ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

مرحى لقرارات العبادي الإصلاحية

د. عبد الخالق حسين | 2015-08-11 09:14:10

بقلم : د.عبدالخالق حسين

لقد بلغ الفساد المتفشي في أجهزة الدولة العراقية، وتردي الخدمات ومنها أزمة الطاقة الكهربائية، وسوء معاملة الموظفين في دوائر الدولة للمراجعين، وعدم تمشية معاملاتهم إلا بعد دفع الرشوة، إلى حد أن بلغ السيل الزبى مما أدى إلى إنفجار الجماهير في تظاهرات احتجاجية في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب. وفي مقالي الأخير الموسوم (أزمة كهرباء، أم أزمة أخلاق؟)، استنتجت فيه أن هناك أزمة أخلاق التي هي أم الأزمات ومنها تتفرخ وتتشعب الأزمات الأخرى. و قد وصلتني تعليقات من عدد غير قليل من القراء الأفاضل، مؤيدة لهذا الاستنتاج.

وعادة يلقى اللوم في الفساد على رئيس السلطة التنفيذية، باعتباره رئيس مجلس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة. واستجابة لهذه التظاهرات أصدرت المرجعية الدينية المتمثلة بالإمام علي السيستاني، يوم الجمعة (7 آب 2015)، نداءً طالبت فيه الدكتور حيدر العبادي، رئيس الوزراء: (أن يكون أكثر "جرأة وشجاعة" في خطواته الإصلاحية، والضرب بيد من حديد لمن "يعبث" بأموال الشعب، كما طالبته بعدم التردد في إزاحة المسؤول غير المناسب وان كان "مدعوما".)
وفي الظاهر، رحب الجميع بهذا النداء، بمن فيهم أولئك الذين توجه لهم أصابع الاتهام في الفساد. وعلى سبيل المثال، أعلنت كتلة المواطن (حزب السيد عمار الحكيم)، ترحيبها بالنداء، ولكنها اتخذت قراراً غريباً وهو تعليق وزرائها في الحكومة، وربط عودتهم بالإصلاح الذي طالبت به المرجعية الدينية! وفي رأينا أن هذا الاجراء هو انتهازي مفضوح، وهروب إلى الأمام، القصد منه إعفاء وزرائهم من هذه الأزمات، وإلقائها على الآخرين، من أجل خدع الجماهير والكسب السياسي.

واستجابة لهذه التظاهرات الشعبية، و نداء المرجعية، أصدر الدكتور حيدر العبادي، رئيس مجلس الوزراء، صباح يوم الاحد (9 آب 2015)، (جملة من القرارات، تضمنت تقليص فوري بأعداد الحمايات لكل المسؤولين بضمنهم الرئاسات الثلاث، وإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فوراً، وإبعاد جميع المناصب العليا عن المحاصصة الحزبية والطائفية، وترشيق الوزارات والهيئات لرفع الكفاءة وتخفيض النفقات، وإلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات ومؤسسات الدولة والمتقاعدين منهم، وفتح ملفات الفساد السابقة والحالية باشراف لجنة "من اين لك هذا").(1)
في الحقيقة يمكن وصف هذه القرارات بأنها قرارات ثورية جديرة بالدعم والترحيب من قبل كل الوطنيين المخلصين للعراق، لأنها تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح لمحاربة الفساد، وتوفر الأموال لخزينة الدولة تقدر بالمليارات من الدولارات والتي تصرف الآن على نواب الرئاستين وحماياتهما، إضافة إلى الاستفادة من آلاف عناصر الحماية وإعادتهم للقوات المسلحة لحماية أمن المواطنين من الإرهاب والجريمة المنظمة، بدلاً من إشغالهم في حماية عدد قليل من أشخاص تم تعيينهم في مناصب عليا لا لحاجة الدولة لهم، بل لإرضائهم وكسب سكوتهم، لأنهم يقودون كتلاً سياسية. ونأمل أن تكون هذه القرارات أول الغيث في الإصلاح السياسي، ومكافحة الفساد والرشوة وأزمة الخدمات، والإصرار على تنفيذها لتليها قرارات إصلاحية أخرى مكملة لها.

طبعاً لا يمكن تنفيذ هذه القرارات إلا بعد حصولها على موافقة مجلس البرلمان. وبما أن موافقة البرلمان منوطة ليس بالنواب الذين أنتخبهم الشعب، بل برؤساء كتلهم السياسية، أي نواب الرئاسات المقرر إلغاء مناصبهم. ولكن في جميع الأحوال، يكون رئيس الوزراء هو المنتصر، لأنه في هذه الحالة هو أشبه بلاعب شطرنج ماهر واجه خصمه بـ(كش ملك) من الجانبين. فإن وافق البرلمان، فهو انتصار له وللشعب العراقي، وإن رفض، فسيفضح الذين صوتوا ضده، ويكشفهم للشعب على حقيقتهم أنهم هم الذين وراء الفساد والأزمات، وضد الإصلاح. وبذلك يبطل إدعاءات المدعين بشخصنة أزمات العراق وإلقاء اللوم على رئيس الوزراء وحده وتبرئة أنفسهم منها.
 
