«ما وراء مبدأ اللذة» هو أصغر كتب فرويد حجمًا، غير أنه يمثل خطوة جبارة على طريق البشر في فهم طبيعة النفس البشرية. سأتوقف في هذا الكتاب عند مقولة واحدة قد تفتح لنا الباب للعثور على إجابات في قضية تتسم بالغموض الشديد، وهي لماذا كل هذا العشق للموت عند بشر يسعدهم أن يفجروا أنفسهم ليقتلوا أكبر عدد من البشر ويموتوا معهم؟ أين كل ما تعلمناه عن قوة غريزة الحفاظ على الحياة؟ أين ذهبت غريزة البقاء التي حفظت بقاءنا أحياء على الأرض لملايين السنين؟ من أين تنبع تلك الرغبة الممتزجة بالحماسة والسعادة بالموت؟
في كتابه «ما وراء مبدأ اللذة»، النسخة الإنجليزية، طبعة «Norton» من ترجمة جيمس ستراشي، وهي الترجمة المعتمدة لأعمال فرويد. يقول (ص 32): «The aim of all life is death»، (إن الهدف للحياة هو الموت».
بالطبع، هذه الزاوية لا تساعد على أن أنقل لك الخطوات الفكرية التي استخدمها للوصول لهذه النتيجة الغريبة، ولكن دعني أبسط الأمور لأقصى درجة، الأصل في الكائن الحي هو الموت، وهناك داخل العقل رغبة قوية دائمة للالتفاف حول كل الغرائز التي تحمي الحياة، بهدف قيادة الإنسان إلى ما يراه فرويد الهدف الأصلي للحياة وهو الموت. أنا أدعو مفكري الدولة في مصر والسعودية ودولة الإمارات والأردن لمناقشة ما جاء في هذا الكتاب من أفكار. بعيدًا عنا نحن عشاق السهولة والاستسهال.
وباعتباري أحد مفكري التحليل النفسي الهواة لكثرة ما قابلت في حياتي من فاقدي العقول، أقول: نعم، بغير تقوية الغرائز الحامية للحياة، وأهمها غريزة اعتبار الذات «Self regard»، والـ«Super Ego»، التي نعرفها باسم الضمير. وهما الغريزتان اللتان أتصور أنهما يمكن تقويتهما من خلال مناهج التعليم التي تعمل لحساب الدنيا والحياة، وليس لحساب أحد آخر.
قد تقول لي.. في كلامك رنة اتهام لمناهجنا التعليمية، وربما حياتنا الثقافية، وكأنها كانت السبب في تفعيل غريزة الموت عند هؤلاء الانتحاريين، وما رأيك في ألوف الشبان والشابات القادمين من بلاد الغرب بكل ما فيه من تقدم وممارسات محبة وممجدة ومدافعة عن الحياة؟
وأرد: نعم.. هؤلاء بالضبط هم الاستثناء الذي يثبت القاعدة، هؤلاء هم النخالة الناتجة من طاحونة الحضارة المعاصرة. هم مرضى الحضارة الغربية المعاصرة، ومكانهم الطبيعي هو السجون والمصحات العقلية.. بالتأكيد أنت تقرأ يوميًا عن زملاء لهم أطلقوا النار عشوائيًا داخل مدرسة أو مقهى أو على الطريق العام.. الشخص فاقد الاعتبار، فاقد الاحترام لنفسه، سيكون سعيدًا بالانضمام لـ«داعش»؛ لأنها ستحقق له هدفه في أن يموت في إطار بطولي.. يا صديقي، الأوغاد الضائعون عندنا تمامًا كما هم موجودون عندهم.
تفجير مسجد داخل السعودية لا يغير من الأمر شيئًا، لا تستطيع أن تدخل معركة بغير خسائر؛ لم يصل البشر بعد لهذا الاختراع.. المهم ألا تتوقف الدولة عن تعليم مواطنيها حب الحياة وحتمية الدفاع عنها، وهؤلاء المواطنون سيدافعون عن دولتهم لأنهم يحترمون أنفسهم ويحترمونها.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com