بقلم: مرثا فرنسيس
لم تكد أمل تنتهي من أداء امتحانات الشهادة الإعدادية وقبل أن تبلغ السادسة عشرة من عمرها، حتى فاجأها والدها بقدوم العريس المناسب والذي تقدم اليه لطلب يد ابنته (طفلته ) بالمعنى الأدق ،كانت أمل سعيدة بانتهاء الإمتحانات لأن هذا يعني بالنسبة لها الإقتراب خطوة من المرحلة الثانوية ،وهي المرحلة التي بانتهائها تقترب جداً من تحقيق حلم حياتها في أن تصبح طبيبة لامعة ، كانت تعشق مشاهدة البرامج التي تستضيف اطباء وطبيبات لإجراء حوارات معهم ، تُنصت بشغف حباً للمعرفة وكثيرا ًماكانت تسجل بعض المعلومات التي تحب أن تحفظها في دفترها الخاص، وبرعت أمل في القيام بدور الطبيبة مع اخواتها وأخيها الأصغر في لعبهم معاً منذ صغرهم وبصفتها أختهم الكبرى كانوا يقومون بدور المرضى أمامها وهي تكتب لهم الأدوية مستخدمة الأوراق المتبقية في كراساتها المدرسية .لم تفهم أمل لماذا يريد والدها تزويجها وهي في هذا العمر الذي بدأت تتلمس فيه انوثتها ويمكن القول انها وضعت أولى خطواتها على بداية اختيار الملابس الأنثوية والأحذية التي تختلف عن احذية المدرسة ، لماذا ؟ ماهو وجه العجلة ياأبي ؟ وحلمي للمستقبل هل تقتله وتدفنه بيدك ؟ هذا عريس ممتاز ، فرصة لايجب ان نضيعها ،(والبنت مسيرها للجواز) هكذا اجابها الأب متحاشياً النظر لعيون ابنته فهو يتذكر تماماً تلك النظرات ، سرحت أمل في ماسمعته وفي داخلها صرخة ألم من جرح عميق في داخلها لايشعر به انسان آخر على وجه البسيطة .للمرة الثانية في عمرها الصغير يتم مصادرة انسانيتها ، وتذكرت الأحداث التي مرت بها منذ خمس سنوات حينما عادت من المدرسة بعد انتهاء امتحانات نصف العام للصف الخامس الإبتدائي ،وهي تُمني نفسها بأجازة مريحة بدون واجبات او التزامات مدرسية ، فاجأها والدها في هذا اليوم بضيفة شكلها مخيف وقدمها لهم: هذه هي الست أم عباس ،كانت عينا أمل تجول في حيرتها بين أخوتها وهم بنتان وولد، وبين أمها وهي مندهشة لا تعي هي أو اخوتها من هي هذه الست أم عباس ؟ وماهو سبب مجيئها اليهم ، أخذتها أمها جانباً وبصوت منخفض قالت لها ستجري لكِ ام عباس عملية بسيطة تُجرى لكل البنات لتحافظ على عفتهن وتحميهن من الرذيلة . سألت أمها وصوتها يرتعش رعبا ً يعني ايه ؟ يعني ايه رذيلة ؟ عملية ايه ؟ نظرت الأم في حدة وأشارت لها بأن تلتزم الصمت وأن تطيع ككل البنات المؤدبات مايراه الكبار لصالحهن ،تساءلت أمل ؛ أمي ماهي هذه العملية وإذا كانت عملية كيف تُجرى في البيت ؟ لماذا لايجريها طبيب أو طبيبة في المستشفى أجابت الأم في اقتضاب نحن نعرف مصلحتك وكفاكِ مجادلة .