إن سألت أحدهم عن أسباب عدوان 67 على مصر سيقول على الفور: "لأن مصر خطت خطوات مهمة وكبيرة في التنمية والتقدم، كنا نسبق بها كوريا الجنوبية والهند ويوغوسلافيا في بعض المجالات"، ثم لا بأس أن يكمل - وربما يتجعص ويتعدل ويتعوج - ويقول لك ما قاله بن جوريون، أول رؤساء إسرائيل، حين قال لوسيط أمريكي عندما علم أن جمال عبد الناصر مهتم بالتنمية في مصر، فقال "وهذا أسوأ خبر سمعته في حياتي"!
هم يعرفون قبل غيرهم أن التنمية الحقيقية لأكبر دولة عربية ممنوعة.. تصنيع ثقيل ومعدل تنمية مرتفع لا.. إنما مصانع شرائح بطاطس وبسكويت وفك وتركيب أجهزة كهربائية لا مانع.. أن تدخل عصر النووي وبالتكنولوجيا الأحدث وأنت بلد تمتلك إرادة كاملة فهذا ممنوع.. إنما أن تفكر في النووي وأنت تابع ومكبل وتتعامل مع جيل متهالك وخردة من المفاعلات النووية فمسموح به.. أن ترسل قوات خارج الحدود للعب دور ما بعيد عن الوصايا الأمريكية مرفوض.. إنما أن تكون تحت الجناح الأمريكي فمسموح به!
اليوم.. وقبل اليوم.. وكل يوم.. ورغم أن التاريخ تراكم والخبرات، ومع تزايد مساحة الاستقلال الوطني كل يوم تتجلى في قرارات واتفاقات وخطوات وخيارات تتصادم مع الرغبات الأمريكية.. ولما بات من الصعب وقف الخطوات المصرية، لذا ليس هناك إلا ضرب ووقف هذه الخطوات من الداخل، إما بالطريقة التي جربت سابقا في إرباك المشهد كله كما حدث وقت تولي المجلس العسكري سلطة إدارة البلاد أو العودة لنموذج الستينيات من الدفع بمصر إلى معارك مبكرة على قدراتها.. تكفي الواحدة منها إلى إجهاض كل ما تم من خطوات اقتصادية، وتهدر كل ما تبقى من إمكانيات بعضها منح وقروض من دول شقيقة!
مرة يستعجلون مصر ويضغطون لتذهب تقاتل في سوريا.. وبعضهم يدفعها دفعا للحرب في ليبيا بغير الطريقة التي قررتها مصر ذات مرة بالضرب الجوي فقط.. ومرة ثالثة بالدفع بأي طريقة نحو حرب مع إثيوبيا!.. ليس مهم مكان الحرب.. المهم أن تدخل مصر أي حرب والسلام!.. البعض من أصحاب النيات الحسنة يعتقدون أنهم يريدون أمن بلادهم واستمرار تدفق المياه إلى مصر، وكأن هناك خطرا داهما ووشيكا قد يفضي لأن تغلق إثيوبيا محبس نهر النيل!.. وهؤلاء هم أنفسهم من هاجموا وانتقدوا العملية المصرية الخاطفة في ليبيا، وهم أنفسهم دعاة التعقل في اليمن!
بالطبع نعلم أنه لو تكلم هؤلاء أعواما طويلة ما استجاب لهم أحد، إلا أن تطابقت مطالبهم مع دواعي الأمن القومي التي يحددها ويعرفها صاحب القرار، وهي القيادة السياسية للبلاد، وسيظل النفس المصري طويلا وصبره أكبر مما يتخيل أحد، وسيكون شعارنا أن نتفاوض عاما خير من الحرب شهر واحد، ولكن عند الضرورة فالقدرة على فعل أي شيء تفوق التصور، نكرر تفوق التصور!
إنما ما يجرى جزء من التشويش الإعلامي والضغط النفسي ليس على السيسي وحده إنما على كل المصريين!
لماذا نقول ذلك؟.. نقوله بمناسبة ما نسب إلى وزير الخارجية الإثيوبي، الذي نسب إليه فيه أن مصر غير قادرة على ضرب إثيوبيا؛ لأنها أضعف من ذلك!
وبالملاحظة ندرك أنه ولا موقع كبير معتبر في مصر نشر الخبر باستثناء موقع "الفجر"، ومع التسليم بكل ما فيه إلا أن الوزير الإثيوبي نفسه أضاف في إدراكه لما يراه - جنابه - بـ"الضعف" المصري، هو ما جاء حرفيا أيضا في الخبر؛ حيث قال: "صراعاتها الداخلية وفقرها الاقتصادي والإرهاب في سيناء هي أولويات حروبها"!.. وهي الحروب الحقيقية التي تخوضها مصر، وهي الحروب كلها التي يقف هؤلاء النشطاء - نشطاء القرف المزمن - ضد بلادهم فلا يساندوها ضد الإرهاب بل يدعمونه إعلاميا بكل الطرق الممكنة، حتى صاروا هم أنفسهم سببا في الصراعات الداخلية وفق وصف الوزير الإثيوبي.. إلا أن وصفه - غير المؤكد - غير دقيق بالمرة، فالصراعات بين أنداد وأطراف متساوين في القوة وما يجرى ليس كذلك على الإطلاق ولن يكون كذلك على الإطلاق!!
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com