هل يظل المجتمع الدولى على عجزه الراهن بعد أن ضرب الإرهاب مصر وروسيا ولبنان وفرنسا ومالى ضربات متتابعة موجعة، روعت الجميع وسقط بسببها المئات من القتلى والجرحى الأبرياء، وبعد أن بلغت جسارة «داعش» حد تهديد «موسكو وواشنطن ولندن وبروكسل» فى رسائل واضحة تنذر بعاصفة كبرى تمثل أحداث باريس مجرد بدايتها، يمكن أن تجتاح هذه البلاد اعتماداً على خلايا «داعش» النائمة والمنتشرة فى جميع دول أوروبا!؟
وإذا كان الأمريكيون الذين يتحصنون وراء الأطلنطى يفصلهم عن الشرق الأوسط بحار ومحيطات وآلاف الأميال يعتقدون، بنسبة تزيد على 83% من الشعب الأمريكى، أن الولايات المتحدة سوف تتعرض إن آجلاً أو عاجلاً لعملية إرهابية جسيمة تؤدى إلى خسائر بشرية ضخمة لأن «داعش» وعدت بضرب واشنطن، فماذا يكون حال باقى الدول الأقل قوة التى تتعرض لتهديدات مماثلة فى ظل ضعف الإرادة السياسية العالمية، وعجزها عن تكتيل جهود المجتمع الدولى فى الحرب على الإرهاب، وانقسامها الشديد حول سبل مواجهة هذه الجماعات، حيث يصر الرئيس الأمريكى أوباما على استمرار سياسات الاحتواء التى تجد ترجمتها فى بعض الضربات الجوية الانتقائية التى يوجهها التحالف الدولى الغربى إلى بعض أهداف «داعش»، ويعتبرها كافية لحصار جرائم «داعش» داخل سوريا والعراق دون حاجة إلى حرب برية تفكك قبضة «داعش» على مساحات الأراضى الواسعة التى تحتلها فى العراق وسوريا، إلى أن تتوافر قوات محلية ووطنية تقوم بهذه المهمة!، بينما تطالب غالبية دول المجتمع الدولى، وفى مقدمتها فرنسا روسيا ومصر، بأن يكون الهدف الذى يتوافق عليه الجميع هو تدمير قدرة داعش العسكرية واجتثاث جذورها وليس مجرد احتوائها كما يريد «أوباما»!.
وإذا كان الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص آثروا غسل أيديهم من المشكلة بعد أن ضرب الإرهاب مصر عقاباً لها على ثورة 30 يونيو، وعاقب الروس لتدخلهم العسكرى فى الأزمة السورية، كما ضرب برج البراجنة، الحى الشيعى فى الضاحية الجنوبية لبيروت عقاباً لشيعة لبنان وزعيمها حسن نصرالله الذى أرسل قوات «حزب الله» كى تحارب إلى جوار قوات بشار الأسد فى سوريا.. فهل تستطيع الولايات المتحدة أن تغسل يديها من قضية الإرهاب وتظل على سياسات الاحتواء بعد موجهة الإرهاب الأخيرة التى ضربت باريس فى ستة مواقع مختارة وسط العاصمة الفرنسية!، أم أن موجهة إرهاب باريس يمكن أن تكون نقطة تحول حقيقى تلزم كل القوى الدولية، وأولها الولايات المتحدة بالعمل الجاد لتكتيل جهود المجتمع الدولى من أجل القضاء على «داعش» وكافة منظمات الإرهاب، وإنهاء الحرب الأهلية السورية التى تحولت إلى بؤرة لتفريخ جماعات الإرهاب!.
والواضح أن موجة الإرهاب التى ضربت باريس فى 6 مواقع وراح ضحيتها 130 قتيلاً كان يمكن أن يكون من بينهم رئيس الجمهورية «أولاند» أيقظت العالم على الحقيقة المرة بأنه ما من بلد يمكن أن يكون فى مأمن كامل من ضربات الإرهاب، أو يستطيع تأمين نفسه بنسبة 100% مهما تكن يقظة إجراءاته الاحترازية، والأكثر أهمية من ذلك أنها نبهت المجتمع الدولى إلى خطأ سياسات الرئيس الأمريكى أوباما الذى لا يزال يعتقد أنه نجح فى حصار خطر «داعش» داخل الأراضى السورية والعراقية بضرباته الجوية الانتقائية!، ولا يريد أن يعترف بأن سياسات الاحتواء التى ينتهجها فى حربه على «داعش» سياسات فاشلة.
