ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

هل نحن دولة دينية أم مدنية؟

د. نجيب جبرائيل | 2010-10-02 00:00:00

بقلم: نجيب جبرائيل
 أكتب هذا المقال بمناسبة ما أُثير عن تصريحات منسوبة للدكتور "مفيد شهاب" وزير الدولة للشئون البرلمانية والقانونية، والذى يعتبر صانع الألعاب بين  الحكومة والبرلمان، ولا تخلوا مشكلة قانونية بين الحكومة ومجلس الشعب والشورى، إلا ويرجع فيها إلى الدكتور "شهاب".. فقد نُسب إلى الدكتور "مفيد شهاب" إنه منذ بضعة أيام كان فى ندوة فى ساقية الصاوى، وقال بالحرف الواحد: "ليس معنى إننا دولة ذات أغلبية مسلمة أن تحكمنا الشريعة الإسلامية" ،  وقد تناقلت هذا الخبر كبرى الصحف  القومية والمستقلة والمعارضة فى "مصر"، وأيضًا كثير من المواقع الإلكترونية.

 وعندما قرأت ما نُسب إلى "مفيد شهاب"، فرحت كثيرًا فى حقيقة الأمر؛ لأنه لا يجوز الخلط بين الدين والدولة التى تتعامل مع المواطن، ويتعامل شعبها من واقع مظلة قانونية وليست هوية دينية؛ إذ أن "مصر" بها مسلمون وأقباط ويهود وبهائيون ولا دينيين..

وأعتقد أن الرجل فعلاً بعدما حوصر بمناقشات قانونية  وحقوقية إيان تواجده بالمجلس الدولى لحقوق الإنسان مرتين بـ"جنيف"- مرة فى فبراير ومرة فى يونيو الماضى-  لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان فى "مصر"، والذى أكد فيها على مراجعة أمور هامة وبصفة خاصة موضّوعات الحريات الدينية. واعتقدت أن التصريحات المنسوبة إليه، جاءت انعكاسًَا حقيقيًا لموقف الدولة، والتى يمثلها من الناحية القانونية، وهو الإتجاه المدنى وليس الدينى. ولكننى صُعقت عندما استضيف الدكتور "شهاب" على الهاتف فى برنامج "48 ساعة" أمس على قناة "المحور"، عندما ناقشته المذيعة "هناء سمرى" من أن هناك نائبًا فى البرلمان- وهو رئيس جامعة القاهرة الأسبق- ينسب إليه ما قاله فى "ساقية الصاوى". فهنا انبرى الرجل مكذبًا ومعاودًا التأكيد أن ما نُسب إليه هو الكذب، بل أن الدكتور "شهاب" أصرّ على التأكيد أن دين الدولة الرسمى هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع بحكم المادة الثانية من الدستور، بل أضاف بأنه لا يمكن أن ياتى قانون فى "مصر" يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وأن ما يُترك لغير المسلمين هو فقط أحوالهم الشخصية التى يحتكمون فيها إلى شرائعهم!!

ربما كان وقع تلك الكلمات من "مفيد شهاب" بأنه قد نفى ما نُسب إليه، فليس هذا هو المهم، إنما المهم هو أن الدولة التى يمثلها وزير الشئون القانونية والبرلمانية، يؤكد من جديد بحسب توضيح ما قاله، أن "مصر" دولة دينية أية ذلك أمرين:

- إنه يؤكد أن دين الدولة الرسمى هو الإسلام، والغريب فى ذلك إنه كما لو كانت الدولة شخصًا طبيعيًا يأكل ويشرب، يتألم ويصلى، ويحمل بطاقة رقم قومى توجد فيها ديانته!! ثم يحاسب فى الآخرة!! مع أن الدولة شخص اعتباري ومعنوي فكيف يكون له دين؟ 

- إن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيي للتشريع، فلا يمكن أن يصدر قانون يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.. ومن هنا يجب أن تعلن الدولة صراحةً إنها طالما تحكم بأحكام الشريعة الإسلامية فهى دولة إسلامية ذات هوية دينية، وأن دستورها  بنص المادة الثانية ينص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.

