ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

لماذا ينادي النظام بدولة مدنية ثم يدعم الجماعات الدينية؟

محمد بربر | 2010-07-25 00:00:00

"الأقباط متحدون" تطرح السؤال..
لافتات مباركة الرئيس تفضح استغلال الحزب الوطني للدين
العلاقة بين أهل الصوفية وسياسة الحزب الحاكم.. "نفعني وأنفعك"
الدكتور "سامي الغانم": المنفعة بينهما واجبة, والصوفية أداة سهل السيطرة عليها
الدكتورة "رانيا حامد": النظام قد يعقد اتفاقـًا مع الشيطان من أجل مصالحه الشخصية
الإعلام الحكومي يقيم موالد صحفية للصوفية.. ولا عزاء للمعارضة المصرية

تحقيق: محمد بربر- خاص الأقباط متحدون

على طريقة "مدد مدد على طول المدد", يسعى الحزب الوطني بجدية للسيطرة على الجماعات الصوفية المنتشرة في مصر, وفي الوقت الذي ينادي فيه الساسة وأصحاب الفكر بدولة مدنية تحترم المواطنة والقانون وتقضي على كافة صور وأشكال التمييز, يخرج علينا الحزب الوطني وعلى رأسه أمين التنظيم "أحمد عز" ليغازل الصوفيين.

ولا يعرف أهل الصوفية أن النظام المصري يلجأ إلى استخدام الدين عندما يكون في اللجوء إليه فائدة له، ثم يدعو للفصل عندما يلجأ إليه غيره, وسرعان ما تصبح الصوفية مستأنسة مروضة مسايرة للظلم ومتصالحة مع الفساد وراضية ومتعاونة مع الاستبداد.

مؤخرًا قام خطيب بالدقهلية ليدعو الدكتور "محمد البرادعي" -الجالس أمامه- إلى الالتزام بأوامر الله، وأن يتبع سبيل الرئيس "مبارك"، فطاعة أولي الأمر في القرآن الكريم مقرونة بطاعة الله ورسوله!!!

الصوفية في مصر.. سمعـًا وطاعة
كنزعاتٍ فردية انتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت تشكل طرقـًا عديدة ومختلفة في مناهجها, غير أن الصوفية دائمـًا ما كانت تتصدى للظلم والمفاسد, فالصوفية -بحسب ما جاء في كتاب الصوفية في العالم الإسلامى- عزة بالله تتصدى للعزة بالإثم, والصوفية مقاومة ومواجهة بلا خوف وبلا تردد.

ولقد ضرب الصوفيون أمثلة عديدة على التصدي للفساد، وهذا ما جعل بعض المستشرقين يوضحون أن الصوفية في البلاد المحتلة كانت ثائرة.

وفي "السودان" -على سبيل المثال- تصدت صوفية "المهدي" ورجاله لجيوش الإنجليز, وفي "الجزائر" قاومت صوفية "عبد القادر الجزائري" الفرنسيين, حتى في "مصر" شاركت صوفية "العزمية" مع ثورة "عرابي" وكانت أبرز المناضلين في ثورة 1919، وقطعت السكة الحديد على الاحتلال الإنجليزي, ووزعت المنشورات من مطبعتها السرية ضد الاحتلال، وشاركت في حرب "فلسطين" في عام 1948, بينما السائد الآن في مصر  صوفية منشغلة بصراعات على المغانم والمناصب والأموال.

ولجأ أهل الصوفية إلى الشهرة والأضواء, بعدما نسوا أو تناسوا أن فضيلة الزهد هي من أهم ما تهدف إليه صوفيتهم, ليس هذا فحسب بل قام "الصوفيون الأشراف" بتحويل قيم الصوفية إلى لافتات عريضة وبرقيات كثيرة تأييدًا للسيد الرئيس, باعتباره واجب ديني مقدس والخروج عنه معصية لا تغتفر، وذلك باستخدام السلطان الديني وقدسيته.

