أنتمى بحكم السن والنشأة والعلاقة إلى الحزب الوطنى (الأصلى) إلى أولئك الخياليين – كما يقال - الذين كانوا يعتقدون أن مصر والسودان بلد واحد وأن مصر للسودان... والسودان لمصر «كما كنا نتغنى فى سالف العصر والأوان».
الآن اختلف الوضع وأصبحت إشاعة هنا أو إشاعة هناك أو حتى خطأ عابر أو حتى مقصود، هنا أو هناك يحدث أزمة بين البلدين أو بالأقل يعكر صفو العلاقات بينهما.
لو أن الأمر بيد شعب مصر والسودان لاختلفت النتائج اختلافاً كلياً ولكن الأمر للأسف ليس بيد الشعبين الشقيقين.
أى نظرة موضوعية وعلمية تستند إلى حقائق الجغرافيا تقول إن البلدين يرتبطان رباطاً أبدياً عن طريق النيل وأن التكامل الاقتصادى والبشرى بين البلدين من الممكن لو أحسنت إدارته أن يحول كلاً من البلدين إلى عملاق اقتصادى أو بالأقل إلى بلدين يكتفى كل منهما أو هما معاً بالناتج القومى لبلدهما أو لبلديهما.
ولو أن الحكام أخذوا أمور البلدين ومصالح شعبهما «الواحد» ولا أقول شعبيهما وفاءً لما أؤمن به منذ أن كنت شاباً يافعاً، لو أن ذلك حدث لكانت الصورة الآن مختلفة تماماً.
تكلمنا كثيراً عن اتفاق الحريات «التنقل، والتملك وما إلى ذلك» ولكن الواقع يقول إنه لا شىء من ذلك قد تم تنفيذه على أرض الواقع.
وإن إجراء الانتخابات المصرية فى مثلث «حلايب وشلاتين» وانتخاب نائب فى البرلمان المصرى عن هذه الدائرة، هذا الحادث أثار اعتراضاً سودانياً.
و قد أسعدنى أن أقرأ لأحد الإخوة السودانيين منتقداً الضجة التى حدثت بهذه المناسبة قائلاً «وإيه يعنى قطعة أرض (يقصد حلايب وشلاتين) بالنسبة لمستقبل الشعبين فى مصر والسودان».
بل الأدهى والأمر من ذلك كله أن موقف السودان فى موضوع سدّ النهضة متأرجح وغير واضح، مع أن الموضوع بالنسبة للبلدين يعتبر موضوع حياة أو موت.
ويبدو أن أحد المواطنين السودانيين – من بين عدة ملايين من الإخوة السودانيين الذين يعيشون ويعملون فى مصر – حدث أن وقع عليه تعذيب فى أحد أقسام الشرطة وقد أثار هذا الحادث استنفاراً عارماً فى الصحافة السودانية إلى حد الدعوة إلى تنظيم مظاهرة ضخمة تذهب إلى مقر السفارة المصرية فى الخرطوم احتجاجاً على ما حدث. الأمر الذى يدعو إلى الأسف من غير شك والذى يحدث مثله كثيرا بالنسبة لمواطنين مصريين. وقد اعترف بذلك اللواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية وأعلن أن كل مخطئ سينال جزاءه، وأن الوزارة لا ترضى عن ذلك وستحاول أن تقنع العاملين فى جهاز الأمن بكل فروعه أن مهمتهم هى حماية القانون وليس تعذيب المواطنين. إن تعذيب أى مواطن مصرى أو سودانى أو غير ذلك مهما كانت جنسيته هى فى كل الأحوال جريمة يجب أن لا تقع.
وأعود فأقول إن العلاقة بين الشعب فى وادى النيل شماله وجنوبه – مصر والسودان – هى علاقة أبدية من قديم الأزل وهى علاقة يجب أن نحافظ عليها وأن نرعاها.
و هنا أتساءل لماذا يأخذ السودان الشقيق هذا الموقف؟
هل لأن فى ذلك مصلحة للسودان؟
أشك فى ذلك كثيراً بل أكاد أجزم أن ذلك ليس فى مصلحة أىّ من البلدين لا السودان ولا مصر.
ويبدو أن العدوين الأساسيين للأمة العربية بعامة ولمصر والسودان بخاصة -إذا توحدا أو على الأقل تقاربا - هما إسرائيل وقوى الإرهاب المنظم الذى يتمسح بالإسلام والذى يكاد يسيطر على القرار فى أحد البلدين ومازال يسعى إلى إثارة العديد من المشاكل فى البلد الآخر.
يبدو أن إسرائيل من ناحية – ولها فى جنوب السودان تأثير كبير وجالية ضخمة – والتنظيم الدولى للإخوان المسلمين يحرص الحرص كله على تخريب العلاقة بين البلدين الشقيقين ومن ورائهما إمبراطورية الشر – الولايات المتحدة الأمريكية – التى تدبّر وتخطط لتمزيق الوطن العربى أكثر مما هو ممزق، حتى تظل إسرائيل هى المسيطرة دائماً على كل مقدرات المنطقة.
ولكن ذلك لن يحدث ولعل الاجتماع الرابع عشر لمؤسسة الفكر العربى وما صدر عنها من دراسات تعيد لنا الأمل.
لن تموت الأمة العربية.
ولن يفلح أحد فى زرع العداوة بين مصر والسودان.
وسنظل نقول مصر للسودان والسودان لمصر.
والله المستعان.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com