بقلم: مينا ملاك عازر
الرئيس هو مَن تقع عليه المسؤولية دائمـًا، وهو الذي يجب أن يتحمل نتائج أخطاء مساعديه ورجاله، كما يجني ثواب أعمالهم التي ينجزونها، فكما نصفق له على إنجازاته يجب أيضـًا أن نحاسبه إذا قام رجاله بعمل سيئ، ففي النهاية رجاله هم الذين يعملون سواء سيئ أو جيد؛ فيجب أن ينال نتيجة أعمال رجاله.
وارتكازًا على ما تقدم.. يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً: "متى يستقيل الرئيس"؟ ولا أعني بالطبع هنا الرئيس "مبارك"، وإنما أعني أي رئيس، الرئيس في العمل، الرئيس في القيادة، فكلهم رؤساء، والرئيس يستقيل حينما يحدث جرم كبير من مرؤوسيه، الرئيس يستقيل حين يفشل في اختيار مرؤوسيه، وأنا شخصيـًًا لست مع استقالة الرئيس لأي سبب؛ فذلك سيؤدي إلى عدم الاستقرار، وبالتالي ستكون استقالة الرئيس رغم قوتها، إلا أنها ستكون مضرة مع تكرارها، وستفقد قيمتها وقوة وقعها، وبالتالي فإن استقالة الرئيس لن تكون مجدية إلا إذا أتت في توقيتها المناسب.
ولذا أنا أسأل متى يستقيل الرئيس؟ حيث أنني أرى أنه يجب أن تكون هناك قواعد يضعها كل رئيس في عمله نصب عينيه حتى يتخذ قراره ليستقيل، وبالتالي نحن بصدد وضع هذه القواعد سويـًا.
وأعتقد أن من بين هذه القواعد أن يستقيل الرئيس حينما يجد أن نسبة من رجاله ومسؤوليه -الذين تم اختيارهم بواسطته- غير أهل لمنصبهم، مما يعني أنه أساء الاختيار، كما أنها يجب أن تكون في هذه الحالة نابعة من ضغوط ممَن هم ذوو صفة كأجهزة رقابية أو ما إلى ذلك.
وآخر هذه القواعد في رأيي أن يكون الرئيس قد أعد في فترة قيادته لعمله مَن يخلفه؛ فإن لم يحدث هذا فاستقالته ستكون استقالة شكلية؛ لأنه يعرف أن المنصب سيظل شاغرًا، أو مَن سيشغله ضعيف الشخصية، وكم من المديرين والرؤساء ممَن اختاروا نوابهم ومعاونيهم المباشرين من التافهين وضعاف الشخصية، لتبقى لهم الكلمة العليا في كل الأمور، وليضمنوا أنه لا يوجد منافس لهم أو لا يختاروا نوابـًا من البداية حتى يطمئنوا على كراسيهم.
أما الآن، وقد اتفقنا على بعض القواعد وليس كلها، والتي تحكم الوقت الذي يتقدم فيه الرئيس باستقالته، علينا أن نناقش مسألة خطيرة؛ ألا وهي: "هل استقالة الرئيس استقالة ضرورية"؟ أنا أرى أنها ضرورية؛ فهي تطمئن كل مَن يعمل بأي مؤسسة حيث تشعره بأن حتى رئيسه خاضع للحساب والمحاسبة والمحاكمة، مما يستحثه على أن يقوم بعمله على أحسن وجه، وأن يحاسب نفسه إذا قصّأَر، حتى لو وصل الأمر لأن يستقيل هو الآخر، فالرئيس قدوة للكل، ليس هذا فحسب، بل أن استقالة الرئيس استقالة مؤثرة على نفوس مَن حوله، فلا يزيدون فسادًا، بل لا يفسدون أساسـًا لأنهم ببساطة سيشعروا بأنه لا حامي لهم، ولن يكون وجود رئيسهم مظلة لهم فيفسدوا ولا أحد يحاسبهم، فاستقالة الرئيس تكشف عن أن المظلة التي قد يحتمون بها قد تزول في أي لحظة بمجرد أن يستقيل الرئيس.
والقضية الثانية التي نود طرحها الآن هي مسألة خطيرة أيضـًا، ألا وهي: "هل استقالة الرئيس تعني فشله"؟؟، أنا أعتقد أن قمة نجاح الرئيس حين يشعر بعدم قدرته على أداء واجبه هي أن يستقيل، فالاستقالة تحمل في طياتها قدرة مواجهته لضعفه، مما يعني قوته الداخلية وقدرته على مواجهة الحقيقة ونفسه، كذلك استقالته تعني نجاحه في التخلي عن كرسيه، وهو أمر يصعب على كثيرين، فمنا مَن يلتصق بالكرسي مما يعني عدم قدرته على رؤية أحد آخر يجلس على كرسيه، وكأنه يتوحد مع الكرسي حتى يقول: "أنا الكرسي والكرسي أنا"، ويصل إلى ما يشبه جنون العظمة.
إذن استقالة الرئيس؛ رغم أنها ناجمة عن فشل، لكنها في مضمونها نجاح كبير، نجاح يرسخ قواعد لمَن هم أدنى منه في المقام والمنصب.
ونحن نقترب من نهاية المساحة المتاحة لنا، علينا أن نطرح أسئلة سريعة، أولها يتمثل في؛ هل في "مصر" مَن يستقيل من نفسه بدون ضغوط ممَن هم فوقه؟ هل مرّ على "مصر" مَن استطاع أن يتخلى عن كرسيه ويتنحى بجد وليس تمثيل عن يقين وقناعة داخلية بأنه فشل؟ ولا تكون استقالته نابعة من إجبار ممَن هم أقوى منه؟ هل هناك في "مصر" مَن يتعظ من أولئك الذين يستقيلون في العالم المتقدم، مثل "رئيس ألمانيا"، و"رئيس وزراء اليابان"؛ فالأول استقال لضغوط شعبية وصفته بالجهل، والثاني خشى من محاسبة الشعب لعدم تنفيذه لوعد قطعه على نفسه في وقت الانتخابات.
وآخر الأسئلة، في رأيكم.. متى يستقيل الرئيس؟!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com