هناك أشياء يجب اجتناب التعويل عليها أن أردت “تحسين” أخلاق مجتمع. هذه الأشياء جربتها الأمم والجماعات البشرية ولم تفلح:
١- الوعظ والخطابة.
لا شك أن المناقشة حول الأخلاق مفيدة في إعادة التفكير في سلوكياتنا الشخصية وسلوكيات المجتمع. لكن المناقشة شيء والوعظ والخطابة شيء آخر تماما. المناقشة ابنة الحرية، ابنة السعة والسماحة وتقبل طرح مختلف وجهات النظر والرد عليها بالحجة المنطقية. أما الوعظ فابن التوجيه والإرشاد. يصدر من أشخاص يظنون سلفا أن لديهم ما يعلمونه للآخرين. فلا يغيب بينهم وبين جماهيرهم أبدا الرسالة الضمنية التي مفادها “نحن نعلم أكثر، وبالتالي نوجهكم”. هذه الرسالة في حد ذاتها منفرة. كما إنها باعثة على التحدي والتركيز على إثبات عدم الجدارة بالوعظ.
الوعظ يعتمد أيضا على تكريس القديم. وبالتالي يفتقد إلى أهم أهم صفة في السلوك الاجتماعي، التطور. ويعتمد على تكريس النموذج، فيفقد أهم صفة في السلوك الاجتماعي، التنوع. وهذا سبب أساسي لفشل الأسلوب التالي الذي يجب أن نتجنبه.
٢- إنشاء لجنة لتنمية الأخلاق:
لن ينفع هذا أبدا، لسبب بسيط جدا. أن اللجنة لن تصل إلى تعريف لماهية الأخلاق التي تريد تنميتها. ولا إلى وسائل تنميتها. لماذا لن تعرف؟ لأن مافيش حاجة اسمها كده. “تنمية الأخلاق” دي سبوبة اكتشفها بشر من زمان، فاشتغلوا بيها. وهذا ما يقودنا إلى المقال. والإجابة عن السؤال في المجتمع.
كيف ننمي الأخلاق في المجتمع؟
أولا: الأخلاق لا “تنمو”، إنما تتطور. كلما تغيرت طبيعة الحياة في مجتمع ما كلما ارتضى لنفسه سلوكا مناسبا لهذه الحياة المتغيرة. مثال: لم يكن زواج الإخوة والأخوات فعلا شنيعا في عهد النبي إبراهيم. فهو كان متزوجا من أخته سارة. تماما كما كان الحال مع المصريين القدماء. في وقتنا الحالي صارت تلك جريمة أخلاقية وسفاحا. وفي نفس الوقت، فإن أبناء العمومة لدينا يتزاوجون. في حين أن المجتمعات الغربية تستنكف هذا وتعتبره سقطة أخلاقية. وهكذا.
على اللجنة أولا أن تعرف مرجعها في “تنمية الأخلاق”. زمنيا ومكانيا.
في القرية، مثلا، التنظيم الاجتماعي يقوم على قاعدتين. أولهما أنك محاط بأقاربك. وثانيهما أن هناك ترتيبا هرميا للأمر والنهي في العائلة، وهو مرتبط بالتراتب السني جدا.
في ظل هذه الظروف نجد مجموعة من الأخلاق التي تناسب هذا. الخجل والنظر إلى الأرض - مثلا - خلق ممدوح. والصمت أمام الكبير خلق يلقى تشجيعا.
تعالي طبقي الخجل على المدينة، التي يحاط فيها الإنسان بالغرباء، والتي لا تحكمها نفس التراتبية العائلية. هنا صار الخجل خلقا معطلا، وصار الصمت مضيعة للمستقبل.
هل ستنمي اللجنة أخلاقنا على طريقة القرية أم على طريقة المدينة؟
بل هل يمكن أن تلتفت اللجنة إلى أن أحد أهم مشكلاتنا الأخلاقية في مصر هو تسلط أخلاق القرية على المدينة؟ والسخرية أن هذا متزامن مع ترويج لعبارة “أخلاق القرية”.
هناك بالفعل خجل مديني، على سبيل المثال، لكن دواعيه تختلف تماما عن دواعي خجل القرية. الخجل المديني تراه في احترام خصوصية الجيران، في الحرص على النظافة وجودة الرائحة حتى لا تزعجي الغرباء الذين لا يعرفونك. في الحرص على النظافة الشخصية والمكانية.
الناس في القرية “تاكل وشك” لو رحت بيتهم ومعندهمش شاي وسكر. إنما في المدينة الاختيارات متعددة، وأسلوب الحياة واختياراتها متعددة، ومن الجائز جدا أن تعيش حياتك دون شاي وسكر في بيتك. لا داعي للإحساس بالإحراج.
نقلا عن دوت مصر
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com