يجلس تحتضن يده اليسرى نظيرتها اليمنى، لا يميزه وجهه الأبيض وجسده الممتلئ عن ملايين من أبناء شعبه، تبدو ملامحه غائصة في أعماق بحور كثيرة كلما عبر أحدها بسلام قابله الآخر، فتارة تجده بين آلاف الأوراق يفحص ويدقق ويستحضر الصغيرة قبل الكبيرة إيذانا بحكم مرتقب يصدره، وتارة أخرى يقف أمام ملايين ممن وضعوا فيه ثقتهم يطمئنهم على سفينة بلادهم التي تبحث عن مرساها، قبل أن أن يضعه القدر أمام مكان ثالث ينتظره ليجلس وسط آخرين يعول عليهم المصريون ليكونوا "عامود خيمة المستقبل".
"المستشار عدلي محمود منصور"، اسم خطف عقول المصريين للمرة الأولى ليلة الثاني من يوليو عام 2013، حينما بات رحيل الرئيس الأسبق محمد مرسي أمرا مؤكدا للصغير قبل الكبير، لتتجه الأنظار إلى ذلك الذي ما لبث أن أدى اليمين رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، ليجد نفسه بين ليلة وضحاها يحتل أرفع مناصب الدولة بدلا من رجلٍ كان يفترض أن يحلف القسم أمامه.
المؤهلات العلمية لصاحب الـ70 عاما ومناصبه القضائية تتحدث عنه، فهو الحاصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1967، ثم دبلوم الدراسات العليا في القانون العام من نفس الجامعة، ثم كلل ذلك دبلوم آخر في الدراسات العليا في العلوم الإدارية عام 1970، قبل أن يتولى 21 منصبا قضائيا خلال 43 عاما، بدءا من تعيينه مندوبا مساعدا بمجلس الدولة في نوفمبر 1970، مرورا بإعارته إلى المملكة العربية السعودية للعمل مستشاراً قانونياً لوزارة التجارة والصناعة في منطقة حائل، وانتهاء بإصدار الرئيس الأسبق حسني مبارك قرارا بتعيين المستشار عدلي منصور نائبا لرئيس المحكمة الدستورية العليا عام 1992، وقت أن كان نائبا لرئيس مجلس الدولة.
"339 يوما"، قضاها المستشار عدلي منصور رئيسا للجمهورية في مرحلة من أخطر ما عانته البلاد خلال تاريخها الحديث، عمليات إرهابية تغزو أرجاء المحروسة لتخلف عشرات الضحايا من الشهداء والمصابين، علاقات متوترة مع دول شقيقة وأوروبية أبت أن تعترف بواقع ارتضاه المصريون، إلا أن أبرز ما ميَّز فترة "منصور" الرئاسية كان حزمة قوانين أصدرها ابتغاء سلامة البلاد، منها قانون التظاهر الذي شهد انقساما كبيرا بين طوائف الشعب المصري عقب صدوره في نوفمبر 2013، وقانوني مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية الذين لم يشهدا توافقا كاملا من القوى السياسية، وقضت المحكمة الدستورية العليا بوجوب حدوث تعديلات عليهما.
وثيقة تسليم السلطة التي جرت بقصر الاتحادية ظهر الثامن من يونيو عام 2014، لم تكن خر ما جمع الرئيس عبدالفتاح السيسي بسابقه، فها هو قرار جمهوري يصدره "السيسي" بمنح المستشار عدلي منصور قلادة النيل تقديرا لدوره في إدارة شؤون البلاد، ثم يأتي تكريمه من قبل "السيسي" بمكتبة الأسكندرية في 24 أبريل 2015 وتسليمه النسخة الأولى من الكتاب الذي صدر كتوثيق لفترة رئاسته لمصر، قبل أن يأتي الاجتماع الأبرز بينهما بقصر الاتحادية منذ يومين، لتنتشر بعده أنباء مؤكدة عن اقتراب المستشار "عدلي منصور" من تعيينه عضوا بمجلس النواب، ليكون على بعد خطوة واحدة من الوقوف على أعلى درجات هرم السلطة التشريعية كما سبق له وأن احتل أرفع مناصب السلطة التنفيذية، وقبلهما مكانات شامخة بالسلطة القضائية.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com