ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

حتى لا يغرق أمننا القومى بمستنقعات «جوبا»أمس

جمال الدين طه | 2015-11-30 09:51:48
متمردو جنوب السودان حاربوا الحكومة عشرين عاماً، بتحريض الجمعيات الدينية الأمريكية، والإرساليات الأوروبية، بوش وضع الجنوب فى قمة اهتماماته، مستهدفاً فصله، بحجة تشدد البشير فى تطبيق الشريعة، على إقليم أغلبه من الوثنيين والمسيحيين، وسماحه للصين بالاستثمار فى نفطه، ودعمه للإرهاب، رغم تسليم البشير للإرهابى كارلوس «1994»، وطرد بن لادن «1996»، فإن الخارجية الأمريكية كلفت شركة «دين كورب» بدعم متمردى الجنوب فى مفاوضاتهم مع الشمال «2001»، ثم تدريبهم وتحويلهم لقوة عسكرية محترفة، وبعد اتفاق السلام بنيفاشا 2005 زودتهم بـ300 مليون دولار دعماً عسكرياً، أمريكا دفعت مجلس الأمن لتكليف الجنائية الدولية بالتحقيق فى الإبادة الجماعية بدارفور «2005»، المحكمة اتهمت البشير بالتورط «2008»، أصدرت مذكرة باعتقاله «2009»، وأضافت اتهامات جديدة قبل الاستفتاء، لتثمر الضغوط عن فصل الجنوب رسمياً «يوليو 2011».
 
الجنوب يواجه تحديات خطيرة، بمقتضى اتفاق السلام عُيِّن جون جارانج زعيم حركة التحرير رئيساً لحكومة جوبا، ونائباً أول لرئيس الجمهورية، بعد ثلاثة أسابيع من أدائه للقسم قُتل فى حادث تحطم المروحية التى استقلها عائداً من أوغندا، الخبير الروسى رودولف تيمورازوف الذى أشرف على التحقيقات نفى وجود سبب فنى لسقوطها، والرئيس موسفينى ألمح لتعرضها للتخريب، ما أغضب الخرطوم، غياب جارانج فجر الصراع بين قيادات الحركة، رياك مشار نائب الرئيس أعلن عزمه منافسة الرئيس سلفا كير فى انتخابات الرئاسة، تم إعفاؤه ومعظم قادة الحركة من مناصبهم «يوليو 2013»، فنشبت الحرب الأهلية الثانية «ديسمبر 2013» بين قبيلة الرئيس «الدينكا»، وقبيلة مشار «النوير»، واستمرت 20 شهراً، شردت 2.23 مليون، لجأ منهم 730 ألفاً للدول المجاورة، قرابة 8 ملايين نسمة من إجمالى السكان «11.6 مليون» يعانون نقص الغذاء، و250 ألف لاجئ مقبلون من حوض النيل الأزرق وجنوب كردفان بالسودان الشمالى شكلوا عبئاً إضافياً، الحرب قلصت عائدات النفط التى تشكل 90% من الإيرادات، بعد تراجع الإنتاج من 400 ألف برميل/يوم 2013، لـ150 ألفاً، والفساد بدد الباقى، الحكومة اعترفت منتصف «2012» بأن بعض مسئوليها «سرقوا» أربعة مليارات دولار!!
 
اتفاق السلام وُقع «أغسطس 2015»، برعاية الترويكا، ومنظمة «إيجاد»، أعاد مشار نائباً للرئيس، نزع سلاح العاصمة جوبا، فوض بعض السلطات للمتمردين بأعالى النيل الغنية بالنفط، وفرض تشكيل حكومة انتقالية خلال ستة شهور، عارضه جنرالات الجيش، وميليشيات الدينكا، لكن كير وقعه رغم تحفظاته، تجنباً للعقوبات الدولية، ثم ناور بإعادة تقسيم الولايات إلى 28 بدلاً من 10 «أكتوبر 2015»، على نحو يكفل إحكام سيطرة «الدينكا» على مناطق النفط، ويرضى قبائل ومجموعات عرقية صغيرة، ما يوسع دائرة تحالفاته فى مواجهة النوير، التقسيم عارضه مشار وتحالف أحزاب المعارضة، وأثار قلق الترويكا والـ«إيجاد» والاتحاد الأوروبى، وأدى لانشقاق اثنين من الجنرالات، وتشكيل «قوات تايجر الجديدة»، المعارضة لكير ومشار.
 
