فى البدء كان الفراغ.. لا شىء أكثر من خليج وبحر وبينهما صحراء قاحلة، يقطعها الواحد راكباً أو ماشياً، رغم أن هناك فرصة للإبحار عبر طرق كثيرة: إذن لا مفر من أن تربط بينهما قناة، فمن يحفرها؟.. «يحفرها مصريون تابعون لشركة مصرية».. «لا بل شركة فرنسية».. يقرر «الباشا» منح امتياز حفر القناة لـ«الخواجة الفرنسى»، ويقدم له كل شىء.
حكايات وروايات تناقلتها الأجيال المتعاقبة عن المجرى الملاحى الضيق الذى ربط بين خليج السويس والبحر المتوسط، وأصبح يعرف منذ افتتاحه فى عام 1869 بـ«قناة السويس». عن تسهيله للتجارة بين العوالم المختلفة، عن الفلاحين الذين انتزعتهم السلطة من قراهم قسراً ليحفروا المجرى بـ«المقطف والفأس»، وعندما سقطوا بالمئات ضحايا للسُّخرة دفنهم زملاؤهم فى الصحراء الواسعة.
عن «الخواجة الفرنسى» الذى استولى هو وبلاده على حصة كبيرة من أسهم القناة فصارت ملكية خاصة يتصرفون فيها كيفما يحلو لهم. عن «الخديو» الذى أقام حفلاً أسطورياً لافتتاح القناة، دعا إليه ملوك وأباطرة عصره فأقام لهم الولائم، وأنشأ لهم القصور وعرض أمامهم أوبرا غنائية صُممت خصيصاً لتلك المناسبة. عن حصة مصر فى القناة التى تخلت عنها وفاء لديون ضخمة تسبب فيها إسراف الخديو الشهير. عن المعارك الطاحنة التى دارت على ضفافها منذ أن وقف ضابط جيش مصرى أمام الخديو ليعرض عليه مطالب الشعب فيرده الخديو رداً خشناً يجعله يحشد الجيش ضده، ويتطور الأمر إلى مواجهات تدور بالقرب من القناة، وتنتهى باحتلال إنجلترا لمصر فى نهاية القرن التاسع عشر.
عن مشاكسات ومناورات يقوم بها شباب فدائى غاضب من الاحتلال الإنجليزى الذى أصبح يستقر منذ أربعينات القرن الماضى عند القناة، فتدور الدائرة فإذا بجيش الاحتلال يواجه فرقة بوليس مصرى فى مدينة على ضفاف القناة لتقع مذبحة دامية للقوات المصرية تصنع الدولة من ذكراها عيداً سنوياً لشرطتها، عن الإرادة المصرية التى هزمت عنجهية الغرب حين أعلن شاب مصرى أسمر تولَّى رئاسة البلاد عقب ثورة بيضاء قراره بـ«تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية»، وعن جنون ذلك الغرب عقب قرار التأميم ومحاولة انتقام تبلورت فى عدوان لثلاث دول هزمها جميعاً شعب مدينة صغيرة تستقر على مدخل القناة من جهة البحر المتوسط، عن نفس الشاب وقد غدا رجلاً ينهزم أمام كيان شيطانى يزرع على ضفة القناة خطاً دفاعياً وحائطاً ترابياً ضخماً ليمنع المصريين من عبور القناة حتى لا يستعيدوا الأرض التى اغتصبها منهم، وعن رئيس آخر حقق المعجزة حين أعطى الأمر لقوات الجيش بعبور القناة واستعادة الأرض المغتصبة، ثم تطهير المجرى الملاحى بعد ذلك وافتتاحه أمام العالم بعد إغلاق دام لبضع سنوات، وأخيراً عن الروح التى بُعثت من جديد فى أجساد آلاف العمال المصريين ليحفروا قناة جديدة، إلى جوار القناة القديمة، فى عام واحد فقط، فيستحقون أن يتحدث عنهم العالم، وينحنى أمام إرادتهم الصلبة التى لا تلين حتى ولو ظن البعض غير ذلك.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com