ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

مصر ما بعد البرلمان.. تحالف أم تواطؤ.. أم تباطؤ؟

رفعت السعيد | 2015-11-30 10:08:46
لن أضيّع وقتاً، كما اعتدت، بالرجوع إلى القواميس لبحث الفارق بين الكلمات الثلاث، وسأكتفى بتعريفى أنا لما أردت.
 
فالتحالف اتفاق بين أطراف مختلفة على ما يهدف للخير، والتواطؤ.. على ما يهدف لما هو شر، والتباطؤ هو أن تشاهد خميرة الغضب الشعبى ولا تراها، متوهماً أن تناسيها أو تجاهلها سوف ينهيها، وبعد ذلك نبدأ فنقول: لا يختلف عاقل على أن الانتخابات شابها خلل ما، والأمثلة بغير حصر، فالقوائم المغلقة المطلقة كانت الحل الأسوأ وبلا أى علاقة بالديمقراطية، هذا فضلاً عن تعنت قال القضاء إنه مقصود لحساب قائمة زعمت احتضانها للرئيس أو احتضانه لها، وحكم بتغريم اللجنة العليا للانتخابات لهذا السبب؟ فهل التفت أحد لهذا الأمر وكيف يمر مرور غير الكرام؟ والحديث عن المال السياسى يصم آذان من لا يسد أذنيه عن عمد، والصحف تمتلئ بالمعلومات والأرقام، لكن لجنة الانتخابات تطوع أمينها بإعلان أنها لم ترصد أى حالة تجاوز للإنفاق وأنا أعتذر لأننى لا أصدقه، وبأدب جم رد أحد الوزراء فى مقال مفعم بالأسى إنه شاهد بنفسه إنفاقاً وصل إلى 30 مليوناً لمرشح لم يدخل الإعادة، وأؤكد أننى أصدقه، فهو يستحق عبر ممارساته دوماً التصديق.
 
خلاصة الأمر، أريد أن أقرر أن المسئولين عن الانتخابات لجنة عليا أو انتقالية (وقد سبق أن سميتها معتذراً بالانتقامية) قد تواطأتا على تعليق لافتة على باب البرلمان تقول: ممنوع دخول الفقراء. والفقراء ليسوا فقط 45% من السكان، بل يضاف إليهم 20% من أبناء الطبقة الوسطى التى لا تملك ترف الترشح. ورغم كل الحسابات المستحيلة فأنا لم أجد مبرراً عاقلاً أو بلا عقل يجعل رسم الترشح للبرلمان 3000 جنيه، فى حين أن الترشح لرئاسة الجمهورية ببلاش، ولا لماذا يكون الكشف الطبى بثلاثة آلاف ولا يكون على نفقة الدولة، ولا لماذا تكون المؤامرة السخيفة لفرض كشف طبى آخر؟! ثم قرار المحافظين برسوم نظافة لآثار الانتخابات، وعلى أى حال، وبرغم كل ذلك، وأكثر منه، فإن تحقيق حلم البرلمان كختام لمرحلة كان وأصبح أملاً يستحق الاحتفاء به لأن ما يهمنا هو وجود كيان تشريعى يفقأ عين الخصوم ويكتسب رضاء الأصدقاء، وهنا نأتى إلى ما يجب أن يكون.
 
تحالف أم تواطؤ أم تباطؤ؟ وابتداء فأنا لا أريد أن أنثر غباراً على أحد من الآتين إلى ساحة التشريع حتى الذين استفادوا أو حتى دبّروا استبعاد الفقراء أو حتى هذا الصعيدى الطيب الذى أعطوه كارنيه العضوية وحقيبة فيها الدستور ولائحة المجلس القديمة ولاب توب ففتش ثم صاح «أمّال فين الحصانة» (وهذه والله العظيم رواية من صديق أصدّقه سمعها بنفسه من النائب). وأخشى أن يتصور المشرعون الجدد أن مهمتهم إلى جانب المساندة السياسية للرئيس (وهو يستحق المساندة)، هى فرض إرادة اقتصادية واجتماعية غير مواتية فيواصلون إشاعة وهم التشغيل كمخرج والتساقط كحلم، والتشغيل ليس اختراعاً بل هو قديم. وفى حوار مع بروفيسور اقتصاد فى زيارة جامعية لمدريد قال: لقد فعلها هتلر وبنى الأوتوبان، وهو طريق يشق قلب ألمانيا إلى دول أوروبا الوسطى ومعه شبكة طرق أخرى ومنح العاطلين عملاً ثم حشدهم فى جيش عبر به هذه الطرق فى غزوات نعرفها، وقال: هذا هاجس قديم، فرأسماليو اليوم يفضلون أن يبقى العاطلون كما هم يعيشون على لقيمات خبز من معاش البطالة، أما فرص العمل فتعطى للمهاجرين الأرخص أجراً، أما التساقط وهو حلم أن تهطل أمطار التبرعات من المليارديرات لأبحاث طبية أو خدمات صحية أو تعليمية أو غيرها فهذا حلم لا ولن يتحقق مع رأسمالية شعارها «البحر يحب الزيادة»، ومهما فعل الرئيس محاولاً إحراجهم بسيدة تبرعت «بغويشة» هى كل تحويشة العمر، فإن جلودهم سميكة وقلوبهم غائبة..
 