بدأت الست أم عباس في تحضير أداة لتستعملها في هذه العملية المرعبة وكادت الطفلة تسمع صوت دقات قلبها خوفاً، وتحول بكاء أمل الى صراخ وحاولت عبثاً أن تستعطف أباها وأمها بعد ان أدركت ان ام عباس ستجري لها العملية التي يسمونها الختان ،نعم تذكرت ، شرحت الطبيبة التي جاءت للمدرسة هذا الختان أثناء ندوة للتلميذات، وقالت انها جريمة في حق البنت؛ فصرخت أمل بأعلى صوتها قائلة لهم :الدكتورة في ندوة المدرسة قالت ان هذه العملية خطيرة وهي جريمة ولابد ان نحاربها ، كيف تعرضونني لعملية خطيرة بهذا الشكل ، بابا أرجوك ، ماما ألست ابنتك حبيبتك ؟ لماذا تفعلون بي هكذا ؟اقتربت أم عباس من الطفلة المرتعشة المرتعبة وهي تنتحب بكل كيانها ، كانت بالنسبة لها كالوحش الذي ينوي الإنقضاض على فريسته ليفتك بها ، ألا يشعرون بهذا الألم البشع الذي لايوصف ، الألم النفسي الرهيب الذي تجتازه الآن، اخوتها الأطفال يشاهدون المنظر ويبكون على صراخ اختهم و الوحش أم عباس تعنف البنت التي تبكي بحرقة وتقول لها بكل قسوة( بلاش دلع ) إهانة مابعدها إهانة وإحراج قاتل ، كيف يكشفون ملابسها بهذا الشكل أمام الجميع ، ولم تكن تدرك بعد هذه المسكينة أي ألم جسدي أيضاً ينتظرها من عملية تقطع فيها أم عباس من لحم الفتاة بدون تخدير بدون تعقيم بدون حنان او انسانية .
إنتهت ام عباس من جريمتها بموافقة الأب الجاهل والأم مسلوبة الإرادة التي لا تملك الا الخنوع والدموع ، و استمرت الفتاة المجروحة في بكاء وألم ؛ ترفض الكلام، و ترفض الطعام ،كانت أسود أيام حياتها بدلا من أن تكون اجمل أيام طفولتها ،سلسلة من الأسئلة تدور في عقل الفتاة ولا تجد لها إجابة ، من الذي أمر بهذا العنف ،كيف يؤثرقطع جزء من جسدها على اقتناعها و اختيارها الإلتزام الأخلاقي؟ وهل عدم إجراء هذه العملية يجعل البنت غير مؤدبة ؟ لماذا خلقت إذن بجزء زائد يسبب الميل للرذيلة كما يقولون ؟ وهل لابد من اجراء هذه المجزرة البشعة لكل البنات ؟ وظلت الأسئلة بلا اجابات ! أصيبت الطفلة بارتفاع في درجة الحرارة لإصابتها بميكروب نتيجة تلوث الجرح ، بسبب استعمال أداة غير معقمة ، فزادت وامتدت الآمهافترة أطول حتى انتهت الأجازة وعاد الجميع للدراسة في النصف الثاني من العام الدراسي
أفاقت أمل من ذكريات طفولتها المبكرة الأليمة وهاهي مازالت في مرحلة الطفولة وترى بعينيها اغتيال طفولتها للمرة الثانية،نظرت إلى أبيها ، بعتاب وترجي واستعطاف ، وكل ماتستطيع من محاولات لإقناعه برفض هذا الزواج المبكر جداً ، والايظلمها للمرة الثانية ويتركها لتحقق طموحها وتعيش مراحل حياتها الطبيعية كل ُ في وقتها ، ولكن صدر الأمر واتخذ الأب القرار واتفق مع العريس الموعود وخلال عدة شهور تم الزواج وتركت الفتاة المدرسة، وُسرقت أحلامها واختنق طموحها قبل ان يخرج للنور، وأُرغمت أن تعيش حياة لم تريدها او تختارها .
حياة جديدة لم تستعد لها ولم تحلم بها على الأقل في هذا الوقت ، ورجل غريب عنها لم تعرفه الفترة الكافية التي تجعلها تقبله وتتأقلم على الحياة معه تحت سقف بيت واحد ، كانت ميولها لاتزال طفولية ، ولم ترغب أو تشتاق أو تستمتع بهذه العلاقة الزوجية .
