هل يعتقد من يحكمون مصر الآن أنهم قد نجحوا في القضاء على الجماعة الإرهابية، من خلال المواجهة الأمنية عبر العامين الماضيين ومنذ خرج الشعب المصرى مطالبا بعزل مرسي وإقصاء جماعته الإرهابية من المشهد السياسي المصرى برمته، إذا كانوا يعتقدون هذا فهم واهمون لأن الجماعة بالأساس حركة اجتماعية لها أفكار وأهداف محددة وتنظيم حديدى وامتداد خارجى دولى ورصيد اجتماعى متغلغل داخل بنية المجتمع ومتقاطع مع كل الشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية، وبالتالى فالمواجهة الأمنية مع الحركات الاجتماعية تجعلها تمر بمحنة لكنها أبدا لا تقضى عليها فالتضييق والمحاصرة على الحركات الاجتماعية يجعلها تكمن وتخمل وتلجأ إلى ابتداع أساليب من التحايل.
والجماعة الإرهابية لديها رصيد ضخم من المحن وبالتالى لديها مخزون كبير من الحيل للتعامل مع عمليات التضييق والمحاصرة حيث يتجهون للعمل السرى تحت الأرض، فالحركات الاجتماعية تمرض لكنها أبدًا لا تموت، لذلك يجب على القائمين على شئون الحكم في مصر الآن أن يتعاملوا مع الجماعة الإرهابية من خلال رؤية علمية، بعيدا عن أساليب الفهلوة التي كان يتبعها معها نظاما السادات ومبارك وهو ما أدى إلى تمدد الجماعة وانتشار نفوذها داخل ربوع الوطن وخارجه.
بالطبع تعد المواجهة الأمنية أحد أهم الأساليب التي يجب اتبعها في مواجهة جماعة تمتلك مليشيات مسلحة تقوم من خلالها بإشاعة الفوضى وتهديد أمن واستقرار الوطن والمواطن، لكن هذه المواجهة الأمنية والتي استخدمها القائمون على الحكم في مصر خلال العامين الماضيين وجاءت بنتائج جيدة ليست كافية لمواجهة ومحاصرة الجماعة والحد من انتشار أفكارها وكسب رصيد اجتماعى جديد، حيث مازالت الجماعة تعمل داخل البيئات الحاضنة دون أن تتجه الدولة إلى هذه البيئات من أجل فصل الرصيد الاجتماعى للجماعة عن جسدها التنظيمى.
فالمواجهة الأمنية الموسعة لا تحاصر ولا تضيق على الرصيد الاجتماعى المتعاطف مع الجماعة لكنها تضيق فقط على الجسد التنظيمى في مستوياته العليا والمتقدمة ذلك لأن باقى الجسد التنظيمى والمتمثل في العضوية القاعدية لا يمكن التعرف عليه ولا الوصول إليه بشكل كامل في ظل حركة اجتماعية اعتمدت على أساليب العمل السرى تحت الأرض لسنوات طويلة ولا يوجد ما يثبت عضوية أعضائها وانتمائهم، وهو ما يفسر لنا كيف أعلن كثير من الأشخاص الذين أظهروا انتماءهم وولاءهم للجماعة الإرهابية عند وصولهم للحكم، ثم أعلنوا عدم انتمائهم للتنظيم وعضوية الجماعة بعد سقوطها في 30 يونيو 2013.
وكان من الغريب أن تعلن شخصيات كانت قريبة من مراكز صنع القرار في الجماعة أنهم ليسوا أعضاء بها، وهذه إشكالية كبرى في التعامل مع مثل هذه التنظيمات السرية والتي تعتمد على الفكرة والانتماء والولاء لها قبل الانتماء والولاء للتنظيم، وبالطبع الأمر فيما يتعلق بالرصيد الاجتماعى المتعاطف معها يكون أصعب.
لذلك حين نؤكد أن الجماعة الإرهابية مازالت موجودة ومازالت تعمل داخل البيئات الحاضنة وهى المناطق الريفية الفقيرة وكذلك المناطق العشوائية والشعبية الحضرية وهى المناطق التي يقطنها الغالبية العظمى من شعب مصر من الفقراء والكادحين التي أفقرتهم سياسات الحكومات المتعاقبة عبر ما يزيد على أربعة عقود كاملة، ففى الوقت التي أعلنت الدولة عن تخليها عن مسئوليتها الاجتماعية والاقتصادية عن مواطنيها، وجد المواطن نفسه في مهب الريح وعندما بدأ في البحث عن بديل لدور الدولة لم يجد غير الجماعة الإرهابية بديلا جاهزا، تمكنت من تقديم المساعدات والخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن ومن هنا بدأت في نشر أفكارها داخل هذه البيئات ومازالت تلعب نفس الدور رغم ما تعنيه من تضييق الخناق عليها من الناحية الأمنية.
لذلك يجب على الدولة أن تعود مرة أخرى لانتزاع دورها المفقود داخل البيئات الحاضنة وبذلك يمكنها مواجهة الجماعة الإرهابية مواجهة حقيقية وعزلها عن رصيدها الاجتماعى الذي يشكل لها شريان الحياة والذي تستمد منه أعضاءها، وهنا تكون قد خنقت التنظيم ومنعته من لعب دوره كحركة اجتماعية، وبالطبع هذه المهمة لا يمكن القيام بها في ظل حكومة تنتمى للنظام ثار عليه الشعب المصرى في 25 يناير، وهو نظام مبارك الفاسد الذي اعتمد على سياسات رأسمالية تابعة تعمل ضد مصالح الغالبية العظمى من شعب مصر، لذلك لابد من الإطاحة برجال فساد مبارك من المشهد كمقدمة للإطاحة بسياساتهم، وبعدها يمكننا الحديث عن إمكانية مواجهة الجماعة وفصلها عن رصيدها الاجتماعى وبيئتها الحاضنة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
نقلا عن فيتو
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com