علي سالم
وفى ليالى الأرق نذكر بالخير ليالى السهر. فى إحدى تلك الليالى الساهرة كنا نناقش ظاهرة هؤلاء المحرومين من المواهب الذين يكتسحون كل الموهوبين ويستطيعون دائمًا القفز فوق صفوفهم والجلوس على الصفوف الأولى. وقال صديقى، رحم الله الجميع، يقول الله سبحانه وتعالى فى حديث قدسى: وعزتى وجلالى.. لأرزقن من لا حيلة له حتى يتعجب أصحاب الحيل.
منذ ذلك الوقت البعيد انشغلت بمحاولة فهم هذه الكلمة وما تعنيه. هل الحيلة تعنى القوة والمعرفة أم هى ذلك السلوك الذى نلجأ إليه لتحقيق رغباتنا عندما نفتقر إلى المعرفة والقوة اللازمتين لتحقيق تلك الرغبات والتى تسمى فى هذه الحالة «الاحتيال» بعيد عنك. لست فى حاجة لفتح القواميس لمعرفة معنى كلمة ما، فربما كانت تلك المعانى تتغير مع مراحل الزمن. أما ألسنة الناس فلا تكذب، لذلك أنا ألجأ إلى السماع بدقة لأعرف معنى الكلمة.. نقول: فلان واسع الحيلة (بمعنى الذكاء).. ونقول: وليس لى فى الأمر حيلة (بمعنى الافتقار إلى القوة، طبعًا حضرتك فاكر سمراء حلم الطفولة) ونقول: الواد ده حيلة أمه وأبوه (بمعنى الثروة الوحيدة)، هى كلمة ممجدة عندنا نحن سكان وادى النيل. هى تعنى الذكاء والقوة، أى المعرفة بوجه عام، كما أنها تعنى الملكية. فى هذه الحالة يحق لنا أن نتساءل: من أين إذن جاءت كلمة «الاحتيال» ومحتال المُجَرّمتان قانونًا؟ كيف تعنى الكلمة المعرفة والقوة والجريمة فى وقت واحد. راجع جيدًا صفحات الجرائد ومفردات ضيوف الندوات التليفزيونية، لقد اختفت كلمة «احتيال» من قواميسهم. وذلك لسبب بسيط هو أن الاحتيال لم يعد يشكل جريمة عند معظمنا بعد أن تحول لأسلوب حياة.
الكذب هو أبسط أنواع الاحتيال وأوضحها، اسأل نفسك هل تشعر بأن الكاذب شخص مجرم؟ هل نحن فعلاً نُجرّم الكذب أم نعتبر أصحابه من أصحاب الحيل.
اللجوء للحيلة علامة ضعف ودلالة على الجهل وانتهاكاً للقوانين. سأعطيك مثلاً واحداً، فى بداية تسعينيات القرن الماضى، أخذت الحكومة المصرية تؤكد للعالم كله أنها فى طريقها للتخلص من القطاع العام، ولكننا لن نبيعه بأثمان بخسة.. يا بنك يا دولى، إدينا من فضلك شوية فلوس عشان نجددها ونجدد المكن بتاعها ونصلحها ونروّقها عشان تجيب فلوس لما تتباع. وبعد أن حصلنا على الأموال اللازمة لذلك قلنا بصوت عال بقى معقول نبيعها بعد ما صرفنا عليها الفلوس دى كلها؟.. إحنا ها نلغى القطاع العام.. وصاح العالم هييييييه.. وها نعمل حاجة تانية اسمها قطاع الأعمال.. تدار بطريقة القطاع الخاص. لأ يا شيخ.. إزاى..؟ حا تشوفوا إزاى.. وشفنا إزاى ولسه يا ما حانشوف.
ضعاف العقول فقراء النفوس يعتقدون أن الحيل دلالة على التفوق وحدة الذكاء. هم يحتالون على الناس وعلى القوانين، وعلى استعداد أن يلجأوا إلى الحيل إلى الأبد.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com