ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

هو إحنا «بهايم»؟!

بقلم: مفيد فوزي | 2015-08-01 14:07:29

أكتب دون خوف أو قلق أو تردد أو حساسيات، نحن فى عام ٢٠١٥

-١-

مصر، ليست محظوظة بوزراء ثقافتها، آخر العظام فى الزمن الناصرى، كان د. ثروت عكاشة، وآخر العظام فى الزمن الحديث، كان فاروق حسنى، وآخر الوزراء المثقفين المحترمين كان د.جابر عصفور «اللى مشى لمقالاته التنويرية المؤثرة فى بنيان الأزهر»، بعد ذلك جاء وزراء ثقافة من المغمورين «اللى عمرك ما تسمع عنهم»، ذهب عصر الجنيه الذهب وبقيت «شوية فكة»! على حد تعبير الموسيقار محمد عبدالوهاب، ولا يهمنى إذا كان وزير الثقافة مرشحاً من الأزهر أم من جهة أخرى، المهم عقله ورؤيته وآفاقه الذهنية ودرجة انفتاحه لا انغلاقه فى وجه الإبداع إلى درجة معاداته لجبهة الإبداع، ومسألة مساهمته فى الاحتفال بقناة السويس الجديدة أمر روتينى بحت سيقوم به أى وزير من أى فصيل، ولا يبرر بقاء «الأخ» وزيراً للمثقفين فى دولة، مصدر فخرها مثقفوها وثقافتها العريقة. ومش كل واحد يسبق اسمه حرف الدال يبقى مثقف، إن بعضهم «أجهل من دابة»، أما العزيز الطيب حقاً «إبراهيم ولد محلب» فأنا أشفق عليه من محاولات التوافيق والتباديل، فالرجل من «عصام الأمير وصفاء حجازى» إلى «وزير الثقافة وجبهة الإبداع»، ومن الممكن يفطس منا فى السكة، لأن لكل إنسان طاقة ومحلب ليس سوبرمان، صحيح هو عسكرى مطافى الدولة، كلما شب حريق فى أى مكان حكومى، سارع للإطفاء، والخوف كل الخوف أن تطال النار ملابسه!! هل إحنا بهايم مش شايفين ولا فاهمين؟!

-٢-

صار أمراً طبيعياً أن تفتح صحف نهار جديد فتقرأ مانشيت أسود مصرع ٢٠، ٢٥، ٥٠ بنى آدم، ولن يقشعر بدنك فقد تكررت كلمة «مصرع» مئات المرات، إما على الأسفلت أو فى انهيار عمارة آيلة للسقوط أو فى حريق مدمر، والعياذ بالله، وآخر الأخبار مصرع ٢٥ عاملاً بحريق هائل فى مصنع بالعبور، ومش مهم أسباب الحريق لأنها «إما ماس كهربائى أو أنبوبة بوتاجاز فرقعت» لكن الأخطر هو ما صدر عن مصدر أمنى «أن المصنع إياه لم يحصل على تصاريح التشغيل بشروط الأمن الصناعى من قبل الإدارة العامة للحماية المدنية». شىء غاية فى الغرابة ولا يصدكه عكل، كيف يبنى مصنع كبير ولا يحصل على تصاريح التشغيل بشروط الأمن الصناعى، هل إحنا بهايم؟ بمعنى هل إحنا لا نفهم الأصول، ولا نعرف ما المطلوب؟ هل يجوز أن أمشى فى الشارع بدون (بطاقة رقم قومى)؟ هل يجوز قيادة سيارة بدون رخصة؟ هل يجوز السير عكس الاتجاه ونعلم أن الكارثة قادمة ومحققة إذا كنا ندرك هذه الحقيقة الناصعة ونصر على السير عكس الاتجاه نكون من «البهايم»! تعالوا نحدد معنى البهيمة؟ إنه «بنى آدم» غير مدرك أو فاهم أو مستوعب! إنه «بنى آدم» أغلق مخه بالضبة والمفتاح وألقى بالمفتاح فى قمامة السبتية أو مجرى العيون، هناك مثل عامى يحضرنى هو «نقول طور يقولوا احلبوه»؟! هل هو التعليم المنحط أم الأخلاق الغائبة جعلت من بعضنا - دون تعميم ظالم - «بهايم».

