الإرهاب مشكلة ثقافية قبل أن تكون أمنية أو بوليسية، العقل المصرى والعربى مصاب بأمراض خطيرة ستصيبه بالشلل والعطب والتكلس، وطريق الحل والعلاج مازال طويلاً لإنقاذه قبل الدخول في مرحلة الموت الإكلينيكى، التعليم والإعلام هما جناحا التحليق وشفرة العلاج ودستور الحل، الكتب مهمة والصحف مطلوبة، لكن الفضائيات الآن أهم وأكثر فاعلية وإنجازاً، ذلك لأننا مازلنا شعوباً شفاهية سماعية كارهة للقراءة.
فمن الآخر، وبالمصرى على بلاطة، لا يوجد حل لإنقاذ العقل العربى من أمراضه بدون استراتيجية على رأس أولوياتها العاجلة والملحة إنشاء وإقامة فضائية عربية غير سياسية تنويرية ضخمة، بأهداف محددة، تنتشل العقل العربى من غيبوبته وتحضه على السؤال وتستفز فيه غدة التفكير النقدى، فكرت: أين أتوجه ومن أناشد أن يتبنى تلك الرسالة ويتحمل تلك المسؤولية ويرعى تلك المبادرة؟!، وجدت أن سمو الشيخ د. سلطان القاسمى، حاكم الشارقة، هو الوحيد الذي يمكنه أن يدعم تلك المبادرة.
فقد دعم د. سلطان مجمع اللغة العربية والآثار ودار الوثائق ومشاريع أخرى كثيرة، وهو على كل هذا مشكور وله عظيم الامتنان والتقدير، لكن كل هذه المبانى وجميع تلك المؤسسات، مع كامل الاحترام والتبجيل لها، ذات تأثير متواضع ومحدود في الحرب الضروس التي نخوضها ضد الفاشية والتخلف وسيادة الفكر الخرافى والتغييب العقلى، نحن بالفعل نحتاج إلى فضائية مقرها الشارقة والقاهرة كنقطتى انطلاق وبؤرتى تنوير على العالم العربى كله، تسمو بالوجدان والروح وتحفز العقل، تزرع بذور المنهج العلمى في التفكير، وتعلم الناس كيف يقرأون لوحة أو قطعة موسيقية أو مسرحية أو فيلماً، تعرّف المشاهد ما هي عطايا العلم وهباته الرائعة وثورته العظيمة، فضائية لا تركع أمام صنم الإعلانات المقدس وتقدم له القرابين من تفاهات برامج المنوعات الرديئة والمسابقات الفجة والأغانى الرخيصة التي تهبط بالذوق وتدمر الإحساس وتجعله متبلداً، لابد من التفكير خارج الصندوق، لن يقدم رجل أعمال مصرى للأسف على ذلك، فهو إما مشغول بمعارك سياسية أو إثبات تفوق أو تدليك لنرجسية، والمسألة في النهاية تحولت على أيديهم لفضائيات تداعب الغرائز وتكرس واقع التخلف وتحارب العلم وتروج له وهماً وكذباً على أنه تنين بشع سيُحرق بألسنة اللهب تدينهم وعقائدهم!!، أمراض العقل العربى مزمنة ومتغلغلة في النخاع، منها أننا نفكر بالتمنى لا بالواقع، فنظل أسرى مبالغات الأمنيات ونهمل الحياتى المباشر الملموس، نغوص في بركة وحل حتى آذاننا ونظن أننا في بستان!!، ومنها أننا برغم كل مرور هذه السنوات على اختراع الطباعة مازلنا شعوباً شفاهية من السهل غسل أدمغتها بإشاعة وقيادتها بأكذوبة، الكلمة عندنا تحل محل الفعل، مادام الخطيب المفوه دعا على العدو بالسحق والفناء فهو بالفعل قد سحق وانتهى وارتاح ضميرى وتنفست الصعداء!!، من أمراضنا العقلية أيضاً التي تحتاج إلى جهد رهيب في تلك الفضائية أننا مجتمعات تكره العلم ومنهجه، برغم أنها مجتمعات عاشقة بل مدمنة لإنجازاته التكنولوجية، هي تكره العلم لأنه لا يمنح إجابات نهائية ونحن شعوب تربت على أن كل شىء قد أجيب عنه من ألف سنة وتم حسمه، وما عليك كمواطن عربى إلا أن تجتر ما قيل وتحفظ ألفية ابن مالك في كل العلوم، بدلاً من دخول المعمل الذي يكلفك عناء السؤال والبحث ونفض غبار كسلك المزمن.
هذه الفضائية نواة تغيير ونقطة ضوء، ستكون تغريداً خارج السرب وتمرداً على سياسة القطيع الإعلامية التي حنطت العقول وأسقمت الوجدان وسطحت الروح، لم أجد غير د. سلطان القاسمى لأعرض عليه هذا المشروع كفكرة لا مصلحة مباشرة أو شخصية لى فيها، لم أجد بالفعل، وبعد محاولات عرض الفكرة على كثير من رجال الأعمال الذين إما ابتسموا سخرية أو اتهمونى بالجنون، لم أجد إلا هذا الرجل المحب لمصر العاشق للثقافة الراغب في التغيير بجد وبحب وباقتناع.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com