«المجر» هي إحدى الدول الصديقة لـ«مِصر» التي ربطتها بها عَلاقات طيبة على مدار التاريخ. وحديثـًا، أهدت جامعة «كورفينوس» المجرية، إحدى الجامعات العريقة في العاصمة المجرية «بودابست»، الدكتوراه الفخرية إلى فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى تقديرًا لجُهوده في المجالات السياسية والعسكرية؛ حيث ذكر «أندراس داسى» رئيس الجامعة أن الجامعة أهدت إلى سيادته الدكتوراه الفخرية تقديرًا له ولجُهوده من أجل النهوض بالدولة المِصرية علميـًّا وثقافيـًّا واقتصاديـًّا، في تأكيد منه أن هذه هي المرة الأولى للجامعة التي تُهدى فيها شهادة الدكتوراه الفخرية إلى رئيس جُمهورية أجنبية؛ وكان ذلك في أثناء زيارة سيادته إلى «الجُمهورية المجرية» في يونيو عام ٢٠١٥م.
وفى هذا الصدد، أكد الرئيس «السيسي» أن هذه الشهادة جاءت تعبيرًا عن عَلاقات التعاون بين البلدين وبخاصة في المجال العلمى، حيث تُقدِّم الحكومة المجرية إلى «مِصر» ١٠٠ منحة سنويـًّا إلى الطلاب المِصريِّين للدراسة في الجامعات المجرية. وقد وقَّع كل من سيادة الرئيس ورئيس وُزراء «المجر» بيانـًا مشتركـًا صادرًا من حكومتى «مِصر» و«المجر»، ومذكرة تفاهم للتعاون في عدد من المجالات مثل: السكك الحديدية، والتعاون الأمنى، والصحة، وإدارة الموارد المائية، وتِقْنيات إدارة المدن، والتعليم الفنى.
جغرافية «المجر»
تقع «المجر» في وسَط «أوروبا» حيث تحُدها دُول: «سلوفاكيا» من الشمال، و«أوكرانيا» من الشمال الشرقى، و«رومانيا» من الشرق، و«كُرواتيا» و«صربيا» و«سلوفينيا» من الجنوب، والنمسا من الغرب.
لا تُطِلّ «المجر» على أي بحار. وتتنوع طبيعتها الجغرافية بين الهضاب والجبال المنخفضة في الشَّمال على الحدود السلوفاكية، وبين السُّهول المنبسطة والأخرى المنحدرة من حوض «الكاربات». ويمر بـ«المجر» نهر «الدانوب» وهو أهم أنهارها حيث يقسم البلاد إلى جزأين غربى وشرقى، كما يمر فيها نهرا «تيزا» و«درافا».
تاريخ «المجر»
سكنت الأراضى المجرية عديد من الدُّول والممالك، مثل إمبراطورية الرومان التي كانت آنذاك تُعرف باسم «بانونيا السفلى»؛ فمنذ القرن التاسع قبل الميلاد وحتى نهاية القرن الرابع الميلادى، كانت «بانونيا» جزءًا من الإمبراطورية الرومانية. بعد ذلك، وصلت إلى تلك المنطقة قبائل «الهُونّ» التي أسست إمبراطورية قوية، التي بعد زوالها جاءت وسكنت في حوض «الكاربات» المنطقة قبائل جرمانية مثل: «القوط»، و«اللومبارديِّين» و«الآفار».
أما اسم «المجر»، فيعود إلى العصور الوسطى المبكرة، عندما استوطن المجريُّون «حوض بانونيا» بقيادة الأمير «أرباد»، واستقروا في تلك الأراضى منذ عام ٨٩٥م، ومنذ ذلك الحين أطلق اسم سلالة «أرباد» على حكام مملكة «المجر» نسبة إلى هذا الأمير.
حققت مملكة «المجر» في العصور الوسطى نموًّا كبيرًا بين الدُّول الأوروبية؛ وتحولت إلى دولة مَسيحية خلال القرن العاشر الميلادى. وقد كانت مملكة «المجر» تُعد واحدًا من المراكز الثقافية في الغرب.