-٣-

رحم الله كاتبنا الكبير أحمد رجب يوم قال عن «المستشفى الأميرى»: هى «مش تشفى»! لقد لخص أحمد رجب المنظومة الصحية فى بلدنا بكلمتين لا ثالث لهما، أليس غريباً أن تأخذ الأمهات فى قرية أطفالهن، فلذات أكبادهن، الذين يطلقون عليهم «الضنى» بالألف أو الياء لا يهم! يأخذن أطفالهن للموت، إحنا أكيد بهايم! ربما بحسن الظن والنية، نعم صدقنا أن عندنا مستشفى نعالج فيه الأطفال، وصدقنا - لأننا بهايم - أن وزارة الصحة صاحية وبتراقب كل نملة، هل تعلمون ماذا فعل وزير الصحة - بعد الكارثة لا قبلها - أغلق مصنعاً اسمه «المتحدون»!! هل تعلمون ماذا فعل معالى الوزير - بعد الكارثة لا قبلها - سحب محلول الجفاف من الأسواق، وكالعادة، فتحت النيابة التحقيق «سين؟ جيم» والطب الشرعى شرحه، وتظهر صحف الصباح لتعلن أن إحدى الضحايا ماتت، ليس بالمحلول القاتل، إنما نتيجة سوء وظائف الكلى واضطرابات فى المخ بسبب مواد كيميائية!! والله بهيمة اللى يصدق الكلام ده.

ولم ينس - كالعادة الأميرية منذ مئات السنين - أن يزور السيد محافظ بنى سويف المصابين فى المستشفى ويختار المستشفى سريراً نظيفاً ومغطى بمفرش أكثر نظافة «علشان الصورة تطلع حلوة» ولم ينس محافظ بنى سويف «موطن الكارثة» أن يقوم بواجب العزاء لأسر الضحايا، الطريف فى الأمر أن مسؤولاً متحدثاً رسمياً باسم النقابة العامة لمصنعى المستحضرات الطبية أعلن - بعد كارثة أطفال بنى سويف لا قبلها - أن «مخازن وزارة الصحة زبالة»، عايز أسأل: إحنا بهايم مابنفهمش؟ طيب لما هى زبالة.. كان لازم يموت أطفال علشان تعلن هذه الحقيقة الصادمة وكيف مخازن الوزارة غير مكيفة ودرجة الحرارة مرتفعة للغاية وتساهم فى انتهاء صلاحية المحاليل بطريقة سريعة؟ كما أن المخزن الرئيسى لوزارة الصحة وهو مخزن التموين الطبى، يعانى من هذا القصور، وقال المسؤول - لا فض فوه - إن فساد المحلول سببه الأرجح التخزين، لأنها عبارة عن «زبالة وفيران»، وتقولى محلب يشيل ويقيل ويرفد؟ دى البلد عايزة عشرة محلب ومعاه الكتيبة ١٦ يطهر البلد من ناس معفنة نايمة على روحها ولازم تشخط فيها علشان تصحى؟ معقولة - ياربى - مواد التموين الطبى أسلوب تخزينها بهذا السوء؟! ويا أطفال مصر الفقراء، لكم رب يرعاكم من مستشفى معدم الإمكانيات ومحلول جفاف مخزون مع الفيران!

-٤-

معدية الموت!

أشعر بخجل وأنا أعدد كوارث مصر المعنوية والمادية «من حبس العقول فى مخزن العفونة والخوف من ضوء التنوير، إلى خزن مواد تموين طبى منها أدوية أطفال مع الفيران».

و.. أتذكر حكاية!

وأنا أقدم برنامج حديث المدينة الذى كان «كف الدولة» يوماً ما، تصادف حدوث حادث شحط مركب صيد بسبب تجاوز الشمندورة وبسبب كثافة ورد النيل واستضفت الكيميائى «.....» الذى قال لى قبل التسجيل فى مكتبه: «عارف يا أستاذ مفيد، النيل ده يتيم لا له أب ولا أم ولا عم ولا خال، تقدر تقول مقطوع من شجرة، الكل بيرمى فيه بلاويه، حكومة ماشى، قطاع خاص ما يضرش، مصانع دولة مهمة شغال، كل الدنيا بترمى فيه مخلفاتها، هعمل إيه واللا إيه، فالنيل حالته تغم».