وفي الانتخابات الرئاسية السابقة رفع لافتات "اختارك الله فلماذا لا نختارك"؟؟، و"مبارك شعبي مصر"، حتى أن صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت في صفحة كاملة إلى تأييد الرئيس "مبارك" ومنحه القدسية من خلال لافتات أهل الصوفية، خاصة بعدما  قام أحد الشيوخ -مما عُرف عنه من الكرامات والبركات- بالتنبؤ للسيد الرئيس بعُمرٍ مديد، وأن ابنه سيرث الحكم في حياته وسيصير حكمه مباركـًا للشعب!!

الحزب الوطني.. نعم للدين في السياسة
أمر مذهل؛ فالحزب الوطني الذي تنادي مبادئه بمدنية الدولة، ويخرج علينا قياداته كل صباح ليعلنوا رفضهم القاطع لإقحام الدين في السياسة، وينادوا بضرورة القضاء على الدولة الدينية، وتكتب صحفهم أن الدين من السياسة برّاء، وأن الشعارات واللافتات الدينية التي تُستخدم في الانتخابات تقتل قيم المواطنة؛ هذا الحزب هو نفسه الذي يستخدم الدين كلما فرضت عليه الظروف استغلاله.

فحين طالب "البرادعي" بحذف المادة الثانية من الدستور، والتي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع, قام الحزب الوطني ولم يقعد.. وهاج وماج, فالرجل الذي أراد التغيير اتهمه أنصار النظام بتبني شعارات علمانية ملحدة, وكأن الشريعة الإسلامية ترفرف على أرجاء البلاد!!

الحزب الوطني أيضًا ما يزال يستخدم الطرق الصوفية، وخاصة في انتخابات الرئاسة، عندها يصدر بيانـًا بأن مشيخة الطرق اجتمعت وقررت تأييد الرئيس "مبارك"، على النحو الذي جرى في الانتخابات الأخيرة، إذ أكد بيان أن 15 مليون صوفي في مصر يؤيدون الرئيس.

الدكتور "سامي الغانم" -أستاذ علم الاتصال بجامعة المنصورة- يرى أن النظام يستخدم الدين إذا ما كان هناك فائدة من مشايخه أو الطرق الصوفية التي تتغنى بالزهد، موضحـًا أن النظام قام بتجريم استخدام الشعارات الدينية في الحملات الانتخابية لحصار شعار "الإسلام هو الحل"، والذي يرفعه الإخوان المسلمين في وقت دفعوا بعدد من خطباء المساجد للهجوم على المعارض "أيمن نور"، ووصفه أحد شيوخ الطرق الصوفية أثناء الاحتفال بمولد سيدنا "الحسين" بـ "المعارض المتلون".

وتساءل "الغانم": هل ذهب هؤلاء الذين يدعون الصوفية للاحتفال بمولد "الحسين"، أم اجتمعوا ليؤكدوا أنهم والحزب الوطني "حبايب", وأن المنفعة بينهم واجبة؟!!

المهندس "خيري سليم" يرى أن الحزب الوطني وجماعة الإخوان وجهان لعملة واحدة, فالإخوان يستغلون الدين -وهذا أمر واضح للجميع- لكن الحزب الوطني -وهو حزب كل المصريين- يفرض سطوته على الجماعات ذات الشعبية الكبيرة، حتى إن تنافى ذلك مع الديمقراطية.
وتساءل "سليم": كيف يمكن للحزب الوطني الحاكم أن يقحم الدين في السياسة وهو يهاجم دائمـًا كل مَن يفعل ذلك؟؟ مؤكدًا أنها ازدواجية واضحة في ممارسات الحزب الوطني.

الدكتورة "رانيا حامد" -باحثة سياسية بالجامعة الأمريكية- تقول: إذا أردنا تقييم اتجاه الحزب الوطني لاستغلال جماعات التصوف المنتشرة في مصر -والتي تمثل نسبة كبيرة لايستهان بها- فعلينا أن نعترف أولاً بأن عدد أعضاء هذه الفرق ربما يفوق عدد أعضاء الأحزاب المصرية مجتمعة.

وتضيف.. الحزب الوطني يعلم جيدًا أن مواسم الانتخابات لا تحتمل الخطأ؛ لأنه حتى وإن كان الحراك السياسي في مصر ضعيفًا نسبيًا, لكن الحزب يخشى منافسيه ومعارضيه، لاسيما وأن معظم الانتخابات يشوبها التزوير, لذا فالحزب قد يعقد اتفاقـًا مع الشيطان في سبيل السيطرة على مقاليد الحكم والبرلمان.. وحتى المحليات.