فإن تلك مفاهيم قانونية لا يختلف عليها أى فقه أو فقيه من فقهاء القانون الدستورى والنظم السياسية فى العالم، تلك المفاهيم التى تصبغ على نظام الدولة بأنها ذات طابع دينى؛ لأن الدستور هو القانون الأساسى وإنه هو الوثيقة التى تمثل العقد الإجتماعى بين الحاكم والمحكومين. ومن هنا لنا أن نتساءل كغير مسلمين بل تزداد شكوكنا فى أن الحريات الدينية، وخاصة حرية الاعتقاد والتنقل من دين إلى آخر غير الإسلام هى تقريبًا غير موجودة، بل يتعرض من يفعل ذلك إلى أنواع من الملاحقة الأمنية، وفى بعض الأحيان منعه من السفر..  وأيضًا رغم إنه غير موجود سوف أقوله أصلاً؛ فطبقًا لمفهوم التصاق القانون بالشريعة، فيمتنع حرية التنصير أو التبشير باعتبارهما يتعارضان مع الشريعة الإسلامية ومع مفهوم الدولة الدينية فى "مصر"، فى حين يُسمح بالدعوة الإسلامية فى كل مكان؛ لأته يتفق أيضًا مع مفهوم الشريعة الإسلامية والدولة الدينية فى "مصر". وأيضًا يزداد شكى حتى فى عدم إعطاء الحرية لمن يريد العودة إلى ديانته المسيحية واستبقاء ما يناهز على أربعة آلاف قضية حبيسة أدراج مجلس الدولة دون فصل والتى تسمى "قضايا العائدين للمسيحية" بسبب مخالفة ذلك للشريعة الإسلامية وللمادة الثانية من الدستور، كما جاء فى تقارير مستشارى مفوضي الدولة بمجلس الدولة. وأيضًا ينعكس مفهوم الدولة المدنية فى اعتقادى، فى عدم إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة للأقباط أسوة بحرية بناء المساجد، ولماذا لم يصدر حتى الآن؟ ربما يتم التملص من هذه الإجابة بإجابات مسكنة، لكنها غير مقبولة قانونيًا، فإن الدولة تراعى الموائمات والملائمات، وفى رأينا أن هذه المراعاة أيضًا نتيجة مناخ للدولة الدينية التى يستشعر فيها كثير من الأغلبية بأن ما يُعطى لغير المسلمين لا يمكن أن يُعطى له على إطلاقه، مثل "حرية بناء الكنائس"، بل أن هناك ما يحظر فعله ولا يُقبل، وهو الإقرار بحرية الانتقال من دين إلى آخر، وخاصة إذا كان إلى غير الاسلام.

وإننى أعتقد- وبحق- إنه يجب ألا نتشدق أمام العالم ونقول: "نحن إذا كنا دولة ذات أغلبية مسلمة، إلا أننا دولة مدنية" هذا القول يعوزه الصدق وليس الالتفاف حول الألفاظ والمصطلحات والظهور بمن يساير الديمقراطية كمن يمشى بجوار البستان ليشتم رائحة الورود، لكن لا يستطيع دخوله.

ونحن لا نخشى كغير المسلمين من الدولة الدينية، طالما كان هذا واقع لابد أن نقبله جبرًا وقسرًا،  لكن لابد فى ذات الوقت ألا يُحسب علينا إننا دولة مدنية، ولا يوجد من هذا المفهوم على أرض الواقع إلا القليل واليسير.

نحن نحسب ونقدر لقيادة الدولة العليا إنها فى كل مناسبة تؤكد إنها لا تفرّق بين قبطى أو مسلم. الكل واحد تحت علم "مصر"، لكن كيف يطبَّق هذا على أرض الواقع، وبشكل مؤسسى وقانونى ودستورى، ويوجد فراعنة أكثر من فرعون؟ وملوكًا أكثر من ملك؟ 

إذًا كان ما قاله "شهاب"، وما أكّده الدكتور "فتحى سرور" من قبل عندما أعلن أن المادة الثانية هى خط أحمر لا يجوز المساس به والإقتراب منه!!  هو منهج رئيس مجلس الشعب ومنسق النظام بين البرلمان والحكومة،  وإذا كانت الحكومة تعلن من جهة أخرى وفى جميع المحافل إنها دولة مدنية، فنحن نريد تفسيرًا وتوضيحًا معلنًا ورسميًا عن معادلة صعبة وهى "كيف نقول أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع وأيضًا مع وجود المادة 46 من الدستور التى تكفل حرية العقيدة" وإعطاء شرحًا لتساؤلاتى  فى صدر هذا المقال عن حرية الإعتقاد والقضايا المثارة بشانها.

وأتحدى أن أجد إجابة من أى مسئول فى الدولة، بل إننى مستعد لمناظرته علنًا لا لشئ، ولكن لنتعاون معًا لايجاد مفهوم واضح للدولة المدنية التى يجب أن ننشدها جميعًا.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com