أسعدني كثيرا ذلك الاتصال الهاتفي من الصديق الأستاذ مهدي الحسيني الذي يبلغني به أنه يعمل علي إعادة إصدار ونشر طبعة جديدة من كتاب «الفلاحون» الذي أصدره «الأب هنري عيروط» عام 1938 .
فهذا الكتاب - كما اعتقد - ليس فقط من أول وأهم الدراسات من الفلاحين والزراعة المصرية، بل من أهم الكتب التي غاصت - بكل العمق والواقعية - في المجتمع المصري بأسره، في ذلك التاريخ المتقدم، لما يلي:
أولاً - وطنية البحث
فهنري عيروط ذلك الكاهن السوري الأصل المصري المولد والنشأة، يؤكد به تلك القيمة السامية - التي يتمسك بها اليوم وبكل الصدق البابا شنوده بأن «الوطن ليس حيزا جغرافيا تعيش فيه، بل قيمة وجدانية أصيلة تعيش فينا».
ثانيا - جدية البحث
فهذه الدراسة التي استغرقت من الباحث عدة سنوات لم تكن مجرد كلام مرسل، بل رصد واقعي لأحوال الفلاحين المصريين وبمختلف وسائل البحث: الاتصال المباشر، المناقشات والحوارات، المستندات والمعلومات الموثقة.
ثالثا - عملية البحث
بتأكيده علي أن الأرض وجميع الامكانات المادية للزراعة لا تكفي وحدها لدراسة المشكلة الزراعية في مصر ، بل يجب أن يكون الفلاح - كإنسان- هو الموضوع الرئيسي.
رابعاً - شجاعة وثورية البحث
فعندما تكون محصلة البحث أن «الدولة مسئولة عن بؤس الفلاح لأنها وحدها تستطيع علاج حالته، ولكن الحكومة والبرلمان يتشكلان من كبار الملاك ومن ثم يجب تغييرهم». وحتي ندرك مدي هذه الشجاعة والثورية، لابد أن نذكر مرة أخري بأن الكتاب كان عام 1938، في ظل أعتي تسلط من كبار ملاك الأراضي وهيمنتهم - كأحزاب أقليات - علي مقاليد السلطة والأوضاع السياسية الحاكمة.
المؤلم أنه بعد ما يقرب من 75 عاما علي هذه الدراسة فإن السادة/ حكام مصر الحاليين يؤكدون أنهم سيصلحون حال الفلاحين بتوزيع عدة آلاف من الجنيهات علي ما يسمونها القري الأكثر فقرا .. هل يحتاج الأمر إلي تعليق؟!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com