وتشير "رانيا" إلى أهمية تبادل المنفعة بالنسبة للطرفين, فالحزب يحاول شراء أصوات الصوفيين من خلال التأثير عليهم وضمهم لحظيرته, والصوفيون مستعدون للخضوع والتسليم والمباركة والتأييد في مقابل المِنح والمناصب، مؤكدة أن أهم مثال على ذلك هو الصراعات الكثيرة الموجودة الآن بين الطرق الصوفية وقياداتها المختلفة.

الدولة تدعم الطرق الصوفية ورجال الدين يرفضونها
الكاتب الصحفي "صالح العايدي" -رئيس تحرير جريدة "المنبر الدولي"- يؤكد على دعم الدولة لمثل هذه الطرق ومشايخها، مضيفـًا أن النظام في مصر يدعم هذه الجماعات لأنها أداة مهمة من أدواته، والتي يجيد النظام استخدامها في الأوقات الحرجة، مشيرًا إلى أن الحزب والطرق يتوحدان في حب السلطة وموالاة الحكام.

ويوضح الدكتور "أحمد نعمان" -أستاذ علم الحديث- أن شيوخ الصوفية أصبح كل همّهم هو إقامة الموالد والتسبيح بحمد السلطان، حتى وإن كانت هناك أخطاء كثيرة في حكم السلاطين، إلا أنهم باتوا قلب رجل واحد في تأييد ودعم الحكام وإضفاء الشرعية علي ظلمهم واستبدادهم وفسادهم، كما صاروا مروّجين للفتاوي والأحاديث النبوية التي تحض على الخضوع للحاكم الظالم، ووصم المعارضة لولي الأمر -ولي النعم- بالخروج عن الجماعة.. وربما عن الدين.

فيما يعتقد الدكتور "شفيق غالي" -أستاذ الأدب الأمريكي- أن العلاقة القائمة على تبادل المنفعة بين الدولة والصوفية جعلت النظام يمنح مناصب عديدة لأهل الصوفية؛ ليصبحوا في أماكن حساسة ومراكز مرموقة, وبعيدًا عن اختيار الدكتور "أحمد الطيب" -المعروف بصوفيته شيخـًا للأزهر، وكان قبلها عضوًا بارزًا في الحزب الوطني- وبعيدًا عن الدكتور "علي جمعة" مفتي الجمهورية -وهو أيضًا رجل صوفي- أو الصوفي الأشهر الدكتور "أحمد عمر هاشم" -رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب، والقيادي البارز في الحزب الوطني على مدار سنين عديدة- يجب علينا أن نفهم لماذا انحاز الرئيس شخصيـًا لأحد أطراف النزاع على موقع المشيخة -حسبما يرى غالي- بل ويختار عضوًا بلجنة السياسات بالحزب الوطني شيخـًا، وهذه مخالفة صارخة للوائح المعمول بها.

حتى الإعلام الحكومي.. يحتفي بالصوفية
الدكتور "سيد الحديدي" -أستاذ الإعلام الدولي- يرى أنه في الوقت الذي كانت الجماعات الإسلامية تمثل فيه خطرًا محدقـًا يهدد البلاد, ومع تزايد أعمال العنف وجرائم الإرهاب في مصر, كان للإخوان المسلمين الدعم الأكبر من النظام المصري للقضاء على جماعات العنف, وكان الإعلام الحكومي -مُمَثلاً في التليفزيون المصري وأقلام النظام- يحتفي بالبيانات التي تصدرها الجماعة وترفض فيها العنف والإرهاب.

مضيفـًا أنه حينما انتهى أمر تلك الجماعات, عاد الإعلام الحكومي وصحف الدولة ليهاجما الإخوان, لكن الاحتفاء بالصوفية وعرض تقارير إخبارية مستمرة عن احتفالاتهم والتسجيل مع قياداتهم في برامج تمتد لساعة وأكثر, ناهيك عن الأخبار التي تحتل الصفحة الأولى في صحفنا القومية؛ كل هذا يؤكد -بما لايدع مجالاً للشك- دعم الدولة واستغلالها لهذا التيار.

 

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com