ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

قصة الرحلة الأخيرة لليهود بعد طردهم من مصر: «مسافرون بلا رجعة» بحقيبة واحدة و20 دولارًا

المصري اليوم لايت | 2016-02-06 13:36:26

العام 1956، وأجواء الحرب تسيطر على بلاد المحروسة، العدوان الثلاثي انتهى منذ أيام فقط، وحصلت مصر على نصر سياسي رغم ما بدا أنه هزيمة عسكرية، أمام كل من بريطانيا وفرنسا وحليفتهما إسرائيل.

تلك الأخيرة التي مر أقل من عشر سنوات منذ أعلنت نفسها «أرض الميعاد» ووطنًا لليهود، تحديدًا كانت تسعى للتخريب في مصر من الداخل أيضًا، فليس من بعيد سقطت «الوحدة 131» في قبضة السلطات المصرية، فيما عرف بـ«فضيحة لافون»، والتي استهدفت فيها فرقة تابعة للمخابرات الإسرائيلية المصالح الأجنبية والأمريكية خاصة في مصر بغرض ضرب العلاقات المصرية الأمريكية في مقتل.

انقشعت غيوم الحرب، لكن آثارها بقيت في نفوس الكثيرين الذين خلطوا بين الديانة اليهودية والانتماء للفكر الصهيوني، وربما كان منهم من بيده سلطات واسعة، ليتم اتخاذ قرار ربما لم يتكرر مجددًا في التاريخ المصري، كانت البواخر تستعد للرحيل عن ميناء الإسكندرية، تحمل من كانوا قبل ساعات يحملون الجنسية المصرية، أما الآن فهم بلا هوية حقيقية، أما وجهتهم فكانت، حسب محرر مجلة «آخر ساعة»، «إلى بلادهم.. أو إلى أي مكان على الأرض يشاءون».

28 نوفمبر 1956، ينادي بائع المجلات والجرائد على بضاعته وبينها مجلة «آخر ساعة» وعلى صفحاتها صور لرجال ونساء يصعدون على متن باخرة في الإسكندرية، وتحت صورة التقطها خميس عبداللطيف، لشخص ما تحت الحراسة، فيما كتب تحت الصورة: «رحلة بدون رجعة».

كانت الصورة تروي قصة عدد ليس بالقليل من يهود مصر، قرر النظام الناصري أن مصر لم تعد لهم وطنًا. وتحت العنوان الرئيسي، كتبت المجلة عنوانًا فرعيًا: «تبرعات للأعداء.. وتجميد للأموال.. وتخريب اقتصاد»، لتضيف أسفل العنوان الفرعي: «غادر الخطرون ممن لا جنسية لهم ميناء الإسكندرية.. حملتهم باخرة خارج المياه الإقليمية .. إلى بلادهم.. أو إلى أي مكان على الأرض يشاءون.. وكانت التأشيرة المختومة على جواز سفر كل واحد منهم تنص بالخط العريض على أنهم مسافرون في (رحلة بدون رجعة)».

تلك الكلمات ربما تحتاج إلى تفسير، فثمة نقاط قد تبقى غير مفهومة للقارئ في غير سياقها التاريخي، ويوضح  الباحث المصري في الأدب والتاريخ اليهودي، حسين أبوبكر، في مدونته الخاصة، هذا السياق قائلًا: «بعد أزمة السويس فى عام 1956 قرر النظام الناصري التخلص بشكل دائم من جميع المواطنين اليهود، وتم سحب الجنسية من 25 ألف يهودي ممن تبقوا، وقامت السلطات بترحيل ذلك العدد فى غضون يومين بعد أن تم سحب ممتلكاتهم وتزويدهم بوثيقة سفر (خروج بلا عودة). وتم السماح لكل يهودي بحمل حقيبة واحدة ومبلغ عشرين دولارًا».

