بقلم: أشرف عبد القادر
وقع في يدي، كاملاً ،خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ضد المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري،استوقفني اتهام نصر الله للموساد بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد.مبدئياً الموساد له تاريخ حافل بالإجرام داخل إسرائيل وفلسطين وفي العالم العربي وفي العالم. أليس هو الذي اغتال الزعماء الفلسطينيين الثلاثة في بيروت أبو يوسف النجار،وكمال عدوان، والشاعر كمال ناصر،مبدئياً اتهامه باغتيال الرئيس الشهيد مشروع.
لكن"القرائن"،والسيد نصر الله بنفسه قال إنها "قرائن" فقط،ليست بكافية. وإذا رجعنا إلى السؤال البوليسي التقليدي"من المستفيد من الجريمة؟"لا نجد أن إسرائيل مستفيدة منها،فهي كانت تريد أن يبقى الجيش السوري في لبنان حتى يبقى حزب الله تحت وصاية الجيش السوري،فإسرائيل كانت تعتبر سورية مسئولة عن كل ما يمكن أن يقوم به حزب الله ضدها،وحزب الله لم يكن يجرأ على تجاوزها.لذلك لم يرتكب تحت حماية الجيش السوري أخطاء إستراتيجية فادحة،مثل خطف الجنود الثلاثة،الذي كان سبباً في حرب 2006،والتي اعترف نصر الله نفسه أمام التليفزيون"أنه لو علم نتائجها ما فكر في خطف الجنود الإسرائيليين الثلاثة"،ومن حسن الحظ أن هذا الخطأ لن يتكرر،لأن أحمدي نجاد جرد نصر الله من سلطة اتخاذ قرار الحرب مع إسرائيل في لبنان نظراً للخسائر الإيرانية المادية والسياسية في حرب 2006. كما كانت تريد إسرائيل أن يبقى الجيش السوري في لبنان ليبقى عاجزا عن التصدي لأي عدوان إسرائيلي عليها،كما كانت عليه حال الجيش المصري عشية حرب 1967 عندما كانت أهم قوته متورطة في اليمن...
لكن الخطير على السيد نصر الله أنه جعل اغتيال الحريري جريمة إسرائيلية. بمعنى آخر أبشع وأفظع وألعن جريمة.إذا أقدمت إسرائيل على اغتيال الحريري بدل اغتيال السيد نصر الله نفسه،فمعنى ذلك أن الحريري أكثر عداوة لها من نصر الله. فهو والحالة هذه أكثر وطنية ،وأكثر خطراً على المشروع الصهيوني الاستيطاني من نصر الله.
من المشكوك فيه أن تستطيع المحكمة الدولية الخاصة محاكمة قتلة الحريري الحقيقيين،سواء منهم المنفذون،أو من أعطوا الأمر بالقتل. فحزب الله لن يسلم المتهمين.وأكثر من ذلك من الممكن أن يرد على توجيه الاتهام له بالقيام بانقلاب عسكري يسمي السيد نصر الله "مرشداً للثورة الإسلامية اللبنانية"، وأحد أعضاء حزبه رئيساً للجمهورية. ومن الممكن أن يكون رده تنظيم سلسلة من اغتيالات أخرى،كتلك التي نظمها هذا الحزب،كما يقال همساً،غداة اغتيال الحريري ليسكت كل صوت معارض له. لكن المحكمة التي لا ترحم أحد،هي محكمة التاريخ. في عشرة ... في عشرين سنة،سيشرع طلبة التاريخ في لبنان في إعداد رسائل جامعية على هذا الحادث الذي غير وجه لبنان وترك آثاراً كبيرة في الشرق الأوسط والعالم. لا يملك السيد نصر الله أي سلاح كان فعال ضد هذه المحكمة التي ستضعه هو نفسه وحزبه في قفص الاتهام ،وستصدر حكمها الذي لا سجن فيه ولا من يسجنون ولا إعدام ولا من يعدمون، بل فقط تقول بكل هدوء:قتلة الحريري هم حزب الله،أو أن حزب الله برضي سورية وإيران أو بأمرهما أقدم على جريمته. بهذه الكلمات القليلة ستدخل محكمة التاريخ حزب الله وأمينه العام في التاريخ كقتلة جبناء ... قتلوا ضحيتهم غدراً... هذا الحكم صدر، في الحقيقة، منذ استشهاد الحريري.فالإعلام اللبناني والعربي والعالمي المحايد في معظمه، لم يتوقف يوماً عن تقديم القرائن القوية عن تورط سورية وحلفاءها في لبنان ،وأولهم حزب الله في ارتكاب الجريمة.
من هذه القرائن،وهي كثيرة،أن المتأسلمين يرددون منذ وقوع الجريمة ،وهذا ما سمعته بنفسي من بعض متأسلمي باريس ومصر:"لماذا يقال عن الحريري"الشهيد" ؟ في أي معركة في سبيل الله سقط فيها شهيداً هذا الملياردير صديق الكفار أعداء الأمة؟". حتى في "إذاعة الشرق"التي تعيش بمال الحريري،يقول المذيعون الحريريون:"الشهيد"،لكن أنصار حزب الله في هذه الإذاعة يستخدمون جملة محايدة في الظاهر "الرئيس، السابق"... وإنها لقرينه أيضاً ذلك الخطاب الشهير الذي ألقاه حسن نصر الله غداة الجريمة، وكانت اللازمة التي ركز عليها:"سورية بريئة،والله بريئة من دم الشهيد رفيق الحريري". كل من استمع إليه قال:"كاد المريب أن يقول خذوني".
ومن القرائن القوية جداً"الهستريا" ،التي دخل فيها الأمين العام لحزب الله وأنصاره في الإعلام، من التهديد بعظائم الأمور إذا وجهت المحكمة الدولية اتهاما لحزب الله أو لبعض أعضائه"غير المنضبطين" ....
فسيردون بقلب الطاولة على جميع اللاعبين اللبنانيين ،سواء بحرب أهلية ،كما يخشى وليد جنبلاط،أو بانقلاب عسكري يسمي آية الله نصر الله "مرشد الثورة الإسلامية اللبنانية" ونعيم قاسم رئيساً للجمهورية ... ولو كان حزب الله بريئاً من الجريمة،ومن مسلسل الاغتيالات الذي أعقبها فلماذا لا يترك أعضاء حزبه المتهمين يقفون أمام المحكمة ،ويبرئون أنفسهم وحزبهم وأمينهم العام أمام الإعلام الدولي والمحكمة الدولية بالحجج المعقولة.لن يفعلها السيد حسن نصر الله مخافة أن يعترفوا أمام المحكمة بأنه هو الذي أمرهم بالإقدام على جريمتهم.
آخر القرائن،ولماذا لا نقول الحجج؟ هي التقارير السرية التي قدمتها المخابرات الدولية،بما فيها الروسية والصينية،وكلها مجمعة على أن سورية وحزب الله هما الضالعان في جريمة الاغتيال. وقد قال الرئيس السابق جاك شيراك :"أنه يعرف بالاسم من أمر ومن نفذ الجريمة الشنيعة". وهذه التقارير ستوضع يوماً ما على ذمة الباحثين والجامعيين، فالحذر،الحذر.
يا سيد حسن نصر الله،لا تخشى المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري،فهي لن تمسك بسوء ،أنت المتمترس خلف جبال صواريخ ولكن اخشى ثم اخشى وارتعد ثم ارتعد من تلك المحكمة الأخرى التي لا تنفع معها صواريخ ولا تهديدات ولا اغتيالات ،إنها محكمة التاريخ،ذلك الحكم العادل ،القاسي الرهيب،فاحذر وارتعد،فالعظماء حقاً هم الذين يدخلون التاريخ كعظماء نبلاء،لا كقتلة جبناء
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com