حتى لو كان تصدير الثورة مادة من مواد الدستور الإيراني، فهذا أمر متوقع من الثورات الأممية حتى بغير وجود لهذه المادة في الدستور، كان هذا هو بالضبط الركن الأساسي في الثورة الشيوعية في روسيا في بداية القرن الماضي. وحتى الحكومات العسكرية الثورية في منطقتنا، هي أيضا كانت حريصة على تصدير المتاعب لجيرانها. هذا هو ما يفكر فيه الثائر دائماً عندما يصل إلى السلطة. هو يشعر بالخوف طوال الوقت، ويتوقع ضربة قادمة من مكان ما تطيح به وبثورته. كل هذا الخوف يصب في اتجاهين؛ أن يزعج جيرانه حتى لو أنفق في سبيل ذلك نصف ميزانية شعبه، والاتجاه الثاني هو البطش بخصومه في الداخل بكل قسوة. لا أحد قادر على نسيان جثث البشر الذين علقهم الخميني على أعمدة الكهرباء في شوارع طهران.
ولكني أزعم أن الواقع هو أعظم المرشدين في التاريخ، الواقع هو المرشد الوحيد الذي يستحق لقب المرشد العام. الواقع قادر على إرغام كل القيادات الثورية على الفهم الصحيح لأحوال شعوبهم وأحوال الدنيا. الأستاذ عبد الرحمن الراشد استخدم صورة بليغة لوصف النظام في إيران، قال إنه وحش كان
مربوطاً إلى شجرة، ماذا سيفعل بنا بعد أن أزيلت عنه القيود..؟
الواقع أن الوحش أتيحت له الفرصة للتفكير في حاله المؤلم على ضوء الواقع وأنه لا يكسب شيئاً بمعاداة العالم كله وبمعاداة جيرانه. ومهما كانت درجة وحشيتك، فعندما تقيد حركتك وتكون مربوطاً إلى شجرة لسنوات طويلة، فلا بد أن تتاح لك فرصة حقيقية للتفكير في واقعك واكتشاف كم كنت مخطئاً في نظرتك للأمور. وبذلك تكون هذه الاتفاقية هي فرصتك للعيش في سلام مع شعبك ومع الدنيا. هذا هو ما أتصوره. ولكني لا أدعو أحداً للاستسلام لهذا التصور، فقد يكون الوحش غبياً للدرجة التي لا يرى فيها ما حدث في عدن ولا يرى أن هزيمته في اليمن وفي أماكن أخرى محققة، ولذلك سأكتفي بذكر كلمة أوباما: لست أستند للثقة.. بل للتفتيش.
لا تستطيع تفسير الفرحة التي عمّت الشارع الإيراني بعد الاتفاقية إلا بالاعتراف أن الشعب الإيراني لم يعد متحمساً للأفكار الثورية التي حرمته طويلاً من رفاهية هو يستحقها وقادر على تحقيقها. الشعب الإيراني يمثل الواقع الجديد في إيران وفي المنطقة، الشيطان الأعظم لم يعد يجد له سكنى في عقله. من ناحيتنا نحن، ماذا سنفعل..؟ لا بد من الاعتراف أن معلوماتنا ككتّاب عن إيران قاصرة تماماً، لقد جاء الوقت الذي نتكلم فيه مع بعضنا البعض بمزيد من الفهم المشترك.
أهم جانب في الاتفاقية هو حرية التجارة، والتاجر هو من يصنع الحضارة - وِل ديورانت في «قصة الحضارة». والتجار الإيرانيون لن يتاجروا مع أنفسهم، بل مع تجار من العالم كله وأولهم بالطبع تجار دول الخليج، هذا هو الواقع الذي سيصنع السلام في المنطقة. وإذا كان السيف أصدق أنباء من الكتب، فحرية التجارة أصدق أنباء من كل أجهزة العمل السري في إيران، حرية التجارة هي الواقع القادر على تقييد كل الوحوش وربطها بالسلاسل الحديدية إلى أشجار فتفقد إلى الأبد حريتها في إزعاج جيرانها.
نقلا عن الشرق الاوسط
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com