د.عبدالخالق حسين
بين حين وآخر أستلم رسائل من قراء أتوسم فيهم الطيبة، وحسن النية، ولا أشك بوطنيتهم وإنسانيتهم وحبهم للخير والإنسان، وبأدب جم في الحوار، يعترضون فيها على بعض مقالاتي التي أدرج فيها حزب البعث مع الأحزاب الفاشية والعنصرية والطائفية أسوة بالأحزاب الفاشية والنازية الأوربية، أو الوهابية في المملكة السعودية ودولة قطر، التي صارت أيديولوجية العصابات الإرهابية، إذ لا يمكن للمسلم أن يتحول إلى إرهابي ما لم يتبنى العقيدة الوهابية. وهناك دراسات كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، أشير إلى واحدة منها، (راجع موجز دراسة السفير الأمريكي كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(1).
وحجة هؤلاء الأخوة، سامحهم الله، في تبرئة البعث من الفاشية "أن ممارسات النظام البعثي في العراق شملت البعثيين وغير البعثيين." وأضيف: بل وشملت الاعدامات حتى أقرب أقرباء صدام حسين نفسه مثل صهريه، حسين كامل، وصدام كامل وبمنتهى الوحشية.
فما هي الفاشية؟
الفاشية أو النازية حسب فهمي لها، تعني العصبية العنصرية، أي ممارسة التمييز السلبي بين البشر، يعني أن تبغض وتكره وتعادي أناساً لا لذنب ارتكبوه، بل فقط لأنهم ليسوا من قومك، أو من دينك، أو من مذهبك أو من لونك ولغتك. وقد عانت البشرية طوال التاريخ الكثير من كوارث الحروب بسبب هذه الأيديولوجيات التي تفرق بين البشر بسبب الاختلاف في انتماءاتهم القومية (الأثنية) أو الدينية والمذهبية. فهل تنطبق هذه المواصفات على حزب البعث؟
نعم، إن حكومة البعث قتلت بعثيين، ولكن ليس لأسباب عنصرية وطائفية، بل لأنها شككت بولائهم، أو أنهم تآمروا على صدام حسين وهددوا نظامه وحياته. وصدام، أو أي كان مكانه في قيادة هكذا حزب متشدد يقود دولة مافيوية (دولة المنظمة السرية)، لا يمكن أن يتساهل مع هؤلاء حتى ولو كانوا من أبنائه. فهذا السلوك هو تقليد موروث من النازية الهتلرية التي أعدمت المئات من الضباط النازيين الذين تآمروا على هتلر، بمن فيهم فيلد مارشال رومل الذي أجبره هتلر على الانتحار بالسم، بعد أن تأكد هؤلاء الضباط أن هتلر يقود ألمانيا إلى الهاوية والدمار الشامل في الحرب العالمية الثانية. والجدير بالذكر أن المجازر التي ارتكبها البعث الصدامي ضد الشيعة والكرد كان لأسباب طائفية وعنصرية.
كما يحاول البعض تبرئة حزب البعث مما ارتكبه من جرائم بحق الانسانية في العراق والمنطقة، وذلك بإلقاء اللوم على صدام حسين وحده، وتبرئة الحزب وأيديولوجيته من هذه الجرائم. وهذه مغالطة، لأن البعث أرتكب أبشع مجزرة في إنقلابه الأول عام 1963 ولم يكن بقيادة صدام. والغريب أن أطلق بعثيو 8 شباط 1963 على أنفسهم بالبعث اليساري، وهم الذين انتقموا من اليساريين، وخاصة الشيوعيين أبشع انتقام. فلو لم يكن صدام قائداً للحزب لحل محله عزة الدوري، أو المجرم ناظم كزار الذي أعدمه صدام حسين، أو أي بعثي آخر. لذلك فصدام وغيره من قادة حزب البعث هم نتاج أيديولوجية البعث. والآن صدام تحت الأرض، ولكن مع ذلك يرتكب فلول البعث أبشع الأعمال الإرهابية ضد الشعب العراقي بغطاء داعش وجيش النقشبندية، ومسميات أخرى. لذلك فهذه الجرائم الإرهابية هي من صلب الأيديولوجية البعثية العفلقية.
وهناك مقاربة بين النازية والبعثية: الناوية أعلنت الاشتراكية القومية، وكذلك البعث. النازية حاربت الناس على أساس العرق والاختلاف الديني وارتكبت جرائم الهلوكست ضد اليهود. وكذلك البعث قتل مئات الألوف من الكرد، و الشيعة من مختلف انتماءاتهم القومية، وهجَّر قسراً نحو مليوناً من الكرد الفيلية وعرب الوسط والجنوب، وطعن في أصولهم الوطنية العراقية بفرية التبعية الإيرانية، و أمعن في الحط من عرب الجنوب بإطلاق أسماء تسقيطية عليهم مثل (الشراكوة والمعدان والصفويين...الخ)، وأدعى أن القائد الأموي محمد القاسم جلبهم مع الجواميس من الهند!! (راجع سلسلة مقالات صحيفة الثورة، عام 1991 بعنوان: لماذا حصل ما حصل). كما وقتل نظام البعث مئات الألوف من رجالهم وخاصة الشباب، ولحد الآن تم اكتشاف أكثر من 400 مقبرة جماعية في وسط وجنوب العراق.
كذلك أرغم البعث الحاكم العراقيين المتزوجين من أجنبيات على تطليق زوجاتهم، وإلا يُمنعون من التوظيف في الدولة، وذلك للحفاظ على نقاء الدم العربي!!! وهذه نزعة فاشية بلإمتياز.
لذلك، وبناءً على كل ما تقدم، أرى أن جميع مواصفات الفاشية والعنصرية والطائفية تنطبق على حزب البعث. فإذا كانت هذه الأعمال الإجرامية التي ارتكبها حزب البعث عندما كان في السلطة، ومازالت فلوله ترتكبها وهم خارج السلطة، ليست فاشية، فما هي الفاشية؟
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11
2- د.عبدالخالق حسين: حول التعامل مع حزب البعث
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=714
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com