ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

خالد منتصر.. أهلاً بك فى وكر الأشرار

فاطمة ناعوت | 2015-05-29 09:21:45

وأخيراً، انضمّ إلينا الدكتور خالد منتصر فى وكر الأشرار: «أعداء الله وأعداء الإسلام»، كما يزعم خصومُنا، الذين نراهم بدورنا أعداءَ الحق والعلم والجمال والفكر والعدل، وبالتالى هم أعداء الله، لأن الله هو العلم والحق والعدل والجمال. يشوّهون صورة الله فى أذهان الناس حين ينسبون إليه ما يناقض صفاته العلوية وأسماءه الحسنى.

وكرُ الأشرار اليوم يضمُّنى إلى جوار إبراهيم عيسى وإسلام بحيرى وسيد القمنى وغيرنا من رجال الدين الذين حباهم الله بعقول مستنيرة تنفرُ من شعوذات وعنصريات وشهوات مريضة أقحمها المرتزقة تجار الدين على النصوص المقدسة ليغنموا مآرب رخيصة من سلطان وشهوات واغتصاب طفلات واستنزاف أموال بسطاء العقل. كما ضمَّ هذا الوكر بالأمس القريب رجال فكر وازنين أشرقوا فى القرن الماضى مثل طه حسين ومحمد عبده ونصر حامد أبوزيد وفرج فودة وغيرهم ممن دفعوا فاتورة عقولهم النيّرة، باهظة فادحة. كما ضمّ الوكر ذاته بالأمس البعيد رموزاً إسلامية فارقة ومتصوفة هيهات أن نعوضها مثل ابن رشد وأبى بكر الرازى وابن الهيثم والخوارزمى والفارابى وابن سينا والسهروردى والحلاج وابن عربى وابن المقفع والكندى والجعد بن الدرهم وغيرهم، وجميعهم كُفِّروا وأُهينوا وفيهم مَن قُتل ومَن أُحرِق حياً ومَن قُطِّعت يداه وقدماه من خلاف ومَن سُجن ومَن ضُرب بالسياط ومَن ضُرب على رأسه بكتبه حتى فقد البصر. وقبل هؤلاء وأولئك، فى قديم الزمان، ضمَّ وكرُ الأشرار فلاسفةً وعلماء مثل سقراط، وجاليليو وديكارت وغيرهم؛ تناولوا السُّم بأيديهم ووقفوا على المقاصل وأخفوا اكتشافاتهم الذكية وكتبهم خوفاً من هجمة رعاع يمسكون سيوفاً ويحتمون بضجيجهم.

سيُحاكم الطبيب خالد منتصر بتهمة ازدراء الإسلام! وما مسوِّغات اتهامه؟ أنه قال إن الدين «غير مُعوَّق ولا يحتاج إلى عكاز يتوكأ عليه شأن الكسيح». وأما خصومه فيرون أن الدين الإسلامى ربما غير مُقنع بذاته وغير مُشبع بذاته وغير سوىٍّ بذاته فيحتاج، من ثمّ، إلى مُكسبات طعم لكى يستسيغه الناس، ويحتاج إلى عصا يتوكأ عليها ليمشى؛ لأنه كسيح!

قال منتصر إننا كمسلمين نصوم شهر رمضان لأننا مأمورون بالصيام وفقط، وليس لفوائد طبية. وهذا حق. ونعلم منذ طفولتنا أن فلسفة الصيام هى الشقّ على النفس بترويضها وإخضاعها حتى لا يتسلط علينا الجسد بنوازعه وشهواته؛ بهذا نجعل أرواحنا أقوى من أجسادنا، فنسوسها ونقمعها، بدلاً من أن تقودنا إلى منازعها العمياء. وكذلك لكى نشعر بوجع فقير يتضوّر جوعاً، فترقُّ مشاعرنا ونتعلم الرحمة والإشفاق على المعوزين والفقراء.

لكن هناك من يودُّ إيهام الناس بأن أمر الله ليس كافياً لنا لنصوم، فيعتسف زاعماً أن الصوم لصحة الجسد. وماذا عن مريض الكلى الذى يحتاج لشرب كميات كبيرة ومنتظمة من الماء يومياً؟ هنا يتجلى فساد منطقهم. فالطب بخاصة، والعلم بعامة، متغيران، يخضعان للتبدل والتحول مع كل اكتشاف جديد، بينما الدين ثابتٌ. فكيف نرهن الثابت بالمتحول؟ هذا تقزيمٌ للدين وتحقير لشأنه وإنزاله من مرتبة القداسة إلى مرتبة التجربة المعملية، والصواب والخطأ.

وما جريرة إسلام بحيرى التى يُحاكم جرّاءها اليوم بتهمة ازدراء الإسلام؟ لأنه يرى أن كلام الله ورسالته لنا كامنةٌ كاملةٌ فى كتابه: القرآن الكريم، وفقط. وما عدا هذا من أقوال البشر مما يخالف كتاب الله، لا يُعوّل عليه. فيما خصومه يرون أن القرآن ناقص غيرُ كاف لهداية البشر، فيحتاج، من ثمّ، إلى أقوال بشر قد يتقولون على الله ورسوله ما لم يقولاه إما لفقر فى إدراكهم أو لمآرب فى نفوسهم.

وما جريرتى أنا التى أُحاكَم جرّاءها اليوم بتهمة ازدراء الدين، أيضاً؟ أننى قلتُ إن الله يحب أن نكون رحماء بالبشر والطير والحيوان، لأنها جميعاً صنعته، فإن أحببناه أحببنا ما صنع. ولأننى قلت إن من ملأ حب الله قلبه، كامل قلبه، مستحيل أن يحمل ضغينة لمخلوق، مهما كان مذهبه الفكرى والعَقَدى. وأن نترفق بالذبيحة لحظة نحرها ولا نتلذذ بتعذيبها كما نشهد فى مواسم الأضاحى. بينما يرى خصومى أن الله يأمرنا بإذلال الأقليات لأننا نحتمى بأكثريتنا ونصبو لمرحلة «التمكين» التى بعدها يحق لنا جزُّ الرقاب وتفجير الرؤوس، كما يأمرنا بتعذيب الحيوان أثناء نحره، بينما الأوْلى أن نخجل منها وهى تجود بروحها لكى نأكل ونشبع ونهنأ!

الله تعالى منحنا منحة هائلة اسمها «العقل»، وهو «جوهرة الترقى» التى جعلتنا أرقى من سائر خلقه من طير وعواجم. لهذا يرى خصومنا، على مدار التاريخ، أننا من الأشرار، لأنهم يكرهون العقل والفكر، وكأن الله لم يقل لنا: تفكّروا، تدبّروا، تعقّلوا. وكأنه لم يقل لنبيّه فى صدر كتابه: «اقرأ».
نقلا عن الوطن

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com