الإخوان، فكرةً وجماعةً أو فكرةً وتنظيماً، وضع أساسها «البنا».. أحياناً كثيرة يخلط أعضاء الجماعة، حتى القيادات العليا منها، بين مصطلحى الجماعة والدعوة، فيتكلمون عن الدعوة ويقصدون الجماعة والعكس.. والجماعة هى مجموع الأفراد والهياكل الإدارية والتنظيمية واللجان النوعية التى تحمل الفكرة وتقوم بنشرها والتبشير بها والدعوة إليها، باستخدام مختلف الوسائل والأدوات والآليات.. الفكرة يمكن إيجازها فى هذا المصطلح السحرى، الإسلام، وأنه نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو كما قال «البنا»: «دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء». (التعاليم).. ويقول: «والحكم معدود فى كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع، فالإسلام حكم وتنفيذ». (المؤتمر الخامس).
وقد سعى «البنا» إلى إنشاء الجماعة منذ وطئت قدماه أرض مدينة الإسماعيلية.. وكانت البداية عام ١٩٢٨ بستة أفراد (إضافة إلى البنا)، ومع الوقت زاد عددها، وخلال حوالى عشر سنوات انتشرت فى كثير من محافظات مصر.. وقد استهدفت الجماعة إيجاد الفرد المسلم، فالأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم، الذى تنبثق عنه الحكومة المسلمة، وبعدها تأتى الخلافة الإسلامية، ثم أستاذية العالم.. وفى الطريق إلى ذلك تمر الجماعة بثلاث خطوات: التعريف والتكوين والتنفيذ، تمضى على التوالى والتوازى فى آن.. ويشمل التعريف نشر الفكرة بين الناس (أى الدعوة)، بينما التكوين يتضمن استخلاص وتربية العناصر التى تشكل الأساس أو الأعمدة التى يقوم عليها البناء أو الجماعة أو التنظيم.. أما التنفيذ فيستلزم توافر ثلاثة عناصر من القوة، قوة العقيدة والإيمان، وقوة الوحدة والارتباط، ثم قوة الساعد والسلاح حينما لا يجدى غيرها.. ويعتبر العنصران الأول والثانى شرطان ضروريان لاستخدام العنصر الثالث.. وبغض النظر عن الاحتياطات التى تحدث عنها «البنا»، فإن العنصر الأخير يدل على أنه هو من وضع للجماعة أساس استخدام العنف للوصول إلى السلطة حال استعصاء ذلك بالوسائل السلمية، وهو ما يعتمد عليه إخوان اليوم- كمرجعية- فى تبنى العنف والإرهاب فى مواجهة مؤسسات الدولة والشعب.. هذا إضافة إلى الأخطاء التى تضمنها فكر الرجل حول مجموعة من القضايا مثل: الحزبية (وبالتالى الديمقراطية)، الوطنية (خاصة وطنية الفتح، ووطنية الحزبية، وحدود وطنيتنا)، الخلافة، جنسية المسلم، القتال فى الإسلام، والتنظيم السرى للجماعة، وغيرها.
إن من أهم الملامح الفكرية والمنهجية التى ربى «البنا» أتباعه عليها أن اصطدام السلطة مع الإخوان، بدءاً بمصادرة الأموال والتحفظ على الشركات، وانتهاء بالتشريد والاعتقال والإلقاء فى السجون... إلخ، هو أمر حتمى مرتبط بطبيعة الدعوة نفسها، وبالانتشار والذيوع الذى تحققه، فضلا عن الهدف الذى تسعى إليه وهو الحكم.. ويؤكد «البنا» للإخوان أنه عندما يحدث هذا الصدام فعليهم أن يعلموا أنهم بدأوا سلوك طريق «أصحاب الدعوات»(!). لذا، نلاحظ أن دخول الجماعة فى صدام مع السلطة يمثل إحدى أهم المراحل فى حياة الجماعة، ويعتبرون ما يترتب عليه من تضييق وملاحقة ومطاردة وسجن واعتقال نوعاً من «الابتلاء»، أولاً: للتمحيص والاختبار، والارتقاء بإيمان الأفراد، ثانياً: حتى تنفى الجماعة عن نفسها خبثها، وثالثاً: حتى يتم فرز وتصنيف القدرات والإمكانات والطاقات، وذلك من منطلق قوله تعالى: «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين». (العنكبوت: ٢، ٣). بعد سنوات يخرج الإخوان من السجون لكى يبدأوا- تدريجياً وعلى مهل- فى لملمة شتاتهم وتجميع أفرادهم واستعادة هياكلهم الإدارية والتنظيمية.. فإذا كان المناخ مناسباً بدأوا يمارسون نشاطهم حسبما تسمح به ظروفهم.. ولأنهم لا يتعلمون من أخطائهم فهم يقعون فى نفس الأخطاء فيصطدمون أو يُستدرجون للصدام مع السلطة مرة ثانية وثالثة ورابعة، وهكذا.
وعندما تواجه الإخوان محنة سوف تلاحظ عليهم ما يلى، أولاً: القدرة المدهشة على امتصاص الصدمة، والثبات وعدم الاهتزاز، على الأقل ظاهرياً، ثانياً: اعتبار ما وقع اتساقاً مع سنن الله تعالى فى الدعوات، وليس لأخطاء ارتكبوها، ثالثاً: تصدير خطاب تحميس وتحفيز لأفراد الصف بأن المحنة يجب ألا تنال من عزيمتهم أو تضعف من إيمانهم ويقينهم بدعوتهم وجماعتهم أو عدم الثقة فى قيادتهم، فالقيادة كما يقولون «جزء من الدعوة»، ورابعاً: الالتزام بكفالة أسر المحبوسين، خاصة تلك التى لا توجد لديها مصادر رزق حتى لا تتعرض لأى فتن من ناحية، وللمحافظة على الرباط الذى يربطها بالجماعة من ناحية ثانية، وللتخفيف نفسياً عن المحبوسين من ناحية ثالثة.
وعلى الرغم من المحن والابتلاءات التى حفل بها تاريخ الإخوان إلا أنهم لا يتعظون ولا يعتبرون.. ولقد اشتمل القرآن على كثير من القصص، وما ذاك إلا للتذكرة والتفكر والعبرة.. انظر على سبيل المثال قوله تعالى: «فاقصص القصص لعلهم يتفكرون». (الأعراف: ١٧٦)، وقوله: «لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب». (يوسف: ١١١)، إن هناك مجموعة من الأسباب وراء عدم التعلم، أولها: نظرية حتمية الصدام مع السلطة، ثانيها: تبرير أخطائهم (على جسامتها، ورغم وضوحها لكل ذى عينين)، وإلقاء التبعة كلية على النظم الحاكمة المستبدة، وثالثها: ثقافة السمع والطاعة والثقة فى القيادة، والتى من نتيجتها: ١- الإيمان واليقين أن القيادة لا تخطئ، إذ لديها الخبرة والتجربة، فضلا عن الإخلاص والتزام الشورى، إضافة إلى المعلومات الغزيرة المتوافرة لديها. ٢- أن الأفراد لا يأخذون معلوماتهم إلا من قيادتهم، وأى معلومات أخرى فهى مغرضة وضارة بمصلحة الجماعة. ٣- أنه لا توجد مساءلة ولا محاسبة لقيادة الجماعة على أى موقف أو تصرف يصدر عنها، وبالتالى لا يعرف أحد ما هى الأخطاء التى تسببت فيها.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com