لذلك لم يكن غريبا أن يؤكد الرئيس الفرنسى أولاند علناً خلافه مع الرئيس الأمريكى أوباما، مؤكداً أن العالم يحتاج إلى استراتيجية جديدة تدمر «داعش» وتنهى وجودها وليس مجرد أن تحتويها!.. ومع الأسف فإن هذا الخلاف لا يزال يشكل العائق الأكبر أمام تكتيل جهود المجتمع الدولى فى استراتيجية جديدة تضمن القضاء على كل منظمات الإرهاب وفى مقدمتها «داعش».
وثمة جهود حثيثة يقوم بها الرئيس الفرنسى أولاند تحاول إقناع الرئيس الأمريكى بضرورة تغيير سياساته فى الحرب على «داعش» وإعادة النظر فى موقفه الصارم الذى يمنع تعاونه مع الروس، خاصة أنه بدون تعاون أمريكى روسى بحثاً عن تسوية سلمية للأزمة السورية يستحيل ضمان إنهاء الحرب الأهلية، ويستحيل توافق كل الأطراف على مرحلة انتقالية سلسلة تضمن تغيير الدستور السورى.
وبسبب إصرار الرئيس أوباما على الاستمرار فى سياسات الاحتواء ورفضه التعاون مع الروس، يزداد الغضب الأمريكى داخل الولايات المتحدة من تخاذل سياسات الرئيس التى لن تنجح فى حماية أمن الولايات المتحدة داخل الحزب الجمهورى وخارجه، وبين معظم جنرالات الجيش الأمريكى والمؤسسات البحثية الضالعة فى صنع القرار، خاصة أن الجميع يعرف أن سياسات أوباما فى سوريا تواجه حائطاً مسدوداً لا سيبل إلى اختراقه إلا من خلال التعاون مع موسكو وطهران.
ويختلف كثيراً موقف الروس الذين يبدون استعدادهم الكامل للتوافق مع الأمريكيين حول شروط المرحلة الانتقالية فى سوريا، ولا يمانعون بالمطلق فى خروج بشار الأسد من الحكم وإن كانوا يفضلون أن يأتى ذلك من خلال انتخابات رئاسية جديدة، كما ينسق الروس هجماتهم الجوية فى سوريا مع القوات الفرنسية بشكل كامل بعد موجة الإرهاب الأخيرة التى ضربت باريس، ويكتبون على صواريخهم العابرة للقارات التى تنطلق من الأسطول البحرى الروسى الرابض فى بحر قزوين لتصيب أهدافاً داعشية داخل مدينة الرقة عاصمة الخلافة (هذا من أجل فرنسا)، وما من شك أن «بوتين» يضع فى ترتيب أولوياته أهمية استمرار وجوده العسكرى فى قاعدة طرطوس السورية العسكرية والاعتراف به شريكاً مهماً فى سياسات الشرق الأوسط.. ومن المؤكد أن هذه الأولويات تسبق انحيازه لبقاء بشار الأسد فى الحكم، خاصة أن موسكو وطهران لا تمانعان الآن فى إجراء انتخابات رئاسية سورية جديدة فى نهاية مرحلة انتقالية، يتفق الروس والأمريكيون على معظم شروطها، لكن الرئيس أوباما لا يزال يصر على منع بشار الأسد من ترشيح نفسه فى أية انتخابات رئاسية قادمة. ولو أن الروس والأمريكيين تعاونوا على وقف الحرب الأهلية السورية وإيجاد مخرج للرئيس بشار الأسد، وتنسيق جهودهم المشتركة فى الحرب على «داعش» لتنفس الجميع الصعداء وشعر العالم أنه أكثر أمناً، وأصبح وارداً إمكانية تكتيل جهود المجتمع الدولى لحرب شاملة على الإرهاب، لا تفرق بين «داعش وبوكو حرام والقاعدة والنصرة وجيش الفتح»، لأن الإرهاب واحد مهما تعددت أسماؤه وعناوينه، لكن هذا الهدف لا يزال مع الأسف بعيد المنال رغم أن جميع الظروف تبدو مواتية لتكبيد «داعش» هزيمة قاسية، حيث يتحرك الجيش العراقى تجاه مدينة الرمادى بعد أن نجح فى تصفية وجود «داعش» فى مدينة بيجى واستعاد أكبر مصفاة بترول فى العراق، كما تمكن الأكراد من طرد «داعش» من مدينة سنجار عاصمة اليزيديين، وتوقف أكثر من 75% من مصادر النفط التى كانت تذهب إلى «داعش»، فهل يظل الرئيس الأمريكى أوباما على موقفه المعاند يضع العصا فى العجلات، أو يتحرك خطوة إلى الأمام فى الاتجاه الصحيح، خاصة أن الرئيس الفرنسى أولاند الذى يحاول دمج كل الجهود الدولية فى تحالف واحد يضم الروس والأمريكيين لا يطالب «أوباما» بالاشتراك فى أية حرب برية.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com