وأضاف: «تم أيضًا اعتقال الكثير من اليهود فى سجن الطور بسيناء، وتم تعذيب الكثير منهم جسديًا». ولم يطَل الاعتقال والترحيل وسحب الجنسية كل اليهود رغم ذلك، حسب قول الباحث المصري، فقد «تم استبعاد اليهود القرائين من عملية الترحيل والسجن هذه بشكل استثنائي، باعتبارهم أقل إزعاجًا، وأملت الحكومة أن يفهموا وحدهم أن اليهود لم يعد مرغوبًا بهم في مصر. للأسف لم يفهم الكثير من أولئك القرائين تلك الرسالة واستمر معظمهم فى البقاء بمصر حتى عام 1967».

وتبقى ثمة تساؤلات دون إجابات يطرحها التقرير الصغير أسفل الصورة النادرة، من العدد القديم لمجلة «آخر ساعة». فالجملة التفصيلية بدأت بـ«غادر الخطرون ممن لا جنسية لهم»، وكانوا يحملون الجنسية المصرية قبل أن يتم سحبها منهم، كما قال الباحث المصري، أو «أجبروا عند خروجهم من مصر على التنازل عن جنسيتهم»، حسب قول صاحب الفيلم الوثائقي «عن يهود مصر»، أمير رمسيس، لـ«فرانس 24»، فكيف لمن لا جنسية له أن تحمله باخرة إلى بلاده؟ وما هي بلاده؟ وهل كان هذا اعترافًا أقر فيه المحرر خطأً حينها بأن إسرائيل بلد لليهود، أم أن الدولة نفسها تعاملت معهم على هذا النحو؟ كذلك يبقى السؤال عما إذا كانت الباخرة بإمكانها أن تحملهم إلى إسرائيل مباشرة؟ وهل كانت مصر ترسل أبناء بلدها ممن يعتنقون الدين اليهودي، وإن كانوا «خطرين» كما وصفتهم المجلة، إلى عدوها بشكل مباشر؟

وبعيدًا عن تلك التساؤلات، تبقى مسألة خروج اليهود من مصر في ذاتها محل جدل، هل كان النظام الناصري هو المسؤول عن اندثار هذه الطائفة من أرض المحروسة؟

ويوضح المؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق في عدد 23 يوليو لعام 2002 من جريدة «الشرق الأوسط» أن خروج اليهود من مصر «بدأ مع تقدم القوات الألمانية في صحراء مصر الغربية، فقد خشي اليهود من انتصار الألمان في الحرب، وتكرار مذابح النازي في مصر، ففروا إلى جنوب أفريقيا، ومع قيام الثورة كان هناك حرص على عدم الصدام باليهود لكن أول صدام بين اليهود والثورة كان بعد غارة إسرائيل على غزة عام 1955، ثم كانت التصفية الإجبارية بعد عدوان 1956».

وأضاف: «ولا شك أن إسرائيل كسبت من يهود مصر الذين مثلوا إضافة اقتصادية لها».

الدكتور نبيل عبدالحميد، أستاذ التاريخ المعاصر والحديث، كان له وجهة نظر أيضًا في مسألة خروج اليهود من مصر، في حديث مع «الشرق الأوسط» أيضًا، قال فيه: «كل الظروف تضافرت في إخراج اليهود من مصر بعد الثورة، فعبدالناصر كزعيم له مسار وطني شعر أن من واجبه إخراج اليهود، وخاصة بعد فضيحة لافون، بالإضافة إلى أن الفكرة الصهيونية سيطرت على عقول اليهود في مصر، ففي إسرائيل كانوا يروجون لفكرة أرض الميعاد، والاستقرار والوطن القومي، وهذه تيمات عزف عليها الصهاينة».

وأوضح «عبدالحميد» أن «الترحيل الفعلي لباقي اليهود تم بعد عام 1961 بعد صدور قرارات التأميم، فلم يعد لليهود مكان في الحياة الاقتصادية، ففروا بأموالهم وأنفسهم، ولكن ينبغي ألا ننسى أن هناك يهودًا لم ينظروا لديانتهم على أنها جنسية، ولكنها مجرد ديانة وكانوا مصريين حتى النخاع».

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com