماعية عاطفية جنسية أخذت شكلاً طائفياً فى ظل التراجع المجتمعى الشديد فى الحريات الاجتماعية وتداعى الحريات الخاصة وحقوق الإنسان. إن المجتمع الذى أصبحت تحكمه ثقافة «الحلال والحرام» والتشدد الدينى القشرى والتطرف الذى يحتفى بالطقوس والشكليات والفتاوى القاتلة، وتبتعد عن الجوهر والمعنى الحقيقى للدين وتتربص بالآخر وتحاول إقصاءه وتكفيره، هذا المجتمع ليس لديه شجاعة تحمل مسئولية حرية العقيدة، ومجتمعنا ما زال يعتبر التحول الدينى «أم الكوارث» لا فارق فى هذا الأمر بين أقلية وأغلبية، فالسلطة الدينية تفرض وصايتها واحتكارها لحياة البشر نيابة عن الله.
 
وقد كان من المتوقع وقد جلس البابا تواضروس على كرسى الكرازة المرقسية ليقود سفينة الأقباط وسط أمواج عاتية وأحداث صاخبة وأنواء عاصفة، مقرراً أن يبدأ فى إعادة ترتيب البيت من الداخل، تمهيداً لفتح الملفات الشائكة ومعالجتها، كان من المتوقع تحقيق إنجازات إصلاحية ثورية تشمل فصل الأجهزة الدينية والروحية داخل الكاتدرائية فصلاً تاماً عن ذلك التداخل المذموم والضار مع أجهزة الدولة المدنية المسئولة، فليس من المعقول أو المقبول مثلاً أن يقوم الأنبا الذى يجلس على معقد الرئاسة بالنسبة لقضايا الأحوال الشخصية أن يقوم - فى ظل إلغاء البابا شنودة للائحة (38)- بدور الطبيب النفسى والإخصائى الاجتماعى ووكيل النيابة والقاضى فى آن واحد، ويصدر أحكامه القاطعة فى أخطر وأدق وأكثر الأمور الزوجية حساسية وتعقيداً، فيتحكم بذلك وحده فى مصير آلاف من أسر البؤساء والمقهورين وثقيلى الأحمال الذين يتوقون إلى لحظة الخلاص أو إلى حل إنسانى يخلصهم من عذاباتهم، فيواجهون بقرارات قمعية قاسية تخاصم حقوق الإنسان، حيث تجبرهم على أوضاع معيشية لا يرغبونها، خاصة أن المسئول راهب لا علاقه له من قريب أو بعيد بتفاصيل الحياة الزوجية، وليس له صلة وثيقة بالعلوم الإنسانية، وهذا يستتبع أن يسعى البطريرك إلى فتح كل النوافذ والأبواب وتمهيد كل الطرق ووسائل الاتصال لتحقيق ديمقراطية حقيقية تضم إلى أحضانها المثقفين والنخبة من الليبراليين والعلمانيين والمستنيرين من أهل الفكر، الذين تم إقصاؤهم وإبعادهم بغلظة وكراهية فى عهد البابا شنودة، حتى أصبحت إمكانية التغيير فى بداية تحمل البابا تواضروس المسئولية صعباً، نتيجة العراقيل التى يقوم بها الحرس القديم لتقويض أى تطور حقيقى فى وقت يؤمن فيه «البابا تواضروس» أنه لن ينهض الخطاب الدينى من كبوته، ولن يصبح للروح عقل تدار به تلك المؤسسة العريقة إلا إذا آمن أهل «الإكليروس» من القساوسة أن العمائم والذقون وأردية الكهنوت وكتب الطقوس القدسية القديمة لا تكفى وحدها لقيادة سفينة تعانى من تداعيات أشرعة من الجمود العقلى، والمسلمات العتيقة.
 
كان على البابا أن ينتهز فرصة تكليف الرئيس «السيسى» «لمحلب» فى وزارته السابقة بتشكيل لجنة لصياغة مشروع متكامل للأحوال الشخصية للمسيحيين، فى العمل على إضفاء تعديلات جوهرية لحل مشاكل المعذبين فى الأرض من ضحايا إلغاء لائحة (38)، لكن المشروع اصطدم بتمسك الحرس القديم بأنه لا طلاق إلا لعلة الزنى فقط، مع إضافة التوسع فى استخدام مفهوم الزنى، متصورين أن ذلك سوف يؤدى إلى تحقيق رغبات أصحاب المشاكل فى الزواج والطلاق، ذلك التصور ورطهم توريطاً واضحاً فى الخلط المعيب بين السلطة الدينية و«المفهوم الدينى» فقد خانهم ذكاؤهم جميعاً حينما أرادوا أن يضربوا عصفورين بحجر واحد، إرضاء التعساء من ناحية، وعدم مخالفة نصوص الإنجيل من ناحية أخرى، لكن هذا التوسع الكوميدى فى بنود الزنى الحكمى يجعل كتيبة الكهنة تتحول من «قيادات روحية» إلى «رؤساء دينيين» يحتكرون سلطة لا يجوز لسلطة الدولة الاقتراب من حدودها أو مراجعتها، وقد فطن «البابا تواضروس» لذلك مدركاً أن التوسع فى الزنى الحكمى بربطه بهجر منزل الزوجية لمدة ثلاث سنوات أو أكثر معناه أن الزوجة مثلاً التى ينشب بينها وبين زوجها خلاف تترك فى أثره المنزل تعتبر زانية يحق طلاقها بل وتسقط كل حقوقها باعتبارها ناشز سيئة السمعة، كما لا يحق لها أن تتزوج مرة أخرى ويظل طلاقها وصمة عار تشملها وتشمل أولادها وعائلتها حتى الموت.
 
كما أن التوسع فى الزنى الحكمى يجعل الكنيسة تتدخل فى الحياة الاجتماعية للمتخاصمين ومراقبتهم والاطلاع على رسائلهم الإلكترونية ورسائل المحمول وعبر مواقع التواصل الاجتماعى، والمدهش ما نشر فى بعض الصحف حول جريمة ضبط الزوج أو الزوجة للطرف الثانى مع شخص آخر فى السينما(باعتبارها وكراً للعشاق وليست مكاناً لارتياد جمهور يشاهد فناً بل ماخور لارتكاب الفحشاء!!) وطبعاً لن يتم ذلك إلا من خلال مراقبة الزوج المخدوع لزوجته اللعوب بتحريض مسبق وتحت رعاية وتنسيق مع الكاهن الذى يتولى ملفه.
 
استطاع «الأنبا تواضروس» أن يفصل بين «الهجر» وبين «الزنى الحكمى» وهو بذلك يجعل مظلة «الهجر» تتسع لتشمل أموراً أخرى غير الخيانة الزوجية، مثل الغياب المجهول السبب، وعدم معرفة ما إذا كان الغائب حياً أو ميتاً، والهجر لاستحالة العشرة وإساءة المعاملة، والغياب بسبب السجن، وهى أمور تحتوى عليها لائحة (1938).
 
أى إن لائحة (1938) الرحيمة فى طريقها إلى العودة بعد عذاب طويل، فافرحوا وتهللوا أيها «المقهورون فى الأرض».
نقلا عن الوطن
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com