عندما كتبت منتقداً مولد وزارة النفاق الطبى في رمضان والذى يحتشد فيه الأطباء طوابير في مزادات فضائية للكلام عن الفوائد الطبية للصيام، كنت أنتقد خطراً مزدوجاً على الدين والعلم على السواء، فالعبادات والطقوس الدينية لاتحتاج موظفى تسويق من الأطباء لإقناع أتباعه ومعتنقيه بهذه العبادات، فهى في النهاية تسليم ويقين إيمانى وليست روشتة طبية أو تقرير أشعة أو تحليل فصيلة دم، وأيضاً العلم لايحتاج التكبيل بمطلقات ثابتة بينما منهجه يقوم على نسبية الأفكار والنقد الدائم والتكذيب المستمر، والسؤال الذي أطرحه على كل الأطباء الذين يتبنون مايطلق عليه الإعجاز العلمى ويتعسفون في تطبيقه على العبادات الدينية، لماذا هذا التسويق الذي لم يطلب منكم أصلاً؟، ستقولون غرضنا شريف وهو تحبيب الناس في الدين وتثبيتهم على العقيدة، جميل هذا الغرض وتلك النية، لكن التحبيب والتثبيت هو بمبادئ الدين الموجودة فيه وليست باختراع وافتعال نظريات علمية ليست فيه ولاينتقص منه عدم وجودها لأن وظيفة الدين ليست أن يتحول إلى مستشفى كليفلاند أو كينجز كولدج !، ومضيف إلى ذلك وللأسف الشديد أن كل مايقوله هؤلاء الأطباء من فوائد طبية للصيام يفتقر إلى المرجعية العلمية المعترف بها، يعنى لم يقدم في مؤتمر علمى عالمى ولا نشرته مجلة علمية محكمة، وقد امتد التسويق الطبى من الصيام إلى العبادات والفرائض الأخرى مثل الصلاة والحج، فيخرج علينا من يقول إن رسالة ماجستير من جامعة الإسكندرية أثبتت أن الصلاة علاج لدوالى الساقين.
أنا راضى ضميرك العلمى يا من ناقشت الرسالة ماهى العلاقة الطبية؟! وإذا كانت أهمية العبادة أو الفرض أو الطقس الدينى بنتيجته الطبية فهل هذا يعنى أن تمارين الأيروبيك أفضل من الصلاة وأنه كان من الأفضل أن نذهب للجيم بدلاً من المسجد؟!، وهل الأفضل لمرضى دوالى الساقين من المسلمين أن يلقوا بالجورب الطبى في سلة القمامة ولتسقط الجراحة وليذهب الدوبلر إلى الجحيم؟.. وهل هناك إحصائية طبية تؤكد أن دوالى الساقين عند المسلمين أقل منها عند البوذيين مثلاً؟!، أما أستاذ جراحة العظام ببنها فيؤكد أن تكبيرة الصلاة تقوى عضلات الكتفين والصدر!!
وأسأل طبيبنا النابه هل من الأفضل أن يستبدل المسلم طبقاً لنظريتك بالتكبير تمرينا بالدمبلز لتقوية أفضل لعضلات التراى والباى والديلتويد؟!!، أستغفر الله العظيم من التزيد والتنطع وفقدان صفاء الدين وتعكير فطرة معتنقيه والتى كانت رائقة عذبة قبل أن يقتحم منافقو التسويق الطبى للعبادات ليمتد كومبانى حياة هؤلاء المعتنقين ويسودوا عيشتهم ويعيشوهم في معضلة تحويل مقاصد الدين الحنيف لمصطلحات طبية لاتينية!.
أما الحج فقد احتل المركز الأول في التسويق الطبى وماعليك إلا أن تقرأ هذا المثال لتعرف إلى أي مدى سرمدى غامض تم السطو على معانى الحج السامية لتتحول مناسكه إلى مستوصف بحجم مكة!!
وطبعاً أهم سيكشن طبى في الحج هو زمزم الذي حلق به الأطباء إلى آفاق علمية مبالغ فيها إلى أقصى حد،الحقيقة التي يجب أن تقال وبصراحة أن رمز ماء زمزم الدينى أهميته تكمن في دلالات قصته وعناصر حكايته وليست في أنه مضاد حيوى أو شربة قاتلة للديدان أو مسكن للآلام، ومايحدث من هيستيريا عند حجاج كثيرين ينتظرون المعجزة الطبية على يد ماء زمزم بل وتصل الكارثة إلى أن يترك مريض السكر الأنسولين انتظاراً لمعجزة زمزم، ويهجر مريض الكبد تيمناً وتوقعاً ليد زمزم الشافية، وتتوالد حكايات وقصص زمزم الإعجازية من أصحاب بازارات الإعجاز العلمى، فهناك عالم يابانى خر ساجداً حين اكتشف مكونات ماء زمزم، ومهندس كيميائى ارتعدت فرائصه حين جاءته نتائج المعامل الأوروبية التي حللت المياه.. إلى آخر هذه الدعايات البالونية التي تنكمش مع أول دبوس منطق علمى، وعندما خرج د.فيصل شاهين مدير عام المركز السعودى لزراعة الأعضاء في عام 2006 ليقول إن تناول مياه كثيرة من ماء زمزم يسبب زيادة في حصوات الكلى من الممكن أن تؤدى إلى قصور في وظائفها والتهابات في مجرى البول.
تعرض الرجل لانتقادات من تجار الإعجاز الذين خافوا أن تبور بضاعتهم ويضيع أهم بيزنس يسترزقون منه، لأن شعارهم ببساطة هو ألف طظ في العلم ومرحباً بالوهم إذا كان سيمنحنا صرة المال!.
أرجوكم توقفوا عن التسويق الطبى للعبادات في بوتيكات العيادات والفضائيات، فالدين ليس في حاجة لفروع شركات «السيلز» وأوكازيونات العروض الشبيهة بعروض شركات المحمول وأوكازيونات الصيف، والعلم الذي هو في بلادنا على جهاز التنفس الصناعى مريض بما فيه الكفاية فلا تنزعوا عنه الفيشة وأسطوانة الأكسجين الأخيرة.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com