لذلك، ونظراً لغليان الشارع العراقي، والتظاهرات الاحتجاجية من قبل الجماهير في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وتجاوب المرجعية مع مطالب الجماهير، شعرت قيادات الكتل السياسية بالإحراج، وأن لا مفر لها إلا بركوب الموجة، والاستجابة لهذه القرارات. ولذلك "أعلن ائتلاف الوطنية بزعامة اياد علاوي تأييده لقرارات رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي الاصلاحية، مؤكدين على تمريرها في مجلس النواب"(2)، الأمر الذي دفع أسامة النجيفي بأن يحذو حذو زميله أياد علاوي، إذ أفادت الأنباء أن "أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية وجه الوزراء والنواب التابعين لكتلته الوزارية والبرلمانية بدعم وتأييد قرارات حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء."(3). ليس هذا فحسب، بل و سارع السيد بهاء الأعرجي، أحد نوائب رئيس الوزراء بإعلان استقالته من منصبه بعد أن وجهت له تهمة الفساد.(4)

أما التحالف الكردستاني فالغريب أنه ربط تأييده لقرارات رئيس الوزراء من اجل الاصلاح، بعدم شمولها للنزيهين(5). وهذا لغز يحتاج إلى حل، فأي فاسد يمكن أن يعتبر نفسه نزيهاً لتقوم كتلته بالدفاع عنه، وهذا ما حصل عندما وجهت حكومة السيد نوري المالكي تهمة الإرهاب إلى طارق الهاشمي، ورافع العيساوي، ومحمد الدايني وأحمد العلواني، فانبرت كتلهم السياسية للدفاع عنهم، علماً بأنهم أدينوا بالإرهاب من قبل القضاء. في الحقيقة لا خوف على النزيهين من الإصلاح ولا هم يحزنون، وإنما هذا الشرط الذي ذكره النائب الكردستاني في تأييد القرارات هو عذر واه لمنحهم مرونة في المناورة ضد الاصلاح، فهذه القرارات هي بحق الفاسدين والمفسدين من الذين سرقوا قوت الشعب.

على أية حال، هذه القرارات مفرحة وواعدة بالخير، وتستحق كل الدعم والترحيب، نتمنى على الدكتور حيدر العبادي، أن يستفيد من خلفيته العلميه، وخبرته السياسية لسنوات طويلة قضاها في بريطانيا، أن يكون حذراً من مافيات أعداء الإصلاح الذين تضررت مصالحهم بهذه القرارات، فتأييدهم لها هو إجراء اضطراري مؤقت، لأنهم خبراء في الخبث والتآمر، يعرفون متى ينحنوا أمام العاصفة، ولهم جيش جرار من حملة الأقلام المأجورة، والمستشارين المرتزقة، ومعهم الدواعش، وتدعمهم حكومات ناصبت العداء للعملية السياسية في العراق، مثل السعودية وقطر وتركيا، فهذه الموافقة قد تكون مؤقتة وإلى أن تهدأ فورة الغضب الشعبي، ومن ثم يحاولون الالتفاف عليها بحملة الإرهاب الداعشي، وبلبلة الأفكار، ولي عنق الحقيقة والقيام بأعمال من شأنها إرباك الحكومة، وإلقاء اللوم على الإصلاحيين بدلاً من الفاسدين. فللفساد جيش يحميه من كتبة وعاظ السلاطين، محترفون في التضليل والتلاعب بعقول الناس، فيطرحون أقوال حق يراد بها باطل. لذلك فترحيبهم بقرارات الإصلاح هو إجراء مؤقت، ينتظرون اللحظة المناسبة للالتفاف عليها وتفريغها من مضمونها، إذ كما قال
روابط ذات صلة
1- تفاصيل حزمة الاصلاحات التي دعا اليها العبادي والتي صوت عليها مجلس الوزراء


2- ائتلاف الوطنية تعلن تأييدها لقرارات العبادي وتؤكد سندعمها في مجلس النواب


3- النجيفي يوجه كتلته الوزارية والبرلمانية بدعم وتأييد قرارات العبادي


4- بهاء الاعرجي: من اتهمني تحت قدمي .. ويختم مؤتمر صحفي له بإعلان استقالته


5- التحالف الكردستاني يربط تأييده لإصلاحات العبادي بعدم شمولها للنزيهين
 

 

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com