بقلم: مينا ملاك عازر
يقولون إن النسيان نعمة عند فراق أو موت حد غالي عليك، والكل يعوِّل على النسيان حتى تلتئم الجروح، وننسى آلامنا. وحين يعود أحدهم، وينكأ جرحًا كاد يلتئم، يقولون له: يا جدع ما صدقنا إنه قد اقترب من النسيان. والناس الكبيرة بتنسى حاجات كتيرة، وتستغرب تلاقيهم نسيوا كل حاجة وافتكروا أهيف حاجة، وتلقيك بتقول: هما بيفتكروا إللي على مزاجهم؟!
والحكومات الفاشلة تعوِّل على نسيان شعوبها، وتفتعل كوارث بسيطة تقوم بتهويلها بدل من تهوينها، حتى تمر أيام وسنين يكون الشعب نسي أو إتلهى. ونحن في "مصر" شعبنا يعاني من نسيان مؤلم، تساهم حكومتنا في زيادته، أو قل هي أكبر المستفيدين منه؛ فنحن نسينا رشوة مرسيدس، ورشوة الشركة الألمانية المختصة في سوق العقارات ومواد البناء، ونسينا الشاب المصري الذي قتله اللبنانيون في "كترمايا" اللبنانية بغض النظر عن إن كان هذا الشاب مخطئ أم لا، لكنه قُتل ولا شك في ذلك.
ونسينا أزمة الكهرباء، ونسينا شهداء العبَّارة من أربع سنوات، ونسينا قرية "البرادعة" وتفشي التيفود بها، ونسينا المشروع الكبير الذي حلمنا به مع "أحمد زويل" المشروع العلمي الضخم الذي كنا نعوِّل به على أن ندخل به عصر العلم، وبمناسبة ذلك، نسينا أنه لا توجد جامعة من جامعاتنا في مصاف الجامعات المتقدمة، ونسينا أمن متاحفنا حتى سُرقت لوحاتنا بدل المرة مرتين وثلاثة، وسنُسرق وسننسى تاريخنا، وسنخسر حاضرنا، وسنبقى بلا أي مستقبل.
ويستمر مسلسل النسيان، حتى إننا نسينا خسارة صفر المونديال، وكرَّمنا المسئولين عنه. ونسينا ذلنا أمام الجزائريين، وحمينا من كذبوا علينا، وأوهمونا بأننا سنكسب قضيتنا أمام الفيفا، ولكننا خسرناها وخسرنا كرامتنا، وذهب "زاهر" وعاد "زاهر"..ونسينا في وسط هذا كله "مصر" وحقها علينا، ونسينا الأمن بعد أن صار كل إنسان يحمي نفسه بطريقته، وصرنا ننسى أنفسنا وأولادنا، ونبايع من لم يترشحوا للرئاسة، لننسى من سيترشحون فعلاً.
ونسينا سقوط تعليمنا في الهاوية، ونسينا أن "مصر" لم تحقق إنجاز دولي من زمن طويل، إلا إنجازات "حسن شحاتة" الثلاثة في كرة القدم.
ونسينا أن نبحث لأنفسنا عن حلم نسعى لتحقيقه، وتهنا بين الكثير من الإنجازات الوهمية، أو أكوام من الكوارث الهايفة المضخمة، لألا نرى فداحة ما كان لا يجب علينا أن ننساه.
وكلما نسينا تطمئن الحكومة، واحصوا معي كم من الأمور التي نسيناها والتي حدثت في عهد الحكومة الإلكترونية التي نست "مصر" ونست المصريين، وتذكر نفسها فقط، تذكرت منتجعات الأغنياء، ونسيت من يعيشون في قرى "مصر" الفقيرة.
المختصر المفيد، النسيان نعمة لمن لا يريد أن يُحاسَب، ونقمة على من يريد أن يُحاسَب.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com