وما أبقت لك الأيام عذراً.. وبالأيام يتعظ اللبيب.
 
وبدلاً من أن تهطل إنعامات المليارديرات عبر تساقط مجتمعى، تتساقط تحذيرات بأن مجرد المناقشة فى هذا الأمر تؤدى إلى تطفيش الاستثمار، ولسنا أبداً نريد تطفيش الاستثمارات، فلتأت من الداخل والخارج ولكن بالعقل وبالحذر من إشعال غضب الفقراء، والسيد الرئيس انهمك فى مناقشة برنامج الحكومة ليعرض على المجلس الموقر، وأنا أخاف من إبداعات وخرافات ما يروج له بعض الوزراء فهم، لا علاقة لهم بالسياسة ولا بالإحساس بمشاعر الجماهير ويتحدثون مثلاً عن مشروع لاستيراد لحوم توزع على الجزارين ليباع الكيلو بخمسين جنيهاً، ويخرج باشا فى ثياب جزار يقول لن نحقق ربحاً ولكن علشان خاطرهم يجرب.. يقولها متوعداً، وينسى الوزراء الأشاوس أن فقراء مصر لن يذوقوا اللحم حتى لو وصل ثمنه إلى أقل من ذلك بكثير، ثم يخترعون قصة لوجبة بثلاثين جنيهاً فى اليوم أى 900 جنيه فى الشهر، فإذا أضيف إليها خبز وشوية مكملات تبلغ ألفاً، فكم مصرياً سيستفيد منها؟ هم ليسوا سياسيين ولا يعرفون التعامل السياسى مع مجتمع فقير، ونتذكر بيت شعر يقول: «يسوسون الأمورَ بغير عقلٍ..فينفُذُ أمرُهم، ويقالُ: ساسَة». وما نريد قوله للجميع إننا لا نريد أن ننتظر حتى ينفجر الفقراء جوعاً فتكون كارثة، ولا نريد تطفيش المستثمرين مصريين وأجانب، وإنما نريد مرحلة انتقالية تجنب مصر مخاطر ثورة جياع ومخاطر فرار الاستثمارات. واقتراحى، والذى أعرف مسبقاً أنه قد يرفضه باشوات المستثمرين، بل وقد يرفضه كثيرون من ذوى القربى من اليساريين، إلا أن إحساسى الوطنى وخوفى على مصير الوطن وعلى موقف الشعب العظيم الذى خاض ثورتين عظيمتين ثم يجد وضعه أسوأ مما كان فيقول لنفسه: أنا لا أذود الطير عن شجر .. قد بلوت المر من ثمره يدفعنى ذلك كله إلى اقتراح مؤقت ألخصه فيما يلى: لتكن الدورة البرلمانية مرحلة انتقال تأخذ من الأغنياء قليلاً مما يربحون وتعطى للفقراء قليلاً مما يستحقون.. والشرط الحتمى لكى يتقبل الفقراء هذا القليل هو أن يجدوا يد الدولة تأخذ من الأغنياء فى حالة من التراضى المجتمعى المؤقت. سوف يتململ الأغنياء، فليكن. وسوف لا يشبع الفقراء بما يستحقون، ولكن هذا ما فرضته علينا سياسات خرقاء تواصلت واستمرت ولم تزل، فلنحتمل معاً كى ننفذ بمصر من عنق زجاجة صعب وخطير، ولنحب مصر أكثر كى تكتمل قدرتنا على هذا القبول المؤقت، على الأقل حتى نتخلص من بعض ما يحيط بنا من مؤامرات خارجية شمالاً وشرقاً وغرباً وجنوباً ومؤامرات داخلية نعرفها جميعاً.
 
نقلا عن الوطن
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com