لا تقل سنبدأ العمل فى شرق التفريعة ببورسعيد، بل قُل بدأ العمل هناك لتحقيق خطوة جديدة فى طريق طويل تأخر سيرنا عليه سنوات، هكذا يمكنك وصف المشهد فى تلك البقعة الطيبة التى لا تعرف أسماء من منحوها دماءهم دفاعاً وذوداً عنها على مدار التاريخ، أو مشاركة فى حفر قناتنا المارة عليها، هى فقط تعرف قيمة ما تعنيه كلمة «بورسعيد»، هذا ما شعرت به ونحن نسير فى اتجاه الموقع الذى تم تحديده ليشهد إعلان الرئيس السيسى بدء العمل فى المرحلة الأولى من مراحل تنمية منطقة قناة السويس، مستدعية للذاكرة قانون 83 لسنة 2004 الحامل لاسم «تطوير محور قناة السويس» الذى صدق عليه مجلس الشعب حينها ولم ينفذ منه -لغياب الإرادة والضمير- سوى ميناء العين السخنة عام 2004، وحين هلَّ علينا حكم التتار من «الإخوان» أخرجوه ليعدلوا فيه كلمة محور بكلمة إقليم ليفصلوا سيناء بقوانينهم عن مصر وفقاً لما خططوا له مع صهاينة العالم، وأدركت أن شرف البناء لا يناله سوى المخلصين.
دعونى أحكى لكم أجزاء الصورة هناك.. أول من ترى الجنود والضباط من شرطة وجيش على طول الطريق تتابعنا عيونهم بابتسامات نردها بالتلويح لهم تعبيراً عن شكر لم نتمكن من إيصاله، فتبتهج وجوههم مدركين المعنى فى زمن يواجهون فيه الموت ليمنحونا الحياة.
نصل للمكان الموعود فألتقى وجوهاً سبق لقاؤهم يوم بدء حفر التفريعة الجديدة من قناة السويس فى أغسطس 2014، إنهم أصحاب شركات المقاولات من المدنيين المنتمين لسيناء والصعيد والدلتا ممن ينفذون المشاريع، يضحك أحدهم وهو يمنحنى السلام قائلاً: «التقينا من عام وسنلتقى ونحن نسلم هذا المشروع الجديد بإذن الله». أبتسم وأنا أؤمّن على كلامه متعجبة من هؤلاء السُذج الذين لا يرون من تلك المشاريع إلا أن الجيش استحوذ عليها، بينما الحقيقة أنه فقط راعٍ لها ولتنفيذها، حرصاً على انضباط المواعيد والكفاءة، بينما كل الشركات الحاضرة من كل صوب فى مصر تحمل سمة «مدنية».
يستوقفنى أحد الضباط ليتحدث بحزن ممزوج بغضب مكتوم قائلاً: «اكتبى عن المقدم محمد هارون، عرفى الناس أنه تزوج قبل استشهاده بشهر، وحينما لقى وجه ربه وجدوا فى جيب أفروله وصية ذكر فيها أنه مدين للأستورجى الذى سلم له حجرة نومه بمبلغ 1000 جنيه هى الباقية من القسط، وأن عليه قسطاً شهرياً لسيارته بقيمة 1500 جنيه يعلم المجند العامل معه أين يتم دفعها. حتى مكافأته طلب التبرع بنصفها لوجه الله خوفاً من وجود ديون أخرى عليه قد لا يتذكرها. عرفيهم أننا لا نحصل على عشرات الآلاف كما يقولون بل نعيش مثلهم وربما أقل، ولكننا نتحمل الغياب عن البيت واللمة والدفا لنمنح بلادنا الأمان ونحن لا نعلم متى وكيف ستكون العودة؟». يتركنى وصورة المقدم محمد هارون تملأ المشاهد حولى لأتساءل: «كم من محمد هارون دفعوا حياتهم لنعيش تلك اللحظة؟». ألتفت لجوارى فأرى وجوهاً أدمنت تجارة التغييب تحت اسم الإعلام، فأكلت على جثمان الوطن بدعوى كل كذب لا يعنيها إلا ما تجنيه من إعلانات، تعف نفسى عن مقارنتهم بمحمد هارون فأين هم منه؟
أنتبه لكلمات اللواء كامل وزير، المسئول عن تنفيذ المشروعات، أشفق عليه من عبء المهام، أضحك والرئيس يستوقفه متسائلاً: «إمتى كل ده يا سيادة اللوا؟» يحاول اللواء كامل توضيح أسباب تنفيذ المشروع فى ثلاث سنوات مستنداً على الدراسات والقياسات والتربة، يضحك الرئيس قائلاً له: «اسمح لك بسنتين يا كامل». أبتسم متمتمة: «سلمت بصيرة من يدرك أن الوقت ليس فى صالحنا».
أركز مع الرئيس فى كلمته، يبدو أكثر حسماً مكافحاً تكاثر الهموم على وجهه، فيحاول إخفاءها بعبارات لا تحتمل اللبس فيطالبنا بتحدى أنفسنا والتحديات ملخصاً إياها فى ثلاث: إرهاب لا يرحم فى الداخل والخارج، واقتصاد لا يملك السعة، وفساد يطال الحياة حولنا. يطالب رجال الأعمال بالاصطفاف ورجال الأمن باحترام القانون. يتحدث عن مشروعات أخرى جار العمل بها فى صمت لتحيا بلادى.
ينضم للمشهد أصحاب الغد حينما ينادى عليهم الرئيس ليشاركوه اللحظة فيمسك بيدهم، بينما نسور الجيش المصرى تحميهم فى سماء العرض. أردد فى نفسى: يا رب احمِ وسلم وبارك... نعم أؤمن ببلادى وأصدق حلمها.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com