سيأتى يوم، يجلس فيه «الإنسان العربى» ليتأمل «ربيعه» الذى طال وتوحشت زهوره الشيطانية دماءً نازفة، وجثثاً متفسخة، وأطرافاً مبتورة، ومدناً مهدمة، وتراثاً مدمراً، وجيوشاً نظامية مكسورة، وميليشيات كافرة مسلحة بأحدث العتاد العسكرى، وثروات غالية منهوبة.. ثم ملايين البشر المستورين وقد تشردوا فى طرقات العالم يتسولون الرحمة، والكساء، والطعام.
خمس سنوات مرت منذ أشعل بائع تونسى متجول النار فى نفسه احتجاجاً على مصادرة «عربة الخضار» وصفعه على وجهه.. وشاءت أيادٍ جهنمية ألا تنطفئ هذه النيران حتى الآن.. فقد حملت رياح السياسة والتآمر ألسنة النيران من تونس إلى مصر ثم إلى سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان والسعودية والبحرين والسودان.. ثم امتدت آثار الحرائق الكارثية لتدمر الماضى والحاضر والمستقبل أيضاً.
لقد مر العالم خلال مسيرته الطويلة من الهمجية إلى التحضر بكوارث رهيبة.. ولكن هذا العالم لم يعرف حتى الآن كارثة أوسع وأعمق أثراً من «الربيع العربى» الذى أزهق أرواح ملايين البشر، واقتلع ملايين آخرين من «أقدم حالة استقرار إنسانى عرفتها الإنسانية» إلى مراكب الموت فى البحار وخيام اللجوء فى الصحارى، ثم تعمق الخراب ليضرب أهم موارد العرب الاقتصادية فى مقتل، حيث أصبح سعر برميل البترول أرخص من برميل «الكوكاكولا» التى ينتجها المركز الرأسمالى المتوحش، فى الوقت ذاته الذى استدار فيه «الوحش التكفيرى» ليقتلع تراث العرب الحضارى من جذوره.. حيث شهدت الشواهد الأثرية الحضارية الضاربة فى عمق التاريخ الإنسانى أخطر عملية تدمير فى العراق وسوريا واليمن، وتناقلت فضائيات الدنيا كلها عبر أقمارها الصناعية مشاهد تحطيم آثار الموصل والرمادى وتكريت ونمرود الآشورية فى العراق، وتدْمُر فى سوريا، وعلى الفور ظهرت فى عواصم أوروبا ومدنها الرئيسية عصابات وصالات متخصصة فى شراء الآثار العربية التى تم تهريبها بواسطة الجيوش الكافرة.. ثم توجيه أموال الآثار لحساب شركات السلاح الأمريكية الإسرائيلية والأوروبية التى تمد الميليشيات بالسلاح.
هل توجد أمة فى العالم -غير أمة العرب- باعت تراثها الحضارى لتشترى بثمنه أسلحة فتاكة تحملها جيوش جوالة كافرة، تغولت قتلاً وسحلاً وحرقاً واغتصاباً وتشريداً لأحفاد الحضارات الشرقية المستقرة الآمنة؟
وهل توجد فى التاريخ الإنسانى كله كارثة استهدفت الماضى والحاضر والمستقبل لشعب من الشعوب.. غير كارثة الربيع العربى التى اقتلعت الحضارة من خريطة المنطقة وهى تقتلع منها «العيش والحرية والكرامة الإنسانية» فى ضربة واحدة؟!
لقد انتفضت «بريطانيا» عندما عرضت صالة مزادات «قلماً» كان يستخدمه «تشرشل» فى توقيع الأوراق الرسمية، للبيع، ولكن المجتمع الغربى المتحضر لم ينتفض حتى الآن لبيع النساء والصبايا العربيات فى أسواق النخاسة، ولم تنتفض «اليونيسكو» لتحطيم آثارنا وبيع معظمها فى عواصم الغرب.. والأخطر من كل هذا أننا هنا لم ننتبه حتى الآن إلى أن «ربيع الكوابيس» هذا، قد التهم نصف الخريطة وغطاها بالدماء والاستغاثات الرهيبة.. وأرغم النصف الآخر على «تمويل» هذه المحرقة من نفطه وموارده واحتياطاته.. فيما تشير كل الشواهد إلى أن زهور الربيع الشيطانى قد أثمرت وانتشرت بذورها فى التربة العربية لتغطيها بغابة كثيفة من الكراهية ومشاعر الانتقام، بين العربى والفارسى، والعربى والكردى، والمسلم والمسيحى، والسنى والشيعى، والدرزى والمارونى، ولا يلوح فى المستقبل القريب أن شلال الكراهية الطائفية والعقائدية والقومية سيتوقف، قبل أن يجرف الخريطة العربية بكاملها إلى ما قبل العصور الوسطى.. فهل نفيق ونغادر حدائق الشيطان وحرائق الكفرة وربيع الميليشيات، قبل فوات الأوان؟!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com