أسقط مجلس النواب المصري بغالبية الأصوات عضوية النائب توفيق عكاشة على خلفية استقباله في منزله السفير الإسرائيلي لدى مصر الأسبوع الماضي.
إسقاط عضوية النائب المثير للجدل جاء بعد رفض نواب البرلمان نتائج لجنة التحقيق معه، والتي قررت فقط حرمانه من حضور جلسات المجلس حتى نهاية دورة الانعقاد الحالية.
وقد رفض النواب قرار اللجنة انطلاقا من استضافة عكاشة في منزله السفير الإسرائيلي في القاهرة، من دون علم المجلس، ومناقشته أمورا وقضايا تمس الأمن القومي المصري؛ إلى جانب إساءته البالغة للزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، وللمملكة العربية السعودية والإمارات؛ وكذلك التهجم على رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، ومطالبته بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة؛ إضافة إلى ممارسته أعمالا تمثل نوعا من الشغب البرلماني؛ من بينها تطاوله على رئيس البرلمان علي عبد العال.
وقد تطور الأمر بعد ذلك مع أول ظهور لعكاشة في قاعة البرلمان الرئيسة، حيث قام شيخ نواب المعارضة كمال أحمد، بضربه بالحذاء على رأسه في قلب قاعة البرلمان الرئيسة، لرد الاعتبار للمجلس الذي أهانه عكاشة، بحسب وجهة نظر النائب الناصري، باستقباله السفير الإسرائيلي في منزله، وإعلانه الاستعداد للسفر إلى إسرائيل.. وهو الأمر، الذي أثار استياء كبيرا في المجتمع المصري.
وصدر قرار مجلس النواب بإسقاط العضوية عن "نائب التطبيع"، بموافقة 465 عضوا، من إجمالي الحاضرين، وعددهم 490 نائبا، من بين 596 نائبا يتألف منهم المجلس، بينما امتنع تسعة أعضاء عن التصويت، واعترض 19 نائبا فقط على القرار.. ما يعني حصول القرار على أكثر من نسبة ثلثي الأصوات المطلوبة.
وبإسقاط عضوية عكاشة يخلو مقعده الفردي عن دائرته في محافظة الدقهلية، وهو ثاني مقعد نيابي يعلن البرلمان عن شغوره بعد قبوله منذ أسابيع استقالة نائب آخر حصل على مقعده بالتعيين.
ويبدو أن إسقاط عضوية توفيق عكاشة ليس نهاية المطاف؛ إذ رأى فيه المراقبون محاولة جادة من الدولة لضبط إيقاع الممارسة البرلمانية داخل المجلس، الأكثر تنوعا وتشتتا وعددا في تاريخ مصر الحديثة.
فبعض النواب يثير جدلا دائما بتصريحات استعراضية مبالغ فيها؛ الأمر، الذي يخل كثيرا بأداء المجلس، الذي أوكلت إليه مهمات جسام خلال المرحلة المقبلة؛ فضلا عن امتلاكه سلطات واسعة، تستطيع مفاقمة حالة الاضطراب السياسي، خاصة في ظل سيطرة سياسة الكتل المتحركة عليه من دون امتلاك الدولة المصرية حتى الآن كتلةً صلبة، تستطيع المناورة السياسية بواسطتها.
من جهتها نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، اليوم الخميس 3 مارس/أذار، عن خالد سليمان، المحامي الموكل بالدفاع عن عكاشة، قوله إن "التصويت على إسقاط عكاشة هو في واقع الأمر محاولة لعقابه على انتقاداته الأخيرة للرئيس السيسي".
إسقاط عضوية عكاشة تلاه قرار قناة "الفراعين"، التي يمتلكها، إيقاف بث برامجها بصفة نهائية.. وقد أعلنت القناة في بيان، بثته أمس الأربعاء، عن إيقاف بث برامجها بصفة نهائية، وتصفية أعمالها وتجميد أنشطتها وعرضها للبيع.
وقد رأى خبراء في إسقاط عضوية عكاشة درسا قاسيا وإنذارا واضحا لنماذج قريبة منه في البرلمان، وتأكيدا على الموقف المصري من الكيان الصهيوني، وعدم السماح لأي شخص بالتحدث باسم الدولة المصرية.
وأكد يسري العزباوي، الباحث في مركز "الأهرام" للدراسات الاستراتيجية، أن إسقاط عضوية عكاشة هو تحذير قوي لكل من تسول له نفسه ممارسة أي تجاوزات تحت قبة البرلمان، أو خارجه، أو التحدث باسم الدولة المصرية.
وأشار العزباوي إلى أن عكاشة هو من انتحر سياسيًا بتطبيعه مع الكيان الصهيوني؛ مضيفًا أن التعبئة الشعبية كانت المحرك الرئيس وراء طرده خارج البرلمان، وأن تصويت النواب بالموافقة على إسقاط العضوية كان المشهد الأخير في حياة توفيق عكاشة السياسية.
فيما أكد أحمد بهاء شعبان، الأمين العام للتحالف الشعبي الاشتراكي، صوابية القرار، وأنه جاء في وقته، من أجل إنقاذ سمعة مصر، وحماية مصالحها القومية من العبث، والتعدي على دورها بالتفاوض باسم الدولة.
وأكد شعبان أن عكاشة تجاوز كل الحدود المباحة، بتجاهله المصالح القومية، والاستهانة بتضحيات ألوف الشهداء من المصريين والفلسطينيين؛ مشيرًا إلى أنه هو من سلم رقبته للكيان الصهيوني لكي يذبحه، وأن إسقاط عضويته هو رسالة واضحة لكل من يتصور أن الشعب المصري نسي جرائم الكيان الصهيوني، وأن الدولة المصرية ضعفت، وأصبح مباحا لكل نائب التحدث باسم الشعب أو الدولة.
بينما يرى أحمد دراج، المتحدث باسم تحالف "25- 30"، أن إقصاء "عكاشة" دليل على قوة الإرادة الشعبية، وأن التطبيع مع الكيان الصهيوني أمر مقتصر فقط على الجهات الدبلوماسية والسياسة؛ أما على المستوى الشعبي، فنظرة الشعب نحو إسرائيل لم تتغير؛ مشيرًا إلى أن إسرائيل كانت وما زالت بالنسبة للشعب المصري عدوًا مرفوضا، وأن قرار إسقاط العضوية موجه لأصحاب الدعوات ذات الميول التطبيعية مع إسرائيل، مثل دعوات بعضهم إلى خوض مباريات رياضية ودية بين مصر وإسرائيل.
إسقاط العضوية عن عكاشة، دليل يؤكد استمرار العداء الشعبي المصري لإسرائيل ورفض الاتجاهات التطبيعية.. وهي تشديد من الدولة المصرية أيضا على رفضها التطبيع مع إسرائيل، وكذلك التطاول على رموز وطنية كالزعيم جمال عبد الناصر؛ فضلا عن رغبتها في استعادة العمل البرلماني هيبته، التي أذهبها توفيق عكاشة ومن هم على شاكلته.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com