وبدأ التسجيل، وسألت الكيميائى «....» عن النيل؟ فانجعص فى الكرسى وقال: النيل؟ بتسألنى عن النيل؟ ده أبو نعمتنا وعم حضرتنا وسر النماء وسبب حياتنا، بنشرب منه وناكل منه إحنا ومواشينا، النيل، يا جماله والمراكب بالليل بتلعلع؟!! و..... واستأذنت الضيف الكريم أن أتكلم مع المشاهدين، فقال لى: اتفضل، فقلت: ضيفى المحترم سألته عن النيل قبل التسجيل فقال لى: النيل يتيم لا له أب ولا أم ولا عم ولا خال، تقدر تقول مقطوع من شجرة، الكل بيرمى فيه بلاويه! وعدت لضيفى الذى لم ينطق أسأله: هل هناك تشريعات لحماية النيل من التلوث ومن الاعتداء عليه ومن اتخاذه وسيلة مواصلات؟ قال الكيميائى: بالنسبة لمنع التلوث، توجد قوانين على ورق، وبالنسبة للاعتداء عليه توجد تشريعات غير عملية، وبالنسبة للنيل كوسيلة مواصلات، فالأتوبيس النهرى حكومى غلبان ولازم شركة قطاع خاص، أما المراكب والمعديات فهى غير مرخصة وماشية بالبركة وحوادثها فى الأعياد ياما وآخر مصايبها رحلة مدرسة فى العيد.

حدث هذا الحوار وأذيع منذ أكثر من ١٢ سنة وأكثر! ولابد أن أصحاب القرار فى نيل مصر إما مصابين بالزهايمر أو اعتنقوا مبدأ «آهى ماشية بالبركة»، لا شىء تغير، لا رقابة نيلية صارمة ولا مسطحات مائية صاحية، ظل الأمر على ما هو عليه وعلى المتضرر أن يتضرر، فالحكومة ترمى بلاويها فى النيل والاعتداء خاضع للغرامات والتلوث على أهبته ولا اعتراض من أحد، وثبت لى أن النيل «يتيم» ملوش صاحب والدليل القوى هو حادث كارثة النيل أمام الوراق، فلم يكن الأمر مفاجأة لى، هذا الإهمال الطويل كان من الطبيعى أن يصل بنا إلى مثل هذه الحالة، التحقيقات ستسفر عن العنصر البشرى والإهمال، الإهمال الذى صار فيروساً فى الشخصية المصرية وأتوقع فى القريب العاجل «مصيبة نيلية» فى مكان آخر تسير بلا ترخيص، ويصاحبها اللطم على الخدود والدموع، سيظل الأمر كذلك مسلسلاً حتى يعلن اختيار رجل من الطراز المميشى العسكرى مشرفاً عاماً على النيل بصلاحيات واسعة، ساعتها ستتقلص حوادث النيل إلى الصفر! وأتوقع مصائب قطارات لأن المزلقانات أغلبها فى المخازن ولا يزال مرفق السكة الحديد «رخواً»، فإذا كانت المزلقانات سليمة، طلعت مشاكل فى الفلنكات!! وما لم نفتش ليل نهار ونراقب بضمير ونتبع شروط الأمان النهرى والأمان الصحى والأمان الحديدى وليس «الحضيضى» ستتكرر الحوادث واللطم على الخدود والدموع!

-٥-

تأملوا معى:

١- فى اليابان استقال وزير الطيران المدنى بسبب سقوط طائرة ركاب أصيبت إحدى مراوحها بعطب مفاجئ.

٢- فى الصين، وحضرت الواقعة، تم تقديم ٩ أفراد للمحاكمة وتم إعدام فردين وسجن ٧ أشخاص بعد تسمم مصنع بسكوت أدى إلى وفاة ٩٠ طفلة.

٣- فى ألمانيا تم إعفاء وزير النقل وسجن خمسة من مساعديه فى مقاطعة هنوفر بعد حادث قطار خرج من القضبان وأدى إلى وفاة ١٧ شخصاً وإصابة ٧٠ شخصاً.

٤- فى نيويورك تم عزل أكبر جراح فى مستشفى عظام بسبب خطأ فى بتر الساق السليمة لمريض وألحق الجراح الكبير فى قسم الأرشيف ويرأسه شاب فى عمر ابنه!

٥- فى نيجيريا حكم على صاحب شركة مصانع مصاعد بالإعدام شنقاً بعد اكتشاف أخطاء فنية فادحة فى المصاعد أدت إلى سقوطها بحمولتها موتاً.

وهكذا العالم يتعامل مع الإهمال بقسوة ولهذا يبدو عالماً متقدماً، أما نحن فنعالج كوارثنا «ببوس الرؤوس» ونقيل المسؤول «لديوان الوزارة» وأحياناً
«مكافأته بموقع آخر».. هل هذا العالم من نوعية معينة من البشر وجينات أخرى أم عفواً «إحنا بهايم»؟

نقلا عن المصري اليوم

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com