ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

المرأة وخلط الدين بالسياسة

فاطمة ناعوت | 2015-12-10 13:55:46

تقول الإحصاءاتُ إن أكثر من ٤٠٪ من نساء مصر معيلات، أي يَعُلن أُسرَهنّ وينفقن من كدّ سواعدهن على بيوتهن وأولادهن.

وبالطبع على أزواجهن الكسالى الذين يقضون نهارهم السعيد مترهّلين فوق كراسى المقاهى يلعبون الطاولة والدومينو ويدخون السجائر والأراجيل بعرق زوجاتهم المنهكات فى المصانع والحقول أو تنظيف البيوت ودورات المياه، فإذا حطّ المساءُ غلالتَه، انبطحوا فوق أرائك بيوتهم أمام شاشات التليفزيون أو غرف الدردشة فى الهواتف والحواسيب، فى انتظار ما ستجلبه الزوجة من طعام وملابس.

وبعدما يلتهم الرجلُ صحنَ اللحم الذى كدّت الزوجة لتدفع فاتورته، ألقهما الزوجُ ما لذّ وطاب من آيات التعنيف والقهر والإذلال، وربما الضرب المبرح، أو المعاشرة الزوجية القسرية دون رضاها، فتستكين فى حزنها الذى ينحر فيها شيئًا فشيئًا حتى تذوى وتذبل وتموت كمدًا.

فإن سألتها لماذا تستسلمين لهذه المتناقضة العجيبة؟ أجابتك بأقوال دينية وأحاديث شريفة تحضُّ على طاعة المرأة لزوجها، وأنها إن أُمرت بالسجود لغير الله لسجدت لزوجها، وأنها إن رفضت معاشرته يومًا، باتت الملائكةُ تلعنها حتى تُصبح وغيرها من أقوال تنتصر لحقوق الرجل وطاعته دون أن تدرك المرأة أنها طاعةٌ مشروطة وغير مطلقة ولا مجانية.

وهي أبدًا لا تتذكر، سهوًا أو جهلا، أو ربما عمدًا، أقوالا أخرى تنصفها على الرجل من قبيل: "بما أنفقوا"، بينما هى التى تتولى أمر الإنفاق لا الرجل، مثلما تنسى "رفقًا بالقوارير"، فلا تنتبه أن العنف الذى تلاقيه كل ليلة على يد زوجها يناقضُ نصيحة الرسول، التي ترقى إلى درجة الأمر المباشر، للرجال بالرفق بالنساء والترفق معهن. إنها الجاهزية النقلية والانتقائية فى اختيار ما يبرر أخطاءنا، وهو عين ما يفعله المتطرف الدينى، من أى مِلّة وعقيدة وديانة، حين يختار من القرآن أو الإنجيل أو الأحاديث، ما يبرر ظلمه للآخر، أو صمته على ظلم الآخر له. آلية الاقتصاص من الأقوال المقدسة على نهج: “لا تقربوا الصلاة"، وننسى عامدين شطر الآية الآخر: “وأنتم سُكارى". ننتخبُ من كتبنا المقدسة مقتطفات مبتورة السياق، معتمدين على جهل الآخرين الذي سيمّرر حيلتنا الساذجة والرخيصة، دون فحص أو تمحيص.

الطريف فى الأمر أن المرأة بعد كل هذا، تشكو من ضياع حقوقها على يد أشاوس العنصرية الرجعيين بدعوى أنهم هم الذين جعلوا من المرأة كائنًا ناقصَ الأهلية فاقد الإرادة، رغم أنها، عند الله، كاملةُ التكليف والمحاسبة مثلها مثل الرجل. وليس فى السماء وحسب، كذلك على الأرض!

لكن شكواها تظلُّ فى خانة التذمّر المُعلَن حينًا، والصموت أحيانًا. لأن ظلمها وقهرها تحول مع الوقت إلى ما يشبه حال “الاستمتاع” بأن تبيت ليلتك مظلومًا ولا تبيت ظالمًا، وننسى أن ثمة حالاً ثالثًا أجمل، هو ألا نبيت مظلومين ولا ظالمين. هو أمر يشبه "متلازمة استوكهولم" حيث يتواطأ السجيُن مع السجان، ويحبُّ المظلومُ الظالمَ، مبارِكًا ظلمَه مُستعذِبًا هدرَ حقه وقائلا: “هل من مزيد؟"

وحين يحينُ الحينُ لضبط الميزان المعوّج، ونحاول أن ننتصر لحق امرأة نُصدَم بأن أول مَن يحاربنا هو تلك المرأة ذاتها. ثمة أغاليطُ غُرِست فى عقول بعض النساء تقول إن فى انتقاص حقوقها مغانمَ وفوائدَ وجمالا، بالتأكيد لا يراه سواها، والرجلُ المأزوم الغاشم!

كم امرأة ترشّحت لبرلمان ٢٠٠٥، و٢٠١٠، و٢٠١٣، ثم ٢٠١٥؟ فى مقابل كم رجلا؟ لماذا العدد غير مبشّر؟ لأنها تعرف أن قليلين جدًّا سوف يثقون بها ويمنحونها أصواتهم. وربما هى نفسها لو انتقلت من خانة المرشَّح إلى خانة الناخب لأحجمت عن منح صوتها لامرأة مثلها!!

واليوم، ومصر تتأهب للنهوض، والمصريون يرسمون لوحة بانورامية مجتمعية مثقفة تكلل ثورتين عظيمتين دفعنا فيهما دمًا وخسائرَ وشهورًا وأعوامًا. أقول إن ترشّحَ امرأة للبرلمان يكافى تسجيل هدف ناجز فى مرمى التحضر. أما النتيجة، فلا يُعوَّل عليها لأنها ليست هدفًا في ذاتها، بل المشاركة هى الهدف. فترشّحها يعنى أنها خرجت من شرنقة النظرة الدونية إلى نفسها، أما النتيجة فشِطرٌ كبيرٌ منها يشير إلى وعى شعب يرى فى المرأة كائنًا كامل الأهلية، أو كائنًا تابعًا غير ذى أهلية.

ليس من المعقول أو المقبول أن يكون مُنتهى آمال المرأة فى وطنها هو أن تكون وزيرة خدمية، فى حين بوسعها أن تكون صانعة قرار سيادى، جنبًا إلى جنب جوار الرجل. لأن المجتمع الذى لا يختار لصناعة القرار إلا الرجل، هو مجتمعٌ أعرجُ يقفزُ على ساق واحدة. مجتمع مازال يحبو على مدارك الديمقراطية الأولى ويتهجى ألف باءها بتعثر.
نقلا عن مبتدا

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com