قالت السلطات في جمهورية الشيشان التابعة لروسيا الاتحادية إنها بصدد اتخاذ إجراءات غير مسبوقة للقضاء على ظاهرة خطف الفتيات من أجل إجبراهن على الزواج.
لوسي آش التي أعدت لبي بي سي فلما وثائقيا عن عادة اختطاف الفتيات قصد الزواج –وهي تقليد قديم في المجتمع الشيشاني- تتساءل عن مدى فعالية هذه التدابير:
قبل عامين بينما كنت أتجول بين مواقع الإنترنت، عثرت بالصدفة على لقطات صادمة.
تظهر المشاهد التي التقطت بكاميرا هاتف محمول، فتيات شيشانيات وهن يختطفن من قبل رجال أقوياء البنية، ثم يحشرن في سيارات.
في البداية تبدو هذه اللقطات -المصورة على خلفية من موسيقى رومانسية شعبية- لقطات مضحكة. لكنني سمعت بعد ذلك الأصوات الطبيعية للشريطة وكانت عبارة عن صراخ ودوي طلقات نارية.
كانت هذه اللقطات غير الواضحة تماما مقدمتي إلى هذا التقليد العجيب: اختطاف العرائس.
"لا إسلامي"
قررت السفر إلى الشيشان في محاولة لفهم كيف يبدأ العديد من الزيجات هناك بالاختطاف.
كنت أريد كذلك أن أحقق في الدور الذي يؤديه الملالي المحليين للوساطة بين الأسر بعد عملية الاختطاف.
بعد وصولي، تعرضت زليخان –وهي طالبة في الثانية والعشرين من عمرها- للاختطاف في الشارع عندما كانت عائدة من الكلية، من قبل شخص لاتكاد تعرفه.
وبعد أسبوع من ذلك، ظهرت مرتدية فستان زفاف كبير الياقة، وملامح تعلوها الكآبة، وهي تزف إلى بوغدان، مختطفها.
لقد حضرت معظم أطوار المفاوضات المتوترة بين جدها وبين ممثلي أسرة العريس.
وبدأ يتضح لي شيئا فشيئا أن زليخان لن يكون لها أي كلمة في القضية. كان القرار فيما يتعلق بمستقبلها من اختصاص عصبة من المسنين وملا شاب تبين فيما بعد أنه خطف الفتاة التي تزوج بها فيما بعد.
وعندما سألت السلطات الشيشانية لماذا تتغاضى عن مثل هذه الممارسات، رد علي الناطق الإعلامي باسم الرئيس الشيشاني بالتأكيد على أن اختطاف العرائس شيء من الماضي.
والآن تعلن هذه السلطات أن رجال الدين الذين يتوسطون في مثل هذه الزيجات سيتعرضون للعقاب وربما العزل.
ففي الأسبوع الماضي أعلن الرئيس الشيشاني رمضان قديروف -بعد أن التقى بمفتي الشيشان سلطان ميرزاييف- أن خطف العرائس تصرف لا إسلامي ينبغي "استئصاله من المجتمع."
رادع
تفضل رئيسة مركز كرامة النساء فرض عقوبات أكثر ردعا على المختطفين
في اليوم التالي اجتمع ميرزاييف بـ300 من أعضاء القضاء الشرعي وأئمة المساجد عبر الشيشان، وحذرهم من عواقب خطف العرائس الذي غالبا ما ينتهي بنزاعات دموية ومآسي.
ففي السنة الماضية قضى أربعة أشخاص من بيهم العروس المختطفة في حادث سيارة وقع عندما حاول المختطفون الإفلات من أسرة المختطفة.
وقال مفتي الشيشان إن السلطات ستضرب المختطفين على جيوبهم بفرض مبلغ 1 مليون روبل (أكثر من 33 ألف دولار) يؤدونه لأسرة الفتاة المختطفة.
العقوبة المالية ليست بالجديدة على الرغم من أنها ارتفعت بشكل ملفت من 30 ألف روبل (حوالي ألف دولار)، وهناك من يشك في أن تكون رادعا فعالا.
وقال لي رجل أعمال شيشاني: "المبلغ ضخم بالطبع، ولكنه ليس أمرا ذا بال بالنسبة لفتى ميسور الحال، لن يعجزه هذا إذا كان بالفعل يرغب في الفتاة. أما المعوز فما عليه إلا المشاهدة دون لمس."
ويضيف رجل الأعمال الشيشاني قائلا: "قد يكون الرئيس على صواب. ولكننا شعب الجبال، ونحن فخورون بتقاليدنا وأعرافنا التي نمارسها منذ قرون، ولا يمكنك التخلص منها بين عشية وضحاها."
وتعتقد ليبخان بازاييفا –رئيسة مركز "كرامة النساء" بغروزني أن ظاهرة اختطاف العرائس قد تعاظمت في السنوات الأخيرة بعد حربي استقلال مدمرتين ضد روسيا ساهمتا في تغيير طباع المجتمع إلى مزيد من العنف.
وقد أجرى المركز دراسة كشفت عن أن واحدة من خمس عروسات تعرضت للاختطاف.
قوى متضاربة
وتزور بازاييفا وزملاؤها المدارس لتوعية الفتيان بشأن مخاطر سرقة العرائس، كما أثارت المسألة خلال برامج في التلفزيون المحلي.
"العقوبة المالية الجديدة خطوة إيجابية. وإننا نأمل أن تساعد على التخلص من هذا التقليد المشين، لكنني أخشى أن يستمر بعض الوجهاء في ممارسة هذه العادة على الرغم من ذلك."
"ليس فقط لأنهم يمتلكون المال، هناك عوامل أخرى".
" وأنا أخشى أن يكون بعضٌ ممن لديهم السلاح، أو ممن لهم علاقة بالسلطة، قادرين على الاستمرار في ممارسة هذه العادات دون خوف من العقاب."
وتفضل بازاييفا لو أن السلطات الشيشانية طبقت القانون الروسي الذي يعاقب الاختطاف بالسجن تسع سنوات.
ولا يبدو واضحا إلى أي مدى يتوقع الرئيس قديروف أن تنخرط الهيئات المكلفة بالسهر على القانون في هذه العملية.
فالناس هنا يحاولون جاهدين إقامة بعض توازن بين البنود المتضاربة للقانون الروسي والشريعة الإسلامية والتقاليد.
وعندما تتعرض فتاة للاختطاف، نادرا ما يتوجه أفراد أسرتها إلى الشرطة. إنهم يفضلون اللجوء إلى إمام مسجد القرية.
إن الخيبة المريرة هي مصير كل من يظن أن الحرب الرسمية على ظاهرة اختطاف العرائس تعني مستقبلا مشرقا على صعيد الحقوق المدنية والاجتماعية للنساء.
فمنذ شهر يونيو/ حزيران الماضي انتشر بشوارع غروزني رجال ملثمون يحملون رشاشات طلاء يرشقون بها النساء حاسرات الرأس.
إضافة إلى ذلك ألصقت بأبواب الدور منشورات تأمر النساء بتغطية الرأس وارتداء أزياء محتشمة.
"اليوم رشقناكن بالطلاء. لا تجبرننا على اتخاذ تدابير أكثر إقناعا."
وقال الرئيس قديروف للتلفزيزن الرسمي إنه لا يعرف من المسؤول عن هذه الهجمات، لكنه أضاف: "إذا عثرت عليهم، فسأعبر لهم عن عرفاني.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com