العرى والمخدرات والعنف جزء من الحياة، وعجبى على من يرى هذه الحقيقة شاخصة فى الواقع، ثم يمطرنا بعد ذلك بوابل من القذائف الأخلاقية التى تنعى حال المسلسلات التى تحتشد بمشاهد الإدمان وتعاطى المخدرات، أو تلك التى تم تصويرها خصيصاً فى غرف النوم، ويزيد العجب عندما يتصل الأمر بمشاهد العنف!. من حق كل شخص بالطبع أن يكون له رأى فى مسلسلات رمضان، ولكن عندما يأتى هذا الرأى من السلطة، فإن المسألة تختلف، من الرائع بالطبع أن تغازل أى سلطة شعبها، فتعرب عن مشاركتها له الشعور بالتأفف والتقزز من مشاهد العنف والتعاطى وقلة الأدب التى تتزاحم داخل بعض المسلسلات، على أساس أنها واثقة من أن ذلك لن يمنع هذا الشعب من مشاهدتها، مثل أشياء كثيرة فى حياتنا، ينكرها الناس ويسبونها ليل نهار، ومع ذلك يقبلون عليها بنهم. السلطة فاهمة شعبها وتعرف كيف تديره.
يتأمل المواطن البسيط القصور الفخمة الضخمة التى ترسمها المشاهد فى المسلسلات، والفنادق ذات النجوم التى لا تعد ولا تحصى، وحمامات السباحة، والفتيات والسيدات داخل المجتمع المخملى الذى يجتهد المخرجون فى تصويره ونقل معالمه وتفاصيل الحياة فيه إلى المواطنين الفقراء، ولست أدرى هل يقوم هؤلاء بذلك بشكل مقصود أم غير مقصود، لأن ثمة دراسة علمية أجريت على مشاهدى الأعمال الدرامية أثبتت أن المشاهدين الأغنياء يميلون إلى مشاهدة الدراما التى تعرض حياة البسطاء وصراعهم من أجل البقاء، وأنماط القيم والأفكار التى تتسكع فى أدمغتهم وتحدد رؤيتهم للحياة، وفى المقابل من ذلك يميل الفقراء والبسطاء إلى مشاهدة الأعمال الدرامية التى تعرض حياة الأغنياء، ومتعهم، وأساليب معيشتهم، وتفاعلهم داخل أسرهم، ومع بعضهم بعضاً، وسعيهم المحموم إلى جمع المال بشتى الطرق، ومن كافة الاتجاهات، وأنواع وأشكال المتع التى يحصلون عليها.
فى الدراما يميل المشاهد فى الأغلب إلى متابعة الأعمال التى تعالج الحياة النقيضة لحياته، ولا خلاف بالطبع على أن ثمة أعمالاً درامية تعالج قيماً إنسانية عميقة وخالدة ومتواصلة تجعلها محل إقبال من جميع الطبقات، خصوصاً إذا انشغلت بحالة الصراع بينهما، مثل دراما «الشهد والدموع»، و«ليالى الحلمية» للمبدع أسامة أنور عكاشة. الآن لا تكاد تظفر بعمل درامى يتناول حياة الفقراء إلا قليلاً، فأغلب المسلسلات الرمضانية اعتنت بالأساس بإبراز صراعات وعراكات المال وأصحاب المال والسلطة والنفوذ. ولا يدرك صناعها أن البسطاء الذين يقبلون على مشاهدة هذه الأعمال يلاحظون بأعلى درجات العمق الطرق التى يحصل بها أبطال هذه المسلسلات على المال -وغالباً ما تكون طرقاً ملتوية- وأساليب حياتهم، والمتع التى يغرقون فيها، ونتيجة الاستغراق فى المشاهدة يتولد لدى البسطاء إحساس بأن كل من يملك فى هذا البلد لا بد أن يكون «حرامى» ولصاً عتيداً. يكفى لكى تتأكد من ذلك أن تلاحظ سلوك بعض الفقراء الذين يتسولون فى إشارات المرور، وسوف تجد أنهم يطلبون المساعدة بدرجة غير قليلة من الفظاظة، قناعة منهم بأن من يمتطى صهوة هذه السيارة لصاً، وإلا ما استطاع شراؤها. إنها لعبة الدراما التى تقوم بدور مهم فى تثقيف الناس وتكوين وجدانهم، كما يمكنها إشعال حالة من الصراع وإقامة تلال من الحقد فيما بينهم، بشكل يجعل بأس أبناء المجتمع فيما بينهم شديد، فى حين يبتعدون أشد البعد عن السلطة، التى تظن أن وعظ الناس بالحديث عن الأخلاق الضائعة يثير بداخلهم رغاوى محبتها!.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com