«سانت ستيفان»
أصبح القديس «ستيفان/ستيفين الأول» أول ملك في «المجر» بعد عِراك طويل ضد عمه «كوبانى». وُلد «ستيفان» بمدينة «إستيرغوم» في الأعوام بين 967- 975م، واسمه الحقيقى «فايك»، وقد لُقب بـ«أمير المجر العظيم» وأول ملك لها إذ يُعد مؤسس الإمبراطورية المجرية. استطاع خلال مدة حكمه تأمين البلاد بقوة، وتحولت «المجر» في عصره إلى مملكة مَسيحية كاثوليكية. تُوفى الملك «ستيفان» في الخامس عشَر من أُغسطس عام ١٠٣٨م، قام البابا «إغريغوريوس السابع» بإعلان قداسة «ستيفان» وابنه الأمير «إميريك» في العشرين من أُغسطس عام ١٠٨٣م، الذي أصبح عيدًا سنويـًّا وعُطلة رسمية تحتفل فيها «المجر» بذكرى تأسيس الدولة.
«تاج «المجر» المقدس»
اعتبرت «المجر» تاج القديس «ستيفان» تاج التتويج المستخدم من قِبل مملكة «المجر» لجميع الملوك التالين له، وأُطلق عليه اسم «تاج المجر المقدس»؛ وكان الملوك يتوَّجون به حتى القرن الثانى عشَر الميلادى، إذ لا يُعتبر الملك المجرى ملكـًا شرعيـًّا للبلاد دون وضع هذا التاج على رأسه.
الاحتلال العثمانى
ومع ازدياد قوة الدولة العثمانية في القرن السادس عشَر الميلادى، قام العثمانيُّون بغزو عديد من الأراضى في منطقة «البَلقان». وفى التاسع والعشرين من أغسطس عام ١٥٢٦م، وقعت معركة «موهاج» بين الدولة العثمانية بقيادة الخليفة «سليمان القانونى» وبين «المجر» بقيادة «الملك لويس الثانى»، التي انتهت بانتصار العثمانيِّين وفرض سيطرتهم على «المجر» وفتح عاصمتها «بودابست»، لتتحول «المجر» إلى تابعة للدولة العثمانية منذ ذٰلك الحين في مدة قرن ونصف القرن من الزمان. وبعد انتهاء الحكم العثمانى على «المجر»، تألفت دولة ضمت «المجر» و«النمسا» عُرفت باسم «الإمبراطورية النمساوية المجرية» كانت إحدى القوى العظمى في العالم.
الحرب العالمية الأولى
بدأت الحرب العالمية الأولى بين القوى الأوروبية في عام ١٩١٤م، وانقسمت الدُّول المتحاربة فيها إلى قوات الحلفاء من: «بريطانيا العظمى»، و«أيرلندا»، و«فرنسا»، و«روسيا»؛ في مقابل دُول المركز من: «الإمبراطورية الألمانية»، و«الإمبراطورية النمساوية المجرية»، و«الدولة العثمانية»، و«مملكة بُلغاريا». وقد نشِبت تلك الحرب إثر أزمة دبلوماسية أدت بالإمبراطورية النمساوية المجرية إلى إعلانها الحرب على «مملكة صربيا» بسبب اغتيال ولى عهد «النمسا» الأرشيدوق «فرانز فرديناند» مع زوجته، من قِبل طالب صربى يسمى «غافريلو برينسيب»، في أثناء زيارتهما إلى «سراييفو» في يونيو عام ١٩١٤م؛ وقد أدى هذا إلى ظهور التحالفات الدّولية والصراعات بين دُول العالم. ومع نهاية تلك الحرب، لم تعُد للإمبراطوريات الألمانية والروسية والنمساوية المجرية، إلى جانب الدولة العثمانية، قائمة. وقد أدت تلك الحرب إلى خَسارة «المجر» لقرابة ٧٠% من أراضيها، وذلك بسبب معاهدة «تريانون» التي عاقبت «المجر» على دَورها في الحرب العالمية الأولى.
