خلف جدران فضائية شهيرة في نهار رمضان ، أغمض الشيخ الأزهري الشهير عينيه واستند برأسه إلى الوراء منتظرا موعد ظهوره اليومي ، أقبل عليه أحد مساعدي الإخراج طلبا لفتوى دينية ، سأله إن كان من الجائز شرعا أداء عمرة بنية منح ثوابها للنبي "ص" ؟؟ ما كان من فضيلته إلا أن قام برفع يديه إلى الأعلى ثم ثني إصبعيه الأوسطين في إشارة بذيئة نحو الشاب السائل !! تذكرت تلك الواقعة عقب طلب الأزهر إيقاف برنامج الباحث "إسلام بحيري" ، وتذكرت معها أيضا عددا من الحقائق ..
الأزهر مؤسسة مخترقة .. سواء من السلطة أو من اليمين المتطرف بكافة أطيافه ، مواقفه الرسمية دفعت البعض لنعت رجاله بـ "الموظفين" أو "مشايخ السلطان" ، في حين رأى أخرون أنه "حاضنة مستترة" للتطرف والإرهاب بسبب عدم نقاء التراث الذي يُدرس لطلابه في أروقته ، الأزهر كان شيخه الأكبر إلى جوار السيسي في بيان 3 يوليو بينما ساحة جامعته كانت من أبرز البؤر التي حاربت المصريين عقب 30 يونية ، بدون كلام منمق ، الأزهر فقد "ظله" حينما فقد "استقلاله" الذي كان أساسا "لسمعته" قبل زمن بعيد !!
رجاله فقدوا نجومية الشباك .. يتحتم على الأزاهرة مواجهة واقعهم بسؤال : لماذا أخفق دعاة الأزهر بالسنوات الماضية في اقتسام الكعكة الدعوية بشكل حقيقي مع الأخرين ؟! لماذا تم استقطاب المصريين بين دعاة شباب ارتدوا أزياءً حديثة وتحدثوا فقط في الرقائق ، وبين أخرين تدثروا بثياب وهابية غريبة ولا حدود لأطوال لحاهم أو تطرف أفكارهم ؟! لماذا لم تعد الغالبية العظمى من الناس تُقبل على الأزهري صاحب الجبة والقفطان والذي لم يتبق له من إرثه القديم سوى خطبة منزوعة الدسم تذاع على تليفزيون الدولة ظهيرة الجمعة !!
ردود فعله خارج الزمن .. جميع الذين تعرضوا للمنع أو المصادرة انتشرت أفكارهم بين الناس وتبودلت كتبهم سرا ، المؤسسة العريقة التي تهتز من برنامج تليفزيوني تضع نفسها وبقوة في دائرة الاتهام بالهشاشة ، وقد تصنع من مخالفها في الرأي بطلا تنويريا في المستقبل لا مجرد باحث عن حقيقة أو طارح لفكر جريء ، الفكر لا يواجه إلا بالفكر ، من المثير للشفقة أن يطالب الأزهر في بيان له بإيقاف برنامج !! وعلى نحو كوميدي أسود يتهمه بإنه "مناهض للأمن الفكري والإنساني" !! ماذا ترك الأزهر لكنائس العصور الوسطى ؟!
في النهاية ، أنا هنا لست بصدد الدفاع عن الباحث الجريء "إسلام بحيري" فهو الأجدر بذلك وأنا أستفيد من عصفه الذهني ، كما أني أبدا لست بصدد الهجوم على كيان بقيمة وقامة الأزهر الشريف ، لكني أريده كما قرأت عنه في التاريخ لا كما أراه الأن ، أريد رجاله كما شاهدتهم برائعة يوسف شاهين "الوداع يا بونابرت" وهم يهتفون بصدور مفتوحة في مواجهة رصاص الفرنسيين "مصر هتفضل غالية علّيا" ، لا كما رأيت أحد أشهر علمائه بكواليس مدينة الإنتاج الإعلامي .
نتقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com