كير يعتمد على دعم أوغندا المباشر، التى تبنت الحركة الشعبية إبان معركة الانفصال، طمعاً فى نفط الجنوب، وسوقه الاستهلاكية، ودوره كمنطقة عازلة، تحول دون دعم الشمال لمتمردى «جيش الرب»، رداً على دعمها للحركة، القوات الأوغندية تدخلت بداية 2014 بالاتفاق مع كير، لتأمين جوبا وولاية جونقلى، ثم دخلت مقاطعة ماقوى على الحدود المشتركة «أغسطس 2015»، ووضعت علامات ترسيم للحدود مخالفة للشريط الحدودى المعروف منذ 1956، السكان أزالوها، والسلطات احتوت الموقف، ضعف الدولة أغرى الدول المجاورة بالتدخل فى شئونها الداخلية، القوات الكينية احتلت جزءاً من ولاية شرق الاستوائية «مارس 2015»، والحكومة فضلت الحل الدبلوماسى، تقديراً لأهمية كينيا كممر لتصدير النفط عبر ميناء لامو، كبديل لـ«بورسودان»، إثيوبيا تدعم مشار للضغط على كير لدعم تشددها بشأن حقوق دول منابع النيل فى مواجهة دول المصب، علاقة جوبا بالشمال تكتنفها الشكوك، الخرطوم تتهمها بدعم الحركة الانفصالية بجنوب كردفان والنيل الأزرق، والجنوب قلق من دعم الخرطوم لمشار، إضافة لمشاكل الحدود بمنطقة «آبيى»، التى تعرقل إنتاج النفط، وتهدد بالحرب.
 
السودان الجنوبى بالنسبة لنا «قضية أمن قومى»، كوارثه لا تقع بالصدفة، وارتباطه بالمصالح المصرية مباشر، الحرب الأهلية بينه وبين الشمال اندلعت 1983، بعد تنفيذ 70% من قناة جونجلى التى تزيد حصتنا من مياه النيل، فتوقف العمل، وتم إعطاب الحفارات، الحرب الأهلية الثانية تفجرت «ديسمبر 2013»، مع بدء مصر عمليات مسح أراضيها، ضمن دراسات جدوى مشروع ربط نهر الكونغو بالنيل، الذى قدرت بعض الدراسات أنه يوفر ضعف حصتنا من مياه النيل، وجودنا بجنوب السودان يكتسب أهمية استراتيجية، خاصة فى ضوء التوترات التى تنتاب علاقاتنا بالشمال، والعداء الإثيوبى الذى فشلت معه سياسة «النوايا الحسنة»، مصر غابت عن الجنوب خلال حروبه مراعاة للخرطوم، وعندما وقع الانفصال، كنا فى أتون ثورة يناير 2011، لذلك لا نلومهم لعدم الانضمام للجامعة العربية، لأنهم رأوا أن انتماءهم الأفريقى يسبق انتسابهم العربى، ولا نعاتبهم لاختيار مقر سفارتهم فى إسرائيل بالقدس، لأنهم حاولوا مجاملة إسرائيل لتوليها إنشاء مقرات سفاراتهم بالخارج، ولا نستنكر رفض وزير خارجيتهم السابق استئناف العمل بقناة جونجلى، فكل ما يعرفه عنها أنها تزيد حصتنا من المياه، ويجهل أنها تجفف 1.5 مليون فدان من المستنقعات لتصبح قابلة للزراعة، ولا نقلق من اعتزامهم إنشاء سد على النيل الأبيض، فهم بحاجة للكهرباء، لكنهم فى غنى عن حجز المياه، خسرنا حقبة زمنية، لكن ينبغى أن نكون أكثر حرصاً على المستقبل، وأن نركز على تنمية المصالح، زيارة سلفاكير للقاهرة نوفمبر 2014 وضعت أساساً يمكن البناء عليه، اتفاقات تعاون فى مجالات الثقافة، التعليم العالى، الشباب والطلائع، الزراعة والموارد المائية، الصحة، الكهرباء، ولكن ينبغى أن نُشعِر المواطن الجنوبى بأننا نسعى لتقليل معاناته، دون أهداف عقائدية، فقد عايش سخاء الإرساليات فى خدمات الصحة والتعليم والغذاء، ثم عانى من تواريها بمجرد نجاح الانفصال، لذا ينبغى ألا ننجرف للدعوات الخاصة بإنشاء معاهد وفروع أزهرية، تجنباً لشبهة التحرك التبشيرى المنافس، فالأولوية لدى السكان للغذاء والمأوى والأمن، الاستثمارات المطلوبة متواضعة، ومتاحة بالقدرات والخبرات المصرية، استصلاح الأراضى، تطهير المجارى المائية، بناء الجسور والسدود، تعبيد الطرق، الربط بين المدن، محو الأمية، توفير منح بالجامعات المصرية، حتى فى المجال العسكرى فإن إسرائيل اكتسبت ثقة الجنوبيين بتزويدهم بأسلحة غنمتها من حرب «1967»، ودربتهم عليها، ونحن لدينا ترسانة من ذلك الجيل من الأسلحة، يمكن أن ندعم بها الدولة الوليدة.
 
ازدهار مصر عبر التاريخ اقترن بتمدد نفوذها الخارجى، تغيرت الظروف، اختلت التوازنات، واختلفت الأدوات، وفُرِضَت ضوابط لتمدد الدول، لكن الدور السياسى والاجتماعى والثقافى، وغيرها يمثل بدائل استراتيجية للوجود فى ساحات تعتبر بؤراً لأمننا القومى وثغراته، فمتى تتوفر الرؤية، وتتحمس الإرادة؟!
 
نقلا عن الوطن

 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com