كان من المقرر أن تتعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى، فى الصباح الباكر من يوم الإثنين -22 فبراير- ثم حالت الشبورة المائية والعواصف الترابية دون ظهور أشعة الشمس فى وقتها المحدد، تعامد الشمس على وجه رمسيس داخل معبد أبوسمبل يحدث مرتين كل سنة، الأولى فى فبراير والثانية فى أكتوبر، بما يدل على إنجاز هندسى فى البناء لدى قدماء المصريين، فضلاً عن المحدثين المصريين كذلك، معبد أبوسمبل تم نقله بالكامل من موقعه فى ملحمة رائعة من الجهد والإنجاز والتصميم، أثناء بناء السد العالى، والذى حدث أنه مع تقدم البناء فى السد وتحويل مجرى المياه، بات من المؤكد أن معبد أبوسمبل معرّض بالكامل للغرق، واستنتجت بعض الدول أن مصر لن تكون قادرة على إنقاذه، ومن ثم تقدمت إحدى الدول الكبرى بطلب شراء المعبد بالكامل وتتولى هى نقله، لكن مصر رفضت تماماً، وكان أن توجهت بالنداء إلى منظمة اليونسكو للمساعدة فى إنقاذ المعبد، فى حملة دولية ناجحة، قادها وزير الثقافة العظيم د.ثروت عكاشة. واستجابت اليونسكو وساندت مصر، وتقدم إلى المنظمة الدولية اقتراحات من جميع أنحاء العالم، حوالى أربعين اقتراحاً علمياً لإنقاذ المعبد، صمد منها ثلاثة فقط، اقتراح من فرنسا وآخر من إيطاليا وثالث من مصر صاحبه عميد كلية الفنون الجملية بالإسكندرية د.أحمد عثمان، وكان أن تبين لليونسكو أن الاقتراح الأشمل والأسلم هو الاقتراح المصرى، وبدأ العمل لانتقال المعبد من موقعه القديم إلى موقعه الحالى؛ وهو لا يبتعد كثيراً عن موقعه القديم.
عملية النقل قام عليها ألفا عامل ومهندس مصرى، وتمثل إعجازاً هندسياً وفنياً وعلمياً بالمعنى الكامل، بدأ العمل سنة 1963 وفى 10 أكتوبر 1965 تم رفع أول قطعة من المعبد لتوضع فى مكانها الحالى وهى وجه رمسيس الثانى، ويزن حوالى 30 طناً، وانتهى العمل فى 22 سبتمبر سنة 1968، وهناك بعض الأرقام يجب أن تذكر، فقد تم نقل 300 ألف متر مكعب من الرمال والصخور تشبه الجبل يوضع عليها تاج المعبد فى موقعه الحالى، أما وزن المعبد فبلغ 250 ألف طن، وهناك الصخور المحيطة بالمعبد فبلغ وزنها 330 ألف طن، كل هذا أنجزه العمال والفنيون والمهندسون المصريون، وتكلفت العملية كلها 14 مليون جنيه مصرى، بما قيمته 42 مليون دولار، تحملت مصر منها 12 مليوناً، وتدخلت الولايات المتحدة بمنحة قدرها 12 مليوناً، وهناك تبرعات من أنحاء العالم بلغت 12 مليونا، وتقدمت الكويت بقرض طويل الأجل قيمته 6 ملايين دولار.
دول كثيرة – 40 دولة – ساعدت مصر فى هذه العملية، بالدعم وبالخبرة الفنية أو حتى الاستشارة، لكن المشروع كله كان فى الأصل قراراً وإرادة مصريين، وكذلك الفكرة والتنفيذ، والحق أن أى مشاهد اليوم للمعبد لا يملك إلا التقدير العظيم لهذا الإنجاز، خاصة أن العمال والمهندسين المصريين، كانوا يعملون بمعدات منتصف الستينيات، ومعظمها معدات مصرية بالغة التواضع قياساً إلى ما نراه اليوم من آلات ومعدات الجر والنقل وغيرها.
كانت عملية النقل دقيقة، حتى إنه تم الحفاظ على الظاهرة العلمية التى تتكرر مرتين كل سنة، وهى تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثانى، توقيت الشروق، داخل غرفة قدس الأقداس بالمعبد.
حين بدأ التفكير فى العمل وأعلنت خطته، شنَّ فريق من الأثريين وأساتذة التاريخ وبعض الشخصيات العامة، حملة ضارية ضد د.ثروت عكاشة وفريق العمل معه والقائمين على المشروع، وأطلقوا على العملية اسم «مجزرة معبد أبوسمبل» واتهموا بأنهم يشوّهون الآثار ويعتدون على التاريخ وو...، ورغم أن يد الدولة كانت قوية حيناً وباطشة حيناً آخر، فإن الحملة على عملية نقل المعبد استمرت وتواصلت، لكن فريق العمل كان مسلحاً بالحاجة العلمية والتصميم على عدم السماح بغرق المعبد، بدأوا عملهم بدأب وبإصرار، ولو أنهم أنصتوا إلى تلك الحملة لغرق المعبد واختفى بالكامل.
وبينما كان العمل يجرى فى نقل المعبد، وقعت كارثة 5 يونيه 1967، وللوهلة الأولى يتصور المرء أن هزيمة عسكرية بهذا الحجم سوف توقف كل شىء، لكن لم يحدث، بل استمر العمل فى إيقاعه وكفاءته التى يجب أن يكون عليها، وكأن الهزيمة فرضت على المصريين تحديات أهمها ليس فقط إعادة بناء القوات المسلحة، بل كذلك سرعة الإنجاز والعمل، فكان أن أتمّ المصريون فى تلك الفترة بناء السد العالى، فى نهاية 1970، وقبلها أنهوا نقل معبد أبوسمبل فى عملية عدتها اليونسكو من أهم أعمال صيانة وحفظ التراث الإنسانى كله؛ حقق المصريون وقتها شعار «يد تبنى ويد تحمل السلاح».
لا أريد أن أسرد تاريخاً ولا أروى حكاية عظيمة ومشوّقة، أود – فقط – أن نتذكر جيداً قدرة المصرى على الإبداع، بل الإعجاز، فى كل وقت، بناء المعبد فى العصر القديم عمل عظيم بكل المقاييس، وكذلك إنقاذه ونقله فى النصف الثانى من القرن العشرين.
المصرى قادر على الإنجاز والإعجاز، إذا استجمع إرادته وانخرط فى العمل الجاد، بهذا المعنى تم حفر قناة السويس فى القرن التاسع عشر ثم تأميمها، فى عملية عبقرية لربط البحرين الأبيض والأحمر، وكذلك ترويض النيل، سواء فى بناء القناطر الخيرية أو تحويل مجرى النيل فى منطقة القاهرة أثناء حكم إسماعيل، ثم بناء خزان أسوان، سنة 1902، وبعده بناء السد العالى، وإنقاذ معبد أبوسمبل الذى نحتفل فى سبتمبر 2018 بمرور نصف قرن على إتمام نقله.. وما تحتاجه مصر هو الإنجاز وذلك باستجماع إرادة العمل وإرادة البناء.
فى سيناء الآن يد تحمل السلاح تردع الخارجين على القانون ويجب أن تكتمل المعادلة ونبنى نحن هنا، وها قد بدأنا، حين أتممنا ازدواج قناة السويس وشرعنا فى استصلاح مليون ونصف مليون فدان وو.... .
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com