ما هى الخطة؟
سؤال تقليدى عرفته الدولة المصرية منذ نشأة مجلس شورى النواب فى نهايات القرن الثامن عشر وحتى برلمان 2010، كانت السلطة التنفيذية قبل إجراء أى انتخابات تسأل نفسها وتسأل آخرين ما هى الخطة؟ وكان على الأجهزة المعنية وفى مقدمتها أجهزة أمن الدولة بمختلف تخصصاتها أن تقدم تصوراً للسلطة التنفيذية حتى تنجح العملية الانتخابية أولاً، ويتم إجراء الانتخابات فى أمن وسلام ثانياً ثم من يأتى فى هذا البرلمان سؤال يجب أن تجيب عليه هذه الأجهزة بالتوقعات المبنية على استطلاع واقعى أولاً ثم إذا اقتضى الأمر بالتدخل أحياناً.
ما هى خطة برلمان 2010؟
كان معلوماً لجميع نواب الوطنى وقياداته أن جهاز المخابرات وجهاز أمن الدولة اتفقا على أن يأتى برلمان 2010 بعكس تكوين برلمان 2005 بمعنى 150 معارضاً مقابل كتلة الحزب الوطنى ولكن 100 معارض مدنى من أحزاب المعارضة المدنية وعلى رأسها الوفد والباقى إخوان أى عكس برلمان 2005 الذى كانت المعارضة لصالح الإخوان بإجمالى 80 نائباً ثم قرر الرئيس مبارك إلغاء تفويض الدكتور زكريا عزمى فى التنسيق مع الداخلية وتكليف أحمد عز بذلك وتلك قضية لها موضع آخر وقام أحمد عز بتكوين برلمان 100% الحزب الوطنى فيما بقى 15 مرشحاً فقط للمعارضة المدنية.
إذاً ما هى خطة برلمان 2015؟
كان ولا يزال هو السؤال الذى يسأله كل المهتمين بالشأن البرلمانى المصرى ورغم تسرب العديد من المعلومات بل واللقاءات والأماكن والمواعيد التى تم ترتيبها بين عدة أجهزة سيادية ومرشحين للبرلمان ورغم تصريح شفهى لأحد كبار وزراء حكومة محلب لنصيحته بالتحالف مع حزب المصريين الأحرار لمن يرغب فى الفوز حيث إنه الأقوى على الساحة ورغم أن لقاء السيد الرئيس بقادة الأحزاب فقد اعترض كثيرون منهم على لقاء السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بتحالف الأحزاب المعارضة لمحاولة رأب الصدع بين قيادات حزب الوفد باعتباره أقدم أحزاب مصر، ورغم الهلع واللهفة التى أصابت فجأة مرشحين لأحزاب قائمة قبل وبعد يناير بالتحول فجأة لحزب مستقبل وطن باعتبار رئيس الحزب هو الوحيد الذى تم تصويره منفرداً مع السيد الرئيس، فإن رؤساء الأحزاب كلهم اجتمعوا مع الرئيس عدة مرات وجرى تصويرهم معه لكنهم لم يتمكنوا من الإيحاء المتعمد لصورة رئيس حزب مستقبل وطن لعيب فيهم وليس لعيب فيه، إلا أن الخطة كانت واضحة وضوح الشمس لا تحتاج أحداً لقراءة أوراقها تشمل:
1. تحالف ثلاثى بين المصريين الأحرار - مستقبل وطن - الوفد ومن ينضم لهم لاحقاً.
2. تحالف فردى لقائمة «فى حب مصر».
3. تفكيك أى تحالفات أخرى.
4. استكمال الكتلة البرلمانية للأغلبية المطلوبة من المستقلين أو ممثلى الأحزاب بعد إعلان النتيجة.
ما هى النتيجة؟
كان أخطر ما جرى فى انتخابات 2015 بالتعبير العسكرى هو تمهيد مسرح العمليات بالإيحاءات الإعلامية للتحالف الذى تم الاستقرار عليه وإطلاق تعبيرات التنظيمات الحزبية على مجموعة أفراد يشكلون قائمة مكونة من أفراد وهى ليست تنظيماً باستخدام اللجنة العليا للقائمة، ومنسق القائمة، ورئيس لجنة بالقائمة، ورئيس قطاع بالقائمة، وسوف تساند القائمة المرشحين الفردى (الذين جرى وعدهم جميعاً بالنجاح ثم تراجعت القائمة عن تلك الوعود لبعضهم فرسبوا).
وقد كانت عملية تمهيد مسرح العمليات ناجحة نجاحاً مبهراً بتصوير اجتماعات القائمة وأحزابها وأفرادها وكأنها حزب حاكم تجتمع هيئته العليا وتصدر قرارات، وأسفر هذا عن النتائج التالية:
1. تم فى الوقت ذاته تخريب وتدمير كل من يعارض أو يعترض ووصل الحد إلى شيطنة أى صوت منتقد مثلما حدث مع المستشارة الجليلة تهانى الجبالى التى شن عليها الإعلاميون حملة عنيفة وخرج الصديق الوزير المهذب أسامة هيكل يقول لها «عيب يا تهانى»، وهى رمز مقاومة للإخوان ورمز مساندة للنظام فى ثورة يونيو، ثم كان الفريق شفيق ومن ينتسب له أو يتعامل معه أو حتى يسلم عليه عدواً مبيناً عقاباً له على زلة لسان أنه سيشكل كتلة برلمانية -فيما بدا ذلك للمتابعين، حتى وصل الأمر الأسبوع الماضى بأحد المذيعين يحذر الرئيس من «الشفيقيين» باعتبارهم العدو اللدود للنظام، كما يجرى حالياً تشكيل تحالف الكتلة لدعم الدولة المصرية وهل فى المجلس معارضة للدولة المصرية؟ حتى حزب النور مؤيدون السيسى.
2. شراء النواب (المرشحين):
كانت هذه أول مرة يتعامل فيها الشارع السياسى مع المرشحين باعتبارهم لاعبى كرة قدم محترفين يتم تغيير ثمن الدعم المالى المقدم للمرشح حسب وزنه فى سوق الاحتراف، وهذه سابقة يسجلها مجلس 2015 كأول مرة فى التاريخ البرلمانى، وكثير من وسائل الإعلام لم تجر تحقيقاً على ظاهرة انتقال النواب بين الأحزاب وهى أهم من ظاهرة شراء الأصوات.
3. شراء الأصوات:
لم يحدث أن ارتفع ثمن الصوت ولا جرى انتشار الظاهرة فى كافة المواقع بما فيها الصعيد والريف مثلما حدث فى هذه الانتخابات حتى إن دائرة الدقى والعجوزة تم إنفاق 150 مليون جنيه فيها ومثالها فى الإنفاق دائرة بولاق، وهو أمر يؤكد عزوف الناخب المصرى التقليدى، وعودة الدور لسماسرة الانتخابات أشد ما كان من قبل بل استغلت الظاهرة حتى أصبح لهؤلاء فريق عمل مثل مكاتب شراء العقارات.
4. النجوم البرلمانية:
كان من الطبيعى فى غياب معظم نجوم البرلمان السابقين بمن فيها أمثال (حمدى السيد وغيره من رؤساء اللجان) أن تظهر بقوة أسماء بعض الإعلاميين باعتبارهم الأشهر فى البرلمان ثم كل من كان له سابقة شهرة قبل البرلمان كان له نصيب فى هذه النجومية البرلمانية التى من المؤكد قلة عددها نظراً لقلة الخبرات البرلمانية وسط هذا الكم من الوجوه الجديدة وهذه الوجوه هى أحسن نتائج هذا البرلمان ولكن الناس أصبحت تقارن بين أسماء من لم يصبه الدور والحظ فهى فى معظمها ليست لصالح البرلمان الحالى إلا إذا حدث عكس ذلك وظهر من بين الصفوف من يعيد التوازن فى الأداء، وهى أصعب مهمة تنتظر رئيس المجلس المقبل، ولا شك أن قوائم منافسة (مثل: قائمة الجبهة المصرية) لقائمة «حب مصر» كانت تتضمن شخصيات رجال دولة وقانون وإدارة وتخصصات فنية لإدارة اللجان أكثر من قائمة «حب مصر» التى غلب عليها -للأسف الشديد- طابع رجال الأعمال.
5. سيطرة رجال الأعمال على البرلمان (ساويرس - عز):
إذا قارن أحدنا بين مقولة المهندس نجيب ساويرس فى حديثه لجريدة «الشروق» عن م. أحمد عز، أمين تنظيم الوطنى، أنه ((لبس البلد فى الحيط)) فقد يقول بعضهم لساويرس أنت ستغرق البلد بجوار جزيرة المهاجرين التى ستشتريها للسوريين، ولعل من مصلحة الجميع أن يكون للأجهزة دور مهم فى الحد من مصالح رجال الأعمال فى المجلس وتشريعاته بهدف منع الاحتكار والحد من المجاملة، وليس بهدف وقف الاستثمار، لكن الغريب أن الفلاحين لا يتجاوزون 28 فلاحاً مقابل 150 رجل أعمال، فهل فريق مجموعة الخمسين سعيد بهذا الغياب للعمال والفلاحين فى تشكيل المجلس؟ وأقول صراحة إن مصطفى بكرى وأسامة هيكل وسامح سيف اليزل يفضل قيادتهم للمجلس عن قيادة رجال الأعمال الذين يستغلون سطوتهم على المجلس ضد رجال الأعمال الآخرين بل وضد الدولة.
6. إدارة البرلمان:
هذا هو المأزق وهذا هو سر الفشل وسر النجاح، أياً ما كانت توليفة البرلمان فقد أصبح لدينا برلمان ويجب أن تكون له إدارة وحيث الظرف غريب وفريد فى التاريخ البرلمانى، فقد يكون هذا هو سر التأييد لتشكيل كتلة دعم الدولة وليس ضد أحد، وإنما لإدارة هذا الكيان الضخم الذى تغلب عليه قلة الخبرة البرلمانية وضعف السيطرة الحزبية، فأنت تحتاج رئيساً ووكلاء للمجلس واللجان، ولا يملك بين خبراتهم من يكفى لذلك وينظر الكثيرون لقرار التعيين لتغطية العجز، ولكنه محدود بقدر عدد الـ28 مرشحاً فقط.
7. أخيراً أصبح لدينا برلمان:
على المصريين كلهم أن يقروا أنه تم استكمال البرلمان والاستحقاق الثالث وهو إنجاز يحسب للرئيس السيسى، وهو رد من الشعب على المشككين فى نظامه أنه انقلاب يونيو، ولأنه تعبير شعبى وسياسى عن نجاح ثورة يونيو رغم غياب كثير من شخوصها ورموزها عن البرلمان، إلا أن البرلمان أصبح حقيقة ودوره فى التعبير عن مطالب الجماهير سيصبح لزاماً فى مواجهة فترة هى «زمن الحروب الداخلية والخارجية معاً».
8. هل يبقى البرلمان؟
إن أحاديث كثيرة أثارت اللغط حول خطة تفريغ وتقزيم الأحزاب قبل الانتخابات، والآن يشعر البعض أن خطة تفريغ البرلمان فى الطريق وللأسف نسب كبيرة من التشويش على البرلمان بسبب التصرفات التى ظهرت من بعض النواب بالفعل، لكن الأمل فى رعاية الرئيس لاستقلالية البرلمان وحماية الرأى فيه ولو كان معارضاً فهذا البرلمان هو إنجاز سياسى يحسب للسيسى ويؤكد التفاف الشعب حوله وإذا فشل فبسبب تصرفات البعض منهم وليس بسبب البرلمانيين المحترفين، لكن الأمل فى الرئيس وقيادة الدفة بحكمة.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com