لم تمضِ عدة شهور الا وشعرت أمل بتعب مستمر وأعراض غريبة عنها ، قالت لها امها ان هذه الأعراض هي اعراض الحمل !حمل ؟
كيف لطفلة أن تحمل طفل داخلها وكيف ستكون أما و ماتزال الطفلة داخلها تحتاج للتدليل والحنان، بل أنها كانت كثيرا ًماتشتاق للعب مع اخوتها ولكن بالطبع هذا مستحيل ولا يصح . ومرت ايام وشهور الحمل في تعب لضعف صحة الطفلة ـأقصد الزوجة أمل ،كانت الفتاة غير مكتملة النمو واجهزة جسمها غير مستعدة تماماً لتتحمل تعب الحمل والولادة ، تدهورت صحتها بوصولها للشهر السادس وكانت لاتستطيع الوقوف او القيام بأي مسئولية تجاه هذا البيت الذي تعيش فيه كزوجة وهي تتمنى ان تعود طفلة بلا تشويه.
نصح الطبيب بالراحة التامة لشدة ضعف الزوجة ، حتى يمر الوقت المتبقي من الحمل ، مرت الأيام بطيئة ، ليس لها معالم او طعم او لون . وجاء يوم الولادة ونُقلت أمل لأقرب مستشفي بسبب التعب الشديد الذي لم تحتمل معه الإنتظار لنقلها للمستشفى الذي كان بها طبيبها المعالج ، وبعد تخديرها تمت عملية الولادة ورأى الطبيب الذي قام بتوليدها انها تحتاج الى عملية أخرى بعد الولادة وهي لاتزال تحت تأثير المخدر ، أجرى العملية ثم خرج لأبيها قائلاً له ؛ هل تعلم أن مْن أجرى عملية الختان لإبنتك لم يقم بها على الوجه الأكمل ، ووجدتها فرصة وهي تحت تأثير المخدر أن أجريها لها بشكل صحيح طبعاً أنت موافق ؟ قال الأب (هو انا هعرف اكتر منك يادكتور ) ،وأفاقت المسكينة على ألم رهيب ونزف شديد ، وطالت ايام التعب والضعف قبل أن تعرف أن الطبيب أعطى لنفسه الصلاحية لاتخاذ قرار بهذا الحجم ولم تستطيع أن تبرئ أباها ولا زوجها من الإشتراك معه ، اصيبت بحالة من الذهول وكانوا عندما يرونها تتنفس يشكرون إلههم انها بخير ولم يعلموا ان الفتاة قُتلت نفسيا !
اليوم أصبح عمر طفلها 5 سنوات وقد قاربت عامها الثاني والعشرون ، تكره اباها ، تكره زوجها ، تكره جسدها الذي تسبب في وجهة نظرها في تعرضها لكل هذا الذبح ، تكره انوثتها التي تحالفت مع عائلتها ومعتقداتهم في اغتيال احلامها وطفولتها.
يعاقب القانون على اجراء الختان بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثة اشهر وعامين وغرامة قد تصل من الف جنيه الى خمسة الاف جنيه
القانون يوضح ان الختان ممكن في حالة وجود ضرورة طبية ،وليس اسهل من اثبات وجود ضرورة طبية تستلزم اجراء هذه الجريمة ، بدليل أن هناك 120 مليون فتاة تتعرض لإجراء عملية الختان في الشرق الأوسط بنسب متفاوتة ، تعتبر مصر من أكثر الدول ممارسة لهذه العادة المدمرة تليها السودان وأثيوبيا
ولاأعلم هل هناك احصائية تبين نسبة من طُبق عليهم هذا العقاب القانوني فعليا أم انه كلام على ورق
من يُحاكم من ؟
محبتي للجميع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com