الحرب العالمية الثانية
كانت «المجر» إحدى دول المحور خلال الحرب العالمية الثانية، وشاركت في غزو «يوغسلافيا» و«الاتحاد السوفييتى». إلا أنها دخلت في مفاوضات للسلام مع «الولايات المتحدة الأمريكية» و«المملكة المتحدة»، وهو ما اعتبره «هتلر» خيانة أدت إلى مهاجمة القوات الألمانية «للمجر» عام ١٩٤٤م واحتلالها، إلى أن تحررت فيما بعد.
الشُّيوعية في المجر
عندما قدِم الروس لتحرير «المجر» من النازيِّين، انتقلت «المجر» إلى الشُّيوعية بعد أن سيطر الشُّيوعيُّون في عام ١٩٤٩م؛ وقد أصبحت الحكومة المجرية عاملـًا في السيطرة السوفييتية في المدة ١٩٤٧-١٩٨٩م.
بدأت الثورة المجرية بقيادة الطلاب والعمّال. وأرسل السوفييت قواتهم، وقاومها مقاتلو التحرير المجريِّون بشدة إلا أنهم هزموا. وما إن سقطت الشُّيوعية، حتى تحولت «المجر» إلى ثورة دائمة! فقد حمل المجريُّون السلاح للدفاع عن النفس، وأضرب العمال، وانتصر المجريُّون لتتحول البلاد إلى جُمهورية ديمُقراطية أطلق عليها اسم «الجُمهورية المجرية»، وتُعد أحد البلاد ذات القوة الاقتصادية؛ وهى عضو في حلف «ناتو» والاتحاد الأوروبى.
أهم المعالم السياحية بـ«المجر»
لا يمكن أن تخطئ عيون زائرى دولة «المجر» تلك الآثار الفنية والهندسية والمعمارية التي تملأ مدنها بالموروثات الثقافية والفنية والحضارية. وتُعتبر العاصمة «بودابست» من أهم معالم البلاد السياحية، حيث يتوسطها نهر «الدانوب». وتنقسم المدينة إلى قسمين: «بودا»، و«بست»؛ يفصلهما نهر «الدانوب»، ويرتبطان بتسعة جُسور أهمها جسر «شين».
العَلاقات بين الشعبين المِصرى والمجرى
تتسم العَلاقات بين الشعبين المِصرى والمجرى وحكومتيهما بالود؛ فقد قدَّمت الجامعـة الكاثوليكية في «المجر»، في التاسع عشَر من أُغسطس عام ٢٠١١م، شهادة الدكتوراه الفخرية إلى مثلث الرحمات البابا «شنودة الثالث».
د.«مارجيت توث» نموذجـًا
د.مارجيت توث، رئيس قسم الموسيقى الفُلكلورية في «مُتحف الأنثروبولوجى الوصفية» المجرى بجامعة «بودابست»، كان لها دور كبير في تدوين ألحان القداس الباسيلى مع الراحل د.راغب مفتاح، فقد وضعت المدوَّنات الموسيقية لهذا القداس.
بدأت تجارِبها في «بودابست» بـ«المجر» عام ١٩٦٨م. ثم في عام ١٩٧٠م، حضرت إلى القاهرة للعمل مع د. «مفتاح». وقد قامت، بحكم خبرتها في النظام المجرى للتدوين الموسيقى، باستخدام أرشيف تسجيلات المعهد في عمل تدوين تفصيلى دقيق لموسيقى ليتورجيا (طقوس) قداس القديس «باسيليوس»، نشرته الجامعة الأمريكية في إطار التعاون الدائم بين قداسة البابا «شنودة الثالث»، و«مارك لينز» مدير النشر بالجامعة الأمريكية في القاهرة، ود.«مارثا روى»، ود.«مارجيت توث».
وقد قدَّمت حكومة «المجر» إلى «المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى» لَوحة تقديرًا وتخليدًا للتعاون المشترك بين «المجر» و«مِصر». وإلى مزيد من هذا التعاون بين البلدين في عديد من المجالات الاقتصادية والثقافية.
و... وعن مصر الحلوة الحديث لا